رحم الله الملك فهد رحمة واسعة، وأسبغ عليه مغفرته، فقد كان ملكا شجاعا كريما معطاء ينفق في وقت الرخاء والشدة، لا ينتابه خوف في تحقيق هدفه، ولا ترده الشدة عن بسط يده، فهو فهد في الحالتين. عندما فتحت سفارة خادم الحرمين الشريفين بالمملكة المغربية الشقيقة أبوابها لاستقبال المعزين في وفاته- رحمه الله-، تدفقت الجموع والحزن باد على وجوههم، وقد كان الحضور الشعبي للعزاء موازيا للحضور الرسمي فامتلأت الصالات بجموع المعزين والداعين لخادم الحرمين- رحمه الله- بالمغفرة والعفو، وأن يسكنه جنة الفردوس، جزاء ما قدمه للأمة الإسلامية جمعاء. لقد تكلم في حقه الكبير والصغير والقاصي والداني، وكلهم يذكرون مآثره ومواقفه التي أتت أكلها في بلاد المسلمين عامة. لقد ذكر لي الوزير الأول رئيس الوزراء الكثير عن مواقفه النبيلة في القضايا التي قد تحدث بين الأشقاء وقدرته على رأب الصدع وجمع الإخوة على كلمة سواء. ونقل لي وزير الخارجية قول الملك الحسن الثاني- رحمه الله-، في شخص الملك فهد، فقال: (إن الملك فهد يتمتع بثلاث خصال الشجاعة والعبقرية والكرم) وهذه صفة الملوك الناجحين، فقد كان شجاعا مقداما لا يهاب اتخاذ القرار في الوقت الذي يرى رأيه فيه، وكان كريماً سخياً لا تقف يده عن البذل والعطاء. وذكر لي وزير الداخلية الكثير من مآثره، وذكرني بأنه عندما كان موظفا في وزارة المالية عندما كان الملك فهد- رحمه الله- ولياً للعهد، فقد كانت هناك لجان لتقييم بعض احتياجات المغرب، وتقرر اللجان بعضا من المبالغ اللازمة، فعندما يرفع إليه المقترح لا يلبث أن يعود في غالب الأمر، وقد زاد عليه ولي العهد بأكثر مما اقترح، هكذا كان دأبه، وهكذا كانت سجيته. والشعب المغربي لا ينسى دبلوماسيته الحكيمة التي نصبت بين الحدود المغربية الجزائرية عند اجتماع المغفور له بإذن الله الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري، وبحضور خادم الحرمين الشريفين. لقد تحدث إلى المؤرخ الدكتور- عبدالهادي التازي، وذكر لي كثيرا من المواقف التي تدل على لطافته- رحمه الله- وبساطته وقبوله للآخر، وذكر قصصا طريفة عندما كانت الظروف تجمعه به بين البعثة والأخرى. أما الأستاذ- عباس الفاسي وزير الدولة ورئيس حزب الاستقبال، فقد ذكرني بالعلاقة المتينة التي كانت تجمع خادم الحرمين الشريفين بمؤسس الحزب المغفور له علال الفاسي، ومواقف الملك فهد- رحمه الله- من قضايا وحدة التراب المغربي، والعمل المباشر وغير المباشر بما يخدم الأمة العربية والإسلامية. لقد قدم أبناء المغرب الشقيق عزاءهم في فقيد الأمة، وبين ناظريهم تلك المآثر التي خلدها داخل المملكة وخارجها. لو لم يفعل الملك فهد في عهده الميمون سوى توسعة الحرمين الشريفين وطباعة المصحف الشريف لكفاه ذلك، فقد قام بهذا العمل الجليل، وأسعار البترول كانت متدنية، ودخل المملكة في أدناه، غير أنه سار في هذا البناء دون هوادة ودون تردد مع أن الظروف المالية كانت متدنية، لإيمانه بأن هذا الأمر الجليل لابد له أن ينجز مهما كانت الظروف والأحوال، ولقد أتت هذه الجهود أكلها حيث خفف على المسلمين الكثير من العناء والمشقة، وأصبح المصحف الشريف متوفرا في كل بقاع الدنيا من غربها إلى شرقها، ومن شمالها إلى جنوبها، وأصبح مرجعا دقيقا لمن أراد الطباعة الصحيحة للقرآن الكريم. رحم الله المغفور له وأسكنه فسيح جناته، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
د. محمد بن عبدالرحمن البشر |