بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره، وألسنة مسترجعة حامدة، تلقت الأمة الخبر الفاجعة الكبرى بوفاة إمام المسلمين وقائدهم المحنك وسندهم الأول بعد الله، ربان السفينة وشيخ العرب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - طيب الله ثراه وأنزله منازل الصديقين والأبرار. الحدث جد كبير ومؤلم، والمتاح قليل ويعجز اللسان عن إعطاء مليكنا حقه فهو - رحمه الله رحمة واسعة - خادمٌ للحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة يشهد بذلك كل حاج ومعتمر، وتوسعته للحرمين الشريفين أكبر توسعة عرفها التاريخ، يستضيف كل سنة الأعداد الكبيرة من ضيوف الرحمن لأداء فريضة الحج على نفقته الخاصة من شتى بلاد المسلمين. الملك فهد - أسكنه الله فردوسه الأعلى - ليس خادماً للحرمين الشريفين فحسب بل هو خادم للمساجد كلها، حيث الجوامع والمساجد في كل بلد ورتب فيها الخطباء والأئمة والمؤذنين والخدم حتى ترفع ويذكر فيها اسم الله. الملك فهد - رحمه الله - خادم للعقيدة السلفية النقية التي أنزلت على قلب محمد صلى الله عليه وسلم حيث تدرس في جميع مراحل التعليم بلا استثناء وتطبع كتب العقيدة وتوزع بالمجان في كل مكان. الملك فهد - رفع الله درجته - خادم أيضاً للقرآن الكريم تشهد بذلك ملايين المصاحف وبلغات مختلفة التي تطبع ليل نهار من مجمعه الذي أسسه عام 1403هـ بالمدينة النبوية وتوزع على جميع المسلمين لوجه الله تعالى. الملك فهد خادم السنة المطهرة تشهد بذلك كتب السنة والحديث التي طبعت ووزعت في عهده مجاناً وإنشاء الكليات الخاصة لتدريس السنة. الملك فهد - نور الله ضريحه - خادم للدعوة إلى الله على بصيرة ويسير على منهج الوسطية والاعتدال الذي هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأتباعهم، مجلاً ومقدراً للعلماء الراسخين يزوروهم ويزورونه يحبهم ويأخذ بمشورتهم وفتاويهم. خدمته للدعوة تمثل للعيان في إنشاء وزارة للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وما يتبعها من مكاتب الدعوة وتوعية الجاليات في أكثر المدن والمراكز وكذلك مراكز الدعوة خارج المملكة، ومؤازرة المكاتب والدعاة وتلمس احتياجاتهم. الملك فهد - قدس الله روحه - خادم للتعليم فهو أول وزير معارف، حيث أسس البنية التحتية وانتشرت المدارس والكليات والجامعات في مختلف المناطق. الملك فهد - يغفر الله له - خدم المسلمين في حل قضاياهم وتقديم المشورة لإخوانه قادة الدول الإسلامية وبخاصة القضية الفلسطينية عبر مشروعه المعروف (بمشروع السلام العربي)، وقضية لبنان (عبر اتفاقية الطائف) لجمع الكلمة ووحدة الصف والحفاظ على أمن وسلامة لبنان، والدعم المتواصل المادي والعيني (صندوق الأقصى والقدس- البوسنة والهرسك- السودان - الصومال.. الخ). مليكنا سياسي محنك يتخذ القرارات المسددة في وقتها وفي أصعب الظروف وأعتى الأزمات (قرار صد عدوان نظام العراق على الكويت والاستعانة بعد الله بمن يسهم في ذلك). مليكنا قائد حكيم وبعيد النظر فقد أرسى وقعَّد الأنظمة التي أسهمت في إرساء نعمة الأمن (نظام الحكم - نظام المناطق - نظام الشورى). مليكنا - رحمه الله - يراعي الجوار وحقوق الجيران (حرصه الدائم على مجلس التعاون الخليجي) وقد انتهت في عهده الميمون جميع قضايا الحدود مع البلدان المجاورة، وكذلك وقف وقفته المشهودة مع قادة وأبناء الشعب الكويتي إبان الغزو الغاشم، ومد جسر المحبة (جسر الملك فهد) مع جارتنا الشقيقة مملكة البحرين. الأعمال والمنجزات كثيرة جداً يحفظها ويذكرها كلُّ مَنْ كان متحرياً للعدل والإنصاف والتجرد، وهذه المآثر الماثلة للعيان سيكتبها التاريخ بمداد من ذهب خالص. نسأل الله أن يتغمد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز بواسع رحمته ومغفرته وأن يرفع درجته في المهديين ويخلفه في عقبه في الغابرين وأن يبارك في خلفه وإخوانه ويجمع كلمتهم على الحق والدين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
* عضو مكتب الدعوة وتوعية الجاليات بحوطة سدير |