Tuesday 27th September,200512052العددالثلاثاء 23 ,شعبان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "محليــات"

علينا أن نتجاوز مرحلة التشكيك في الوطنية إلى تنفيذ مبادرات إيجابيةعلينا أن نتجاوز مرحلة التشكيك في الوطنية إلى تنفيذ مبادرات إيجابية
د. سعيد بن محمد المليص

لم يخل منزل أسرة سعودية من الحديث عن الوطن هذا العام الذي كان مميزاً، إثر قرار الإجازة في كل المؤسسات الحكومية والخاصة واعتبار يوم السبت يوم إجازة بمناسبة اليوم الوطني المجيد الذي وافق يوم عطلة رسمية وهو (الجمعة 19شعبان 1426هـ).وهي ميزة رمزية محدودة ومباشرة لكن معناها كبير عند الشعب السعودي، فهي المرة الأولى في تاريخه منذ خمسة وسبعين عاماً التي يحتفي فيها بوطنه من خلال فعل اجتماعي مباشر، يؤكد حق المواطن السعودي في أن يشعر بهويته ويعتز بوطنيته، ويستذكر تاريخه ويتأمل في مستقبله، وحق الوطن أن نعبر له عن افتخارنا بانتمائنا إلى ترابه الطاهر.
وتبدو الفعاليات الإعلامية في مجملها جيدة، وهي تعبر بالفعل عما يعيشه الوطن من أجواء إيجابية متفائلة بمستقبل مشرق لوطننا الذي نعشقه بكل جوارحنا، وتدور العجلة الإعلامية حتى تصل في بعض محطاتها إلى (التعليم)، وإن كان في معظم ما قرأت صور إيجابية جميلة وأخرى ناقدة مفيدة تدلك على مكامن الخلل أو التقصير في خطاب متوازن يعرض وجهة النظر وفق دلائل ومؤشرات علمية مقبولة.. إلا أنني دهشت عندما قرأت تقريراً صحفياً في إحدى الصحف يصور لك المشهد الوطني في المدارس خاليا من أي مظاهر أو أنشطة تربوية، ويذكر بأن (منهج التربية الوطنية مادة إضافية لا يقدم أي معلومات أو قضايا) ويعتبر أيضا أن (التعليم بلا هوية)، مركزاً على اجتهادات فردية من بعض المدارس نتيجة ترسبات واجتهادات غير موفقة، ثم يوضع ذلك في صورة مكبرة لواقع كل التعليم.
إنني هنا لا أنفي التقصير سواء من التربويين أم من غيرهم، ذلك أن التقصير سمة البشر، كما لا يجوز لي أو غيري مصادرة آراء الآخرين بل إن وزارة التربية والتعليم من أكثر المؤسسات التي تؤمن بالحوار وتدعو إليه، لكني لا أود أن يكون تركيزنا فقط على بعض الجوانب الضيقة، في الوقت الذي يتنفس فيه الوطن بقوة لبناء مرحلة جديدة في تاريخه أكثر صلابة وتفاؤلاً، وإن كنا في الماضي لسنا بذلك السوء الذي ظهر في التقرير الصحفي المشار إليه إلا أن من طبيعة الحياة التطور والتأقلم مع المستجدات وفق كل مرحلة نعيشها.إن شبابنا على درجة عالية من الوعي بقيمة الوطن، وهم في الوقت نفسه معتزون بكل ما هو سعودي، وليس معنى هذا إقصاء للآخر، بقدر ما هو تعريف محمود للهوية التي تمايز بين الشعوب، هذا الشعور الوطني يعبرون عنه باستمرار من خلال العديد من الأنشطة التربوية التي تنفذ في محيط مدارسهم كل يوم، ومن الظلم أن ننقص من حماستهم ووطنيتهم لمجرد انطباع شخصي أو موقف أحادي مظلم، لقد عبر طلابنا عن استيائهم من مظاهر الغلو والتطرف الشاذة، وشارك المعلمون والمعلمات بأفكارهم ورؤاهم بحماسة كبيرة لمحاربة هذه الآفة، وعبر المجتمع بأكمله عن تضامنه مع الوطن من خلال حملة التضامن ضد الإرهاب، وجددت بيئتنا التربوية ولاءها لقيادة هذه البلاد المباركة بداية العام الدراسي الجديد الذي لم يفصله إلا أيام قلائل عن الذكرى الوطنية، وفي يوم الأربعاء الماضي احتفت المدارس بالوطن فأقيمت فعاليات ثقافية منوعة اشتملت على محاضرات وندوات ومسابقات علمية.. كما تحاور المعلمون وتلاميذهم عن الوطن وحقوقه وواجباتنا نحوه أثناء اليوم الدراسي من خلال حصص دراسية في مواد: التعبير والتربية الوطنية والقراءة.. وغيرها، ونظمت كثير من المدارس زيارات لمعالم ورموز وطنية، وستتواصل الجهود في الأسبوع الحالي بإذن الله.
أعتقد أن المدرسة قامت بجزء من دورها، والتربويون يبذلون جهدهم لتعزيز قيم الوطنية في نفوس الشباب، ولدى الوزارة مشروعات تطويرية تطول كل عناصر العملية التربوية والتعليمية ومنها (المنهج) وما يخص الوطن تحديداً، ولا أظننا سنختلف كثيراً عند هذه النقطة، لكن السؤال الأهم: هل ما يقوم به التربويون كاف لترسيخ قيم الوطنية؟
وللإجابة عن هذا السؤال دعونا نتفق أولاً على أن (الوطنية) ليست تعبيرات لفظية فحسب، وإن كانت هذه مهمة لتكوين قناعات ذهنية تظهر في صور فعلية فيما بعد، لكنها ليست الأكثر أهمية، فمسؤولية التربية عموما ليست خاصة بالمدرسة وحدها، بل هي مسؤولية الجميع، والذي يعوق تطبيق بعض قيم الوطنية حقيقة هو: وجود هوة بين ما يتعلمه الطالب في المدرسة وما يجده في الشارع أو ما قد يعيشه في المنزل. إننا نعاني من أزمة قدوات، هذه حقيقة لا يجب أن نغفلها، ونعاني أيضا من ضعف كبير في التأهيل الأسري تجاه كثير من القيم العليا، لأن أفراد بعض الأسر ضحايا تنشئة ناقصة، وهذا أيضا ليس قدراً حتمياً إذا أخذنا في الاعتبار حداثة التجربة التعليمية في المملكة، فعندما نعلّم الطالب أن يحافظ على الممتلكات العامة، ثم لا يجد من يتابع سلوكياته خارج المدرسة فيكافئه إذا أحسن ويعاقبه إذا أخطأ، سواء من محيط الأسرة أو من المؤسسة الاجتماعية المعنية فهذه مشكلة أخطر، والأشد خطراً من ذلك عندما نعلّمهم بأن الأمانة والاستقامة وعدم الغش والعمل بإخلاص والحماسة والحفاظ على وقت العمل والإبداع فيه والصدق في المعاملة والعمل بروح الفريق والمبادرة.. كلها قيم إسلامية تعبر عن تمسكنا بتعليم ديننا وقيامنا بالواجب تجاه وطننا الذي ينبغي أن يتطور ويتقدم ثم لا يرى والده أو قدوته يتمثّل تلك السلوكيات!
من هنا فإني أعتقد أن الوطنية كمفهوم عام لا تنقص أي مواطن سعودي على الإطلاق، وأجزم بأن المؤسسة التربوية تقوم بدورها الذي لا أدّعي أنه كامل بل يحتاج إلى كثير من آليات التطوير - وهذا ما تعمل عليه - والأحداث التي مرت بالبلاد برهنت على أننا صف واحد في وقت الملمّات - بعون الله - لكن ما ينقصنا ترجمة بعض صور حب الوطن والانتماء إلى مشاريع ومبادرات - لا ردود أفعال - أننا بحاجة إلى امتثال قيم وطنية تشترك فيها كل المؤسسات: القطاع الخاص عليه أن يبادل بإطلاق مشروعات وطنية ويمولها ويدعمها، والمسجد يجب أن يقوم بدوره المأمول، والإعلام مسؤول عن نقل صور إيجابية وقدوات متفائلة بطرق مشوقة وجذابة، والأسرة بحاجة إلى أدلة ودعم تربوي واجتماعي، والأمن مطالب بمتابعة السلوكيات خارج المدرسة وتطبيق الأنظمة بدقة وتأهيل العاملين فيه بما ينمي الحس الوطني.. إنها قائمة بالمسؤوليات التي لن تنتهي - وليس نقصا ألا تنتهي - طالما بقينا نتطلع نحو الأفضل - بإذن الله - وأنا على يقين بأن المؤسسات الاجتماعية تلك تعي دورها جيداً، ومن حق الوطن أن نستمر في نقدها وتقويمها على ألا نتجاوز النقد المشروع إلى مرحلة من التشكيك في انتماءاتنا الوطنية، ذلك أن العالم من حولنا يتحدث عن صور التلاحم والنماء في الأيام الوطنية ويعبرون عنها بمشروعات مجتمعية تشاركية عملاقة طوال العام، بينما هناك فئة من الناس هنا ما زالت تناقش هل نحن وطنيون أم غير وطنيين؟! وتقلل من شأن كل جهد أو مبادرة!.
علينا ألا نحمّل الأمر أكثر مما ينبغي فنتقاذف التهم بقسوة، ونتّهم مؤسسة بعينها أو جهازاً بعينه بينما لم نلمّ بتفاصيل الجهود التي تبذل. فقط نحتاج إلى أن نتفاءل، ويبدأ كل واحد منّا بنفسه وما هو مسؤول عنه ويصلحهما من الداخل ومن ثم يسهم في إصلاح من حوله.
نائب وزير التربية والتعليم لتعليم البنين

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved