Thursday 4th August,200511998العددالخميس 29 ,جمادى الثانية 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "متابعة "

ورحل فهد الجزيرةورحل فهد الجزيرة
د. صالح بن حسين العايد (*)

قطار الراحلين لا يتوقف هديره، وداعي الموت لا ينفك أسيره، يستوي أمام أنيابه الكبير والصغير، فلا يسلم منه ملك نافذ الأمر، ولا فقير خامل الذكر:


ولا يرقّ لِذي ضعفٍ وذي خورٍ
ولا يُحاذرُ بطشَ الفارسِ النّجدِ
يأتي الملوكَ ملوكَ الأرضِ مُقْتحماً
ويُخرجُ الشبلَ من عرّيسةِ الأسدِ

وسحائب الأحزان عن سمائنا لا تنقشع، فهي إن غادرت بيتاً أظلت غيره، وما من دار ملئت أفراحاً إلا ستمتلئ أتراحاً، لأن الله قد كتب الفناء على كل شيء، وجعل الموت حقاً واجباً على كل حي:


هو الموت لو حابى امرءاً في حياته
لكان لطه بالخلود محابيا

فما من نفس إلا ستنقاد له إن عاجلاً أو آجلاً حتى لا يبقى إلا وجه الله الكريم: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } (57)سورة العنكبوت، لكن الأحزان تعم أو تخص، فميت لا تدمع عليه سوى عين قرحى وحيدة، ولا تتفطر عليه إلا كبد حرى فريدة، وفقيد تتقرح جل العيون أسفاً على فراقه، وتتفطر جل الأكباد حسرة على رحيله:


لعمرك ما الرزية فقد مال
ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية موت نفس
يموت لموتها بشر كثير

في صباح يوم الاثنين 26-6-1426هـ سرت همهمة، تلتها غمغمة، والقلب يجأر: (اللهم سلِّم سلِّم)، وما هي إلا برهة قصيرة من الزمن حتى تبدت حقيقة الأمر لذي عينين، إذ نعى الناعي فهد الجزيرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله -، فمارت الأرض بقوم هالهم وقع المصاب، وهملت عيون لشدة الأوصاب، واسترجعت قلوب ثكلى، إذ آمنت بأن هذا أمر الله الذي لا مدفع له، وحكمه الذي لا حيف فيه، فما لساخط فيه عتبى ولا راض منه منجى، وما قالوا إلا ما أمر به الله عند نزول القضاء، وما أوصى به رسوله - صلى الله عليه وسلم - حين وقوع البلاء: { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ } ، وتذكروا أن المصاب - وإن كان جللاً - ليس له إلا الصبر والاحتساب، واستحضروا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصابه بي، فإنها من أعظم المصائب):


وفي موت خير الخلق أكبرُ أسوة
تُصبِّر أحرار النفوس وتُسْليها

وإلا فالمصيبة بخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز جليلة، والخطب به فادح، فقد فقدت الأمة بفقده ما يعسر تعويضه إلا أن يرحم الله، لكن الله هو من أخذ بعد أن أعطى، وهو الذي يحكم ولا معقب لحكمه، فنحتسب عنده - جل جلاله - فهد بن عبد العزيز خادم بيته الحرام وراعي مسجد خليله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وناشر كتاب ربه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه المنزَّل من لدن الحكيم العليم، وحيث قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمنون شهود الله في الأرض) فإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبد العزيز بأنه - وأنت أعلم بذلك منا - قد وسع الحرمين الشريفين توسعة يسرت على المسلمين التعبد فيهما، اللهم فتقبل تلك منه، وأعظم له بها الأجر.
وإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبد العزيز بأنه - وأنت أعلم بذلك منا - قد بنى مساجد ومراكز إسلامية في أماكن شتى من العالم، اللهم فتقبل ذلك منه، وأعظم له به الأجر.
وإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبد العزيز بأنه - وأنت أعلم بذلك منا - قد كفل الأيتام، ورعى الأرامل، وأطعم الفقراء والمساكين، وأغاث الملهوفين، اللهم فتقبل ذلك منه، وأعظم له به الأجر.
وإننا يا الله نشهد لعبدك فهد بن عبد العزيز بأنه - وأنت أعلم بذلك منا - قد أطعم الطعام، وأجرى الماء، وسقى الحجيج، وفك الرقاب، اللهم فتقبل ذلك منه، وأعظم له به الأجر.
وإننا يا الله نعلم أنه لا ينفع عبدك فهد بن عبد العزيز اليوم منا إلا الدعاء الصالح، فنرفع أكف الضراعة إليك - ونحن نشهد أن لا إلا أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي خضعت لعظمته الرقاب - فنسألك باسمك الأعظم الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وإذا استغفرت به غفرت، أن ترحم خادم الحرمين الشريفين فهد بن عبد العزيز رحمة الأبرار، وأن تحط عنه ثقل الأوزار، وأن ترفع منزلته مع المصطفين الأخيار.
اللهم يا خير من نزل به المؤملون، واستغنى بفضله المقلون، وولج في سعة رحمته المذنبون، إن لكل ضيفا قرى، وإن عبدك فهد بن عبد العزيز ضيفك اليوم، وأنت أكرم الأكرمين، فاجعل قراه عفوك ورحمتك ورضوانك وجنتك يا ارحم الراحمين.
اللهم يا خير من سئل، ويا أكرم من بذل، جازِ عبدك فهد بن عبد العزيز بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله.
اللهم يا من بيده ملكوت السموات والأرض احفظ بلادنا بحفظك، واكلأها بعين رعايتك، ووفق ولاة أمرنا لما فيه صلاح أمرنا، ودلهم على الخير وأعنهم على فعله، وكن لهم معيناً ونصيراً لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك ورفعة شأن أوليائك وكبت أعدائك إنك سميع مجيب، والحمد لله على قضائك وقدرك.
*الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved