Friday 3rd June,200511936العددالجمعة 26 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "دوليات"

أحلامٌ عراقية بلون الاحتلال !أحلامٌ عراقية بلون الاحتلال !
د. حميد عبد الله*

في إحدى المناقشات الجامعية استهل أحد أعضاء لجنة المناقشة حديثه مخاطباً الطالب المرشح لنيل شهادة الدكتوراه قائلا: أما الأخطاء فإنني اغرف منها غرفا وأما الأشياء الصحيحة في أطروحتك فإنني ابحث عنها تحت المجهر ولم أجد لها أثراً !
تذكرت مقولة هذا الأستاذ وأنا استمع إلى حوار دار بين عراقيين اثنين أحدهما متفائل ومزهو لما حدث في العراق بعد الاحتلال، والآخر مبتئس ويائس من إصلاح الأحوال وتحقيق المنال قال الأول لصديقه اللدود: دعنا نرسم صورة بالألوان للواقع العراقي لنعرف ما كنا عليه وما أصبحنا وبعدها يتبين إن كانت الأوضاع قد تحسنت أم تراجعت وبدا صاحبنا يستعرض أوجه الواقع العراقي الجديد قائلا: وعدونا بتحسين الكهرباء وقالوا إن كل الخبرات والإمكانات الدولية ستوظف لتجعل العراقيين ينعمون بالنور، غير اننا وجدنا الكهرباء بعد عاميين من الوعود أكثر ترديا وتدهورا وفسادا، ووعدونا بحملة إعمار تبنى خلالها عمارات عملاقة، وناطحات سحاب شاهقة، ومنتزهات غناء، وحدائق لا مثيل لها في دول العالم المتحضرة والأكثر تحضرا، وجامعات تستقطب علماء الأرض من كل حدب وصوب ،وشوارع بأربعة ممرات فوجدنا أنفسنا في مدن مخربة، وعمارات مهدمة مازالت مذبوحة بصواريخ المحتل، وشوارع حفرتها مجنزرات الأمريكان ودباباتهم حتى بتنا نجد بين الحفرة والحفرة فيها حفرة أو بئر أو بالوعة، ولم يتحقق من حملة الإعمار سوى طلاء المدارس بألوان فاقعة مقابل مئات الملايين من الدولارات، وبشرونا بالشفافية وان كل دولار يصرف من أموال الشعب العراقي المظلوم سيكون معلوما وواضحا ففجعنا بتقارير الأمم المتحدة وهي تؤكد أن العراق أصبح يحتل المرتبة الأولى بين دول العالم من حيث مستوى الفساد الإداري الفساد الإداري، وسمعنا وزيرا عراقيا يعلن على رؤوس الأشهاد انه غير قادر على الاستمرار في عمله بسبب استشراء الفساد، ثم وعدونا أن مواد البطاقة التموينية التي كانت تأتينا في عهد صدام من أسوأ المناشئ سوف تتحسن وتأتينا ( مسلفنة) وتضاف إليها الشوكولاته والمشروبات الغازية والعسل المنقى، وربما لحم الغزال أيضا ففجعنا بتردي مواد البطاقة التموينية وغياب مفردات أساسية منها كالرز والسكر.
وطرنا فرحا عندما تخلصنا من زوار الفجر الذين كانوا يقتادون ضحاياهم إلى أماكن مجهولة ومصير مجهول لكننا استعضنا عن القتل بالزنزانات بالقتل بالتفخيخ، وعن رجال العسس بجنود الاحتلال الذين يداهمون بيوت العراقيين من غير سبب سوى إشاعة الرعب والفزع في قلوب المنادين بالاستقلال والكرامة، وبالملثمين الذين يتربصون بعباد الله فيقطعون رؤوسهم في وضح النهار، واستبدلنا ظاهرة تغييب العراقيين بظاهرة انتشال الجثث من الأنهر والبحيرات ومن على قارعة الطرق.
وهنا طفح الكيل عند صاحبه فصاح غاضبا : كفى.. لقد نفثت كل سمومك، ولكنك نسيت انك لولا زمن الحرية لما قيض لك أن تذكر كل هذه العورات والعيوب، وأن تشتم الحكومة وتستنكر الظواهر السلبية وتحتج وتتظاهر وتطالب بحقوقك علنا وتقول كل ما تريد قوله من غير حسيب أو رقيب! فضحك صاحبه وقال لغريمه : يا اخي اشجب كما تشاء واستنكر واشتم وتظاهر ولكن أحدا لن ينتبه إليك وأنت تقتل وتجوع وتشرد وتهدد وتطارد.. فاهتف حتى مطلع الفجر... واغرف من الإنجازات غرفا ! نعم اغرف من ( إنجازات) الاحتلال غرفا.

* كاتب وصحفي عراقي

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved