العراقيون وتحديات التضامن

تصل الأحوال إلى ذروتها من العسر في العراق، ومع ذلك فثمة إشراقات تؤكد أن الصف العراقي لا يزال صامداً متماسكاً، وأن الأهوال التي مرت بالعراقيين، وبعضها يستهدف نسيجهم الاجتماعي وتماسكهم، لم تفلح في إحداث الشرخ وتشتيت عناصر المجتمع.
فبعد أزمة الدستور التي باعدت بين الشيعة والأكراد من جانب والسنة من الجانب الآخر حدثت كارثة جسر الأئمة التي ظنَّ البعض أنها ستكون بمثابة (القشة التي قصمت ظهر البعير) فيما يتصل بالعلاقة بين السنة والشيعة؛ إذ سارع البعض بالفعل إلى محاولة استغلال الكارثة لإحداث المزيد من التباعد والتباغض.
ووسط هذه المحاولات لضرب المجمتع رأى الخيِّرون في الطائفتين الرئيستين ملامح الخطر تحدق بالجميع، ومن ثَمَّ فقد سارعوا إلى تطويقها وتحجيمها، إذ إن جانباً من الشيعة لا يتفق مع ذلك التيار الشيعي الساعي إلى الفيدرالية، وهكذا فإن تقارباً يتحقق وينمو بين هؤلاء والسنة الرافضين أصلاً للفيدرالية التي يرون أنها اللبنة الأولى في تقسيم العراق.
ومن الواضح أن هذا التقارب جعل من السهل امتصاص آثار كارثة جسر الأئمة التي أراد لها البعض أن تكون المعول الرئيس في تدمير أي بادرة للتقارب؛ فقد أظهرت الوقائع المتعلقة بعمليات الإنقاذ والإغاثة للضحايا والتعاطف الشديد مع ذوي القتلى والقدر الهائل من مشاعر العزاء التي تدفَّقت نحوهم أن الشعب العراقي ليس ذلك الشعب الذي من السهل اختراقه، وأنه شعب يدرك أن بقاءه رهن بالتماسك بين مختلف طوائفه وجماعاته.
وبصفة عامة يمكن ملاحظة أكثر من مظهر للتقارب بين العراقيين وإن اتخذ ذلك أشكالاً عدة، فهناك الآن تضامن بين مختلف الجماعات العراقية تحت اسم (أهل العراق)، وهو صيغة أخرى تعبِّر عن الإدراك الواسع لحساسية المرحلة التي تمر بها البلاد وأهمية إظهار التضامن والتعاضد في وجه مختلف المشروعات التي لا تريد صالح العراق.
ومن المؤكد أن تبلور النوايا الطيبة الحريصة على وحدة العراق في شكل تحركات سياسية تخاطب مباشرة القضايا الملحة على الساحة سيكون مؤشراً طيباً على أن العراقيين قادرون حتى في أحلك المواقف والظروف على مجابهة الأولويات والانتباه لمقومات وحدة بلادهم وعلى سلامة نسيجهم الاجتماعي.
إننا أمام عملية (ديناميكية) للتقارب العراقي تنشط كلما زادت مهدِّدات الوحدة وكلما زادت مؤشرات الاستهداف لهذا المجتمع، لكن من المهم دائماً أن تتسارع هذه الحالة نحو غاياتها المنطقية باتجاه حلحلة كامل الوضع على أسس من التوافق الناجز.