كما هي مهمة الطبيب فتح عيني المريض على مواطن المرض في جسده ليقرع بذلك أجراس الاهتمام في نفسه، ويحاول مراجعة حساباته الصحية، ومواجهة المرض، فإنّ المدير لا يقل دوره بحال من الأحوال عن الطبيب مع مريضه!! فرغم أنّ الأول يعالج حالة مرضية عضوية، إلاّ أنّ الثاني يعالج حالة مرضية نفسية من خلال سلوكيات غير مرغوبة، فالطبيب يحاول الاستعانة ببعض أدواته، كالتحاليل، والأشعة، والفحص الموضعي، والمدير له أدواته التي يستطيع من خلالها اكتشاف بعض الأمراض الإدارية غير المرغوبة!! ولو لم تتوفر لدى الطبيب أدواته التي يستطيع من خلالها التوصل إلى العلة، لما استطاع أن يصف الدواء، أو يحدد المرض بشكل دقيق، ولذهب المريض إلى طبيب آخر لمعالجة المرض!! فالحالتان تختلفان هنا. فالمريض الذي يشعر بالألم هو الذي يبادر بالذهاب إلى الطبيب بحثاً عن الشفاء بتوفيق الله، أما الحالة الثانية فالمبادرة تبدأ من المدير الذي تقع عليه مسؤولية تلمُّس جوانب القصور في موظفيه لمعالجتها!! ولو لم يستخدم المدير أدواته في معرفة جوانب القصور في الموظف التي تعتبر حالة مرضية معدية لانتقل المرض في كافة خلايا الإدارة!! ومن تلك الأدوات النماذج الخاصة بالمتابعة والمقابلات الشخصية والتوجيه المستمر وتقويم الأداء الوظيفي! ولو لم يستطع المدير القيام بذلك بالشكل المطلوب لما شفيت الإدارة من أمراض اللامبالاة، والتأخر عن الدوام، والغياب، وعدم الالتزام، وإنجاز العمل متأخراً. والحالة الثانية تختلف عن الأولى، فالموظف الذي يعاني من حالة التأخر المستمر عن الدوام، أو الذي اعتاد الغياب، لن يذهب إلى مدير آخر كما هو الحال بالنسبة للمريض الذي يشعر بمرض عضوي، بل سيستمر في ممارسة هذه السلوكيات غير المرغوبة مما يؤدي إلى نتائج سلبية على الإدارة التي يعمل فيها! ولما استطاع المدير أن ينهض بالإدارة التي يشرف عليها، ولما طور مدارك موظفيه أداءهم وعدّل بعضاً من سلوكياتهم غير المرغوبة التي تأتي إفرازاً للتجربة والممارسة!! وتأتي ممارسات بعض الموظفين التي تعتبر حالة مرضية تمر بها الإدارة، إما تقليداً من موظف لزميل له، أي بانتقال المرض، أو عدم وجود عامل الثواب والعقاب والمتابعة من قبل الإدارة!! وكثيراً ما تساعد التفاتة هادئة صغيرة مخلصة بأمور الموظفين في شفاء الكثير من الأمراض الإدارية البسيطة المعدية!! فمعرفة الدوافع والأسباب التي أدت إلى هذه السلوكيات كفيلة بمعالجتها والقضاء عليها، إنّ سبب تفشي بعض الأمراض الإدارية البسيطة هو عدم الاهتمام بالثالوث الإداري: المتابعة والتوجيه والرصد، فعندما يفقد المدير أدواته التصحيحية رغم توفرها يبقى الموظف يمارس سلوكياته في ظل عدم قدرة المدير على ملء مساحة المسؤولية الوظيفية الممنوحة له!!.
|