Tuesday 7th June,200511940العددالثلاثاء 30 ,ربيع الثاني 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "دوليات"

الحالة العربية.. الخرافات والحقائقالحالة العربية.. الخرافات والحقائق
عبدالله بشارة

بهذا المدخل التشخيصي بدأ الدكتور الشيخ محمد الصباح وزير خارجية دولة الكويت، محاضرته في جامعة أكسفورد يوم الثلاثاء 24 مايو الماضي، وجوهرها (الاستثنائية العربية) الخارجة عن التطور الإنساني العالمي، متأرجحاً بين المتفائلين الذين يرون في التحركات الديمقراطية انجازاً مشجعاً، كما يحدث الآن في التحول الديمقراطي في العراق، والتحسينات الدستورية في مصر، وانتخابات فلسطين، وفوز المرأة في الكويت، والتلميحات المريحة في السعودية، والانتخابات الديمقراطية في الخليج.. لكن الحاملين لمشاعر التشاؤم كثيرون، وهم يشيرون إلى تقرير التنمية الصادر عن الأمم المتحدة حول الوضع الجامد في المنطقة، ويتحدثون عن التطرف والحدة واختلاط السياسة بالدين، وعن ظاهرة الإرهاب والنزعة الانتحارية.
هل نوافق على ما يقوله مدير مركز الحوار في واشنطن - السيد صبحي غندور - في مقاله في الرأي العام يوم الأربعاء الماضي، الأول من يونيو 2005م بأن (أجواء الانقسامات والصراعات الداخلية تحوم في أكثر من بلد عربي، وأن المنطقة العربية تؤكل أراضيها وسيادتها بعدما أكلت ثرواتها وخيراتها لعقود طويلة).
وربما من المناسب أن نجري مسحاً عاماً على المسرح العربي من أجل التعرف على هذه الاستثنائية العربية السمجة التي تحدث عنها وزير الخارجية الكويتي وسعى في محاضرة طويلة إلى إجهاضها بالدليل المنطقي.
ويمكن إبداء الملاحظات التالية:
أولاً: تسيطر على المنطقة العربية دينميكية حادة انطلقت من الالتقاء المصلحي بين القوى الدولية والذات العربية، وهذا الالتقاء دفع بالمنطقة إلى هذا التحول الذي نراه الآن في معظم البلدان العربية، عانت الأسرة الدولية من التطرف الإرهابي المستتر وراء شعارات دينية يستغلها، وعانت من جمود الأنظمة العربية التي قاومت التجديد خوفاً من نتائج هذا التجديد على حياتها وبقائها، واستنجدت بوسائل الاستبداد لإسكات الصوت الناقد والمتذمر، وفجرت وسائل الاستبداد والقمع الاحتجاجات من المحبطين الذين وظفوا العنف لمواجهة هذا الاستبداد.
ولا تلام الأسرة الدولية إذا رفعت أصابع الاحتجاج على الوضع العربي الجامد ومارست الضغط والنصائح ووظفت الدبلوماسية الناعمة من أجل التطوير، لأنها تعاني مثل حال المجتمعات العربية المحبطة من الحالة المشلولة والبالية التي تعيشها الأنظمة العربية.
ثانياً: في المشهد العربي الراهن تبرز التبدلات التي نتابعها للخروج من الحالة الاستثنائية المرفوضة، إسقاط نظام صدام حسين أزال مصيبة جاثمة على نفس الشعب العراقي ومهددة للاستقرار الإقليمي، ومبتزة للمصالح الدولية، ومع إسقاط صدام انحسر القبول للايديولوجيات الخرافية التي تبناها حزب البعث والأحزاب القومية العربية والتي رسمت واقعاً خيالياً طموحاً ومبتزاً، مستغلاً شعار الأمة الواحدة، فخروج العراق من الحالة العبودية والحزبية إلى الانفتاح الواسع جاء بواقع لا يتعايش مع احتكار الأقلية للسلطة.
ونرى الحالة اللبنانية في هذا المشهد الذي نشير إليه بما فيها من إيجابيات، حيث التقت مصالح الأسرة العالمية مع المصالح والمشاعر اللبنانية، فانسحبت القوات السورية وسط أجواء احتفالية لبنانية تدل على اخفاق الأيديولوجيات ونظريات التآخي، وجاء خروج سوريا بعد رفض المجتمع الدولي لظريات سوريا ومبرراتها في البقاء.
وتبقى سوريا في حالة من السيولة في انظار ما سيفرزه مؤتمر الحزب صاحب الاخفاقات السياسية والاقتصادية والفكرية.. ورغم ما أصاب سوريا من مجاعة في سياستها ودبلوماسيتها، يحتفظ الشعب السوري بعزم على الخروج من سجل الاخفاقات بالإصرار على حقوق الإنسان والانفتاح والديمقراطية وحقوق المواطنة وحماية المصالح دون احتكار من أحد.
وتبقى دمشق وحيدة في حساباتها القديمة تحاول أن تخرج من جلباب البعث الخانق، وفوق ذلك لا ننكر بأن مستقبل سوريا يختلف تماماً عن واقعها اليوم، في سعيها للتأقلم مع القانون الإنساني العالمي المستجد.
ثالثاً: كلنا سعداء لتطورات السودان ونهاية الحرب الأهلية فيه، والبدء في فصل جديد يأخذ حق أهل الجنوب كمواطنين وأهل منطقة دارفور متساوين مع الآخرين، في نظام فيدرالي موحد، ومع تحفظاتي على نظام البشير، لابد أن ندعم خطواته ونحيي شجاعته في التوقيع على الاتفاق غير المسبوق، ومهما كانت الاخفاقات في السودان فإن الاتفاق الجماعي يحسب لنظام البشير الذي أخرج السودان من نزيف دائم وحرب أهلية مدمرة.
وفي مصر تبرز قراءات صحيحة للوضع فيها، فقدها المجتمع المصري منذ عام 1952 كلمات صارخة ومعبرة عن مشاعر وموقف واضح (كفاية) ويرد عليها الآخرون (مش كفاية)، ويصل التحاور إلى التهديد بالاعتصام والإضراب بعد أن تحركت هيئات المجتمع المدني.. ويكتب واحد مشهود له بالنزاهة مثل الدكتور مصطفى الفقي - رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري - عن القضاء المصري المشهود له بالنزاهة، لكن الاعتراض على طريقة اختيار القضاة، فبدلاً من الاستقلال التام في الاختيار يتم الاختيار الموالين للنظام.
ولا داعي للإشارة إلى أحوال شمال أفريقيا، يكفي ما حدث من تبدلات في ليبيا ونظامها الخارج عن فلك الفهم والاستيعاب.
هذه ايجابيات شمولية تعم المشاهد في العالم العربي، وهي حالة ديناميكية لا تستقيم مع نهج النعي المستمر للعالم العربي وللشعوب والأمة التي نقرأه ونشاهده ونستمع إليه، من كثيرين يرون الأمس أحلى من الغد.
رابعاً: كما يقول الوزير الكويتي بأن الإسلام دين تطور لا عقبة، ودين تسامح لا جمود، ودين تعايش لا طرد، ودين وسط لا تطرف، ودين محبة لا إكراه، لم يكن عقبة أمام الانفتاح، ونشهد الآن الدعوة العارمة والقوية للاعتدال ونبذ المبالغات وانحسار الأيديولوجيات والتركيز على التواصل، وبذل الجهد نحو التنمية بلا خرافات ولا يافطات، لأن غياب التنمية والقهر الاجتماعي والإحباط هي مسببات الانتحارية اليائسة.
بالأمس القريب جاءت ندوة هامة في الكويت عن الوسطية، وقبلها عقد منتدى البحرين حول مبادئ الحاكمية والإدارة الرشيدة، وجوهرها الاعتراف بسيادة المواطنين، وتعظيم الجوامع والقواسم المشتركة، وعقلنة التعليم وحقوق الإنسان والديمقراطية.
العالم العربي جزء من الكون ومن الأسرة العالمية، لا ينفصل عنها، يخضع للضوابط التي يسير عليها هذا الكون وهي ضوابط الاستنارة التي يتميز بها النظام الإنساني العالمي الجديد الذي يتسيد آسيا وأوروبا وأفريقيا، ويتحرك العالم العربي بقوة للتفاعل معه.
لن يعود العراق إلى البعث المغتصب ولن تستمر سوريا بالبعث الجامد، وتتحول مصر نحو الليبرالية المستنيرة، ويخرج السودان من مأساة الحرب الأهلية.
أجواء اليوم لا تساعد نظام الحزب الواحد، ولا تقبل الاستبداد، ولا تتحمل العزلة.. ويستشهد الوزير الكويتي في حكمة ابن خلدون، في تحذيره من تسلط الدولة على الاقتصاد، لأنه يحمل في طياته بذور الاستبداد..
ومع كل ما في هذا المشهد الواعد، سنقرأ عن يأس اليوم وعظمة الأمس وغموض الغد..
قالوا بأن الشد الماضوي يظل قوياً في ذهن العرب، وسنرى مدى صحة ذلك مع أحداث المستقبل.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved