Friday 8th July,200511971العددالجمعة 2 ,ربيع الآخر 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "الرأي"

السلوك الإبداعيالسلوك الإبداعي
د. خليل إبراهيم السعادات

ليس ثمة شك في أن العصر الذي نعيش فيه هو عصر القفزات السريعة التي تجعل الإيقاع المعتاد الذي كان يتعامل به الناس فيما بينهم إلى عهد قريب لم يعد هو الإيقاع الذي يتعامل به العالم اليوم، ولن يكون الإيقاع القادم بعد سنوات محدودة مشابهاً للإيقاع الحالي للحياة والإيقاع المقصود هو السرعة التي نتصرف بها في مواقف الحياة المختلفة والاستجابات الملائمة التي نتفاعل بها مع معطيات الواقع في الوقت المناسب دونما تقديم أو تأخير.
ذكرت ذلك دراسة حول الإبداع والطريق إلى المستقبل. وأشارت إلى أن الإبداع لغة هو الإتيان بأمر لم يكن ابتداءً - كما ورد في لسان العرب - أبدعت الشيء؛ اخترعته، وأبدع الشاعر؛ أي جاء بالبديع، والبديع المحدث العجيب.
ومن المتفق عليه أن الإبداع يشار به في الحياة اليومية إلى نوع من التصرف أو السلوك المغاير غير المتوقع النافع والملائم لمقتضى الحال والاقتصادي في نفس الوقت، وفي أي مجال ذهبت تجد أن هذا المعنى للسلوك الإبداعي يرضي احتياجك ويفي بما هو مطلوب.
وبحسب الدراسة فإنه في الفن لا يكون المبدع مبدعاً إذا كتب شيئاً تقليدياً ليس فيه جدة بل هو تقليد لشيء تم إبداعه من قبل. وقد يكون المنتج جديداً ولكنه لا يكون ملائماً لمقتضى الحال، مثل تلك الأنماط من السلوك التي تصدر عن الفصاميين والمتخلفين عقلياً فهي قد تكون أنماطاً جديدة من السلوك بمعنى الشذوذ والقدرة وعدم التكرار، ولكنها لا تأتي ملائمة للموقف أو السياق أو لمقتضى الحال، وربما يكون المنتج جديداً وملائماً ولكنه لا يكون اقتصادياً فاختراع وقود جديد للسيارات مستخلص من التراب مثلاً فيه جدة وقد يكون ملائماً للاستخدام ولكنه قد لا يكون اقتصادياً وفي هذه الحالة فإن حكماً بالإهمال أو التأجيل قد يصدر ضد مثل هذا الاكتشاف. وقد يرى البعض أن ما ليس ملائماً الآن قد يكون ملائماً للمستقبل، وما ليس اقتصادياً في الوقت الراهن قد يأتي الوقت الذي يكون فيه مناسباً من الناحية الاقتصادية. تقول الدراسة إن هذا جائز وممكن بالفعل ولكن من الناحية العملية، وحتى يكون المنتج الإبداعي مقبولاً ومستساغاً فإن الثقاة من دارسي الإبداع وإن كانوا لا يرفضون الجديد، غير الملائم وغير الاقتصادي بشكل مؤقت، إلا أنهم يوصون بأن الجهد الذي يبذله المبدع يجب أن يكون جهداً مرشداً ومسترشداً بالحاجة الاجتماعية وبالظروف السياسية وبالواقع العملي حيث تكون الرابطة قوية بين المبدعين من ناحية وأولئك الذين يتلقون عنهم إنجازاتهم من ناحية أخرى، وكي يكون السلوك الإبداعي مرتبطاً بالحاجات الاجتماعية وبالمتطلبات الاقتصادية. وقد تمت القفزات الإبداعية في معظمها في ظل الأزمات والحروب؛ بمعنى أن الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية هي التي تدفع وتحرك الجهد العقلي عند الناس والجهد العقلي المطلوب في تلك الأثناء هو غالباً جهد إبداعي، وربما يكون من المناسب - كما تقول الدراسة - أن تقرر في السياق الحالي أن هذا الجهد العقلي الذي يشكل أهم أبعاد السلوك الإبداعي ليس هو المسؤول وحده عن فعل الإبداع؛ فقد اتضح أن المبدع ليس مبدعاً لأنه يملك فحسب قدرات عقلية من طراز معين كالقدرة على الطلاقة والمرونة والأصالة وغيرها، بل إن المبدع يكون مبدعاً لأنه يملك مثل تلك القدرات العقلية الإبداعية مع قدرات عقلية أخرى تقليدية مثل القدرة على الاستدلال والفهم اللفظي والتذكر والاستبصار، هذا إضافة إلى تسلحه بعدد من سمات الشخصية الإيجابية مثل الجرأة والمغامرة والرغبة في التفوق والإنجاز والثقة بالنفس والجاذبية الشخصية والاجتماعية، كذلك وجد أن المبدع يجب أن يكون قادراً على صبّ كل هذه المفردات في قوالب جمالية مناسبة للسياق ومقبولة لمن يتلقى عنه جهده أو نتاجه الإبداعي.
بعد ذلك لا بدّ من أن يكون المبدع متواصلاً مع جماعته مقبولاً منها قادراً على التفاعل معها والتأثير فيها مستطيعاً قراءة احتياجاتها المستقبلية، وملبياً تلك الاحتياجات في هذه الحالة. وعندما يكتمل رباعي السلوك الفعال تتحقق حاله من الفاعلية ربما في لحظة محددة وفي وقت معين ينتج معه حالة فريدة من العطاء النفسي أو الأساس النفسي الفعال تلك الحالة التي عندما يصل إليها المرء فإنه يكون في أفضل حالاته ويكون من ثم قادراً على الانطلاق في الفعل وفي الإنتاج الذي يأتي فعلاً إبداعياً وإنتاجاً متميزاً، وعلى الله الاتكال.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved