Tuesday 19th July,200511982العددالثلاثاء 13 ,جمادى الثانية 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "منوعـات"

نوافذنوافذ
سوبرمان
أميمة الخميس

لكل شعب من الشعوب أبطاله الخارقون الذين يقطنون المخيلة الشعبية، تلك المخيلة التي تخلع عليهم صفات ما فوق بشرية، وسمات أسطورية بحيث يتخذون طابع المخلص والمنقذ، ولا سيما في المنعطفات التاريخية والمصيرية لتلك الشعوب.
وتتغذى هذه الشخصيات على خيال البسطاء والعامة الذين يمتلكون قابلية كبيرة، للتشبث بما فوق الواقع، إزاء واقع قاحل وممحل، هم أنفسهم غير قادرين على التغلب عليه بأدواتهم البسيطة العاجزة عن السيطرة على البيئة المحيطة بهم، عندئذ يستجيرون بأرض المخيلة لتكمل المهمة، لأنهم غير قادرين على مقارعة الطبيعة بأداة العقل ولم يؤمنوا بقوته وجبروته، فأخذوا يتوسلون اللا عقلاني واللا منطقي كحل أمام عجزهم المطلق وهم يرون أنهم بلا منجز بشري أو حضاري حقيقي يضاف إلى هذا العالم.
وبالتأكيد هؤلاء الأبطال الخارقون يستجيبون للأحداث المحيطة ونوع المواجهة بين شعوبهم والعالم الخارجي (هذا العالم الخارجي يكون على الغالب قويا ومتحضرا) من حولهم، فيسدون تلك الثغرة الشاسعة التي يقبع بها تخلفهم وتأخرهم وعجزهم عن التفوق في ميادين الإبداع والابتكار العالمي.
وبعد اللوثة الأفغانية التي عصفت بنا في الثمانينات، كنت أظن أن قصص احياء الموتى، ورائحة المسك التي تنبعث من الجثث، والقبور التي تضيء ما بين المشرق والمغرب، والحصاة التي تتحول إلى مدفع (آر بي جي) في يد المقاتل قد انتهت وانقرضت.. وقد تلاشت على بلاط الخيبات وعلى صخرة القبائل الأفغانية المتناحرة التي انتهت إليها الحرب هناك، والأفغان الذين يسلمون رؤوس الأفغان العرب إلى الأمريكان (الراس بعشرة دولارات).. وكنت أظن بأن تلك الأساطير في طريقها إلى التلاشي بعد أن انتهت تلك الفترة الخارقة المليئة بالسحر والخرافة والشعوذة، والتي طوقت رؤوس الشباب لسنوات عديدة.
ولكن يبدو أنها ستظل موجودة طالما أن هناك الكثير من الخيال الشعبي المطوق بالسذاجة والناس البسطاء وعدم الرغبة في الاستجابة للواقع بجميع تفاصيله.. لا نستطيع أن ننكر أن الكثير من حركات العنف السياسي كانت تتدثر بتلك المخيلة الشعبية الأمية الساذجة التي ما برحت تعيش زمن الخرافة.. التي تؤمن بأن الجثث تنبعث منها رائحة المسك، وأن هناك ابتسامات على وجوه القتلى من الإرهابيين لأنهم باشروا الجنة.
أرعبني اليقين الذي كانت تتحدث به إحداهن عن رائحة المسك والابتسامات.. وما هنالك من خزعبلات.. فسألتها ببساطة: هل يمتلك من تتحدثين عنهم أدنى درجات العلم والمعرفة العقائدية والشرعية التي تخولهم التحزم بالحزام الناسف واختطاف أرواح العباد من المسلمين والذميين وسواهم من الآمنين؟ استجابة لفكرة مجنونة تسيطر على أدمغتهم؟ هل كل من قرر أن يصلح العالم عليه أن يتزنر بالحزام الناسف وينطلق كالمجنون تحت سيطرة فتوى أطلقها البعض في حالة حماس أخرق، ومن ثم سرعان ما تراجع عنها؟ وظهر يبكي على شاشات التلفاز بعد أن شاهد نتائج فتواه؟ هل نحن في زمن الغابات حيث الحل بالناب والمخلب؟ أي زمن بدائي نتقهقر إليه؟ أي زمن منقرض تأخذوننا إليه؟
لا أدري وقتها إن كانت تسمعني أو تستجيب لما أقول، لعلها كانت أسيرة فكرتها الوحيدة والمطلقة.
البسطاء والعامة إن لم يجدوا لهم بطلاً خارقاً صنعوا لهم شخصية موازية.. حتى ولو كانت دموية ومجرمة وملوثة بالدماء والأشلاء.. سيلقون عليها حلة المسك والخرافة لتستجيب لحرمانهم وآمالهم الحبيسة.. وبالتحديد داخل تلك البقعة السوداء الغامضة ينشأ التطرف والتخلف والتنطع.. طالما كان هناك من يجيد اللعب على مخيلة السذج والعوام والدهماء.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved