Thursday 4th August,200511998العددالخميس 29 ,جمادى الثانية 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "متابعة "

رحم الله الملك فهد رحمة واسعةرحم الله الملك فهد رحمة واسعة
محمد العطيفي (*)

في مثل هذا الظرف الصعيب، وفي كلِّ ظرف مشابه عندما يسمع الإنسان إلى خبراً في مثل حجم خبر وفاة الملك فهد - رحمه الله - تستدعي الذاكرة شريطاً من المواقف يمر أمامك قبل أن تتخذ مع نفسك أيّ إجراء .. يدور بك المكان وتقترب وتبتعد الأشياء من حولك، يلف غمام خفيف الصور المحيطة بك، ثم يبدأ بثقل هذا الغمام حتى يغلف كلّ الأشعة التي تنفذ إلى داخلك .. فتغلق عينيك لترى أشياء أخرى غير التي تحيط بك .. فماذا رأيت؟ وماذا سمعت؟
سمعت في الشريط الأول أصوات الأبواق العراقية آنذاك عام 1990م وهي تقول إنّ الملك فهد موجود في جدة البعيدة وليس في الرياض الأقرب إلى العراق .. فماذا فعل الملك فهد؟ ذهب مباشرة في زيارة طويلة إلى مدينة حفر الباطن وهي أقرب نقطة للمواجهة، وأمر ببناء سرداق كبير جلس فيه وتحدث عن كلّ ما دار بينه وبين الزعماء العرب حول الكويت، واستعرض بأسلوبه المهذب وكلماته الواضحة كلّ محاولاته التي بذلها لدرء هذا الخطر وشرح أبعاده .. ثم نُقل الخطاب على الهواء مباشرة من مدينة حفر الباطن في رسالة واضحة أنّ من يخاف ليس هو الملك فهد بن عبد العزيز، ليس هو أبو فيصل الذي يعرف الجميع حنكته ودبلوماسيته وشجاعته. ذاك الموقف وذلك الخطاب كانا أبلغ رد على كلّ المهاترات التي كانت تُقال، وكلّ المؤامرات التي كانت تُحاك .. إنّه الفهد، إنّه خادم الحرمين الشريفين، نسأل الله أن يتقبّله مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقاً.
أما الصورة الأخرى التي قفزت إلى ذهني فهي عن موقف آخر بعيد عن الأول بفارق الزمن، ولكنه قريب منه في الروح والصدقية والوضوح، التي مكنت لهذه الأُسرة المباركة .. كنت في الطائرة ودفعتْ إليّ المضيفة إحدى الصحف وكان الخبر الرئيس فيها عن سفر الملك فهد إلى الخارج، وتكليف سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز بإدارة شئون البلاد والرد الذي رفعه سموه للملك. وكان الرد يحمل توقيع سمو ولي العهد الأمين وفوقه كلمة كُتبت بخط يد سموه وهي (المخلص).
هذه الكلمة توقّف عندها بصري وتوقّفت عندها كلّ حواسي واغرورقت عيناي بالدموع، فقد شعرت بكلِّ المعاني النبيلة لهذه الكلمة وكلّ أوجه الوفاء والإخلاص فيها، والإخلاص الذي لا تشوبه شائبة.
عدت إلى نفسي والمكان الذي كنت فيه، وإذا بي استمع لخبر مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ليكون ملكاً للمملكة العربية السعودية، ويعلن مباشرة اختيار صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولياً للعهد .. بهذه الروح وبهذه البساطة تجري الأمور داخل البيت السعودي، وهو أبلغ رد على كلّ الأصوات الحاقدة .. هذه هي المملكة العربية السعودية في ردودها من خلال مواقف رجالها التي يتحدّث عنها الآخرون وليست كلاماً يطير في الهواء.
رحم الله الملك فهد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، فمصابنا جلل وحزننا عليه عميق، وعزاؤنا في من خلفه وفي روح الأُسرة السعودية الواحدة و{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.

* عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال - الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved