Sunday 16th October,200512071العددالأحد 13 ,رمضان 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "وَرّاق الجزيرة"

وسوم الإبل في الجزيرة العربية حاضرة وباديةوسوم الإبل في الجزيرة العربية حاضرة وبادية
قراءة: حنان بنت عبدالعزيز آل سيف

عاش العربي القديم مع إبله الأصيلة حياةً حافلةً بالصبر والكد والكفاح، وضمتهما بيئة صحراوية قاسية لا ماء فيها ولا كلأ، ومع ذلك استطاعا بتزامنهما وكفاحهما أن يكسرا قسوة الصحراء وعنادها، ولهذا فإن العربي الأول يشترك مع إبله في صفات معينة، وخصال تعددة، وما سُمي الجمل ولقب بسفينة الصحراء إلا لجلده وقوته وشكيمته وصبره، والعربي الأصيل يدرك قيمة ناقته، ويعرف مكانتها، ولهذا ضمنها شعره، فمن أسس الشعر التي يطرقها الشارع في قصيدته هي وصف الرحلة والراحلة، ويقصد بهذا تلك الصعاب التي رافقت ناقة الشاعر وهو يبحث عن ديار المحبوبة، حيث تفنن الشعراء في وصف إبلهم، وبالغوا في خلع صفات المدح عليها، حتى جاء القرآن الكريم لافتاً الناس إلى عظيم خلقتها، وبديع نسجها، فقال جل ثناؤه: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}، ولم يقف العربي بشعره عند وصفها فقط، بل جعل لها رسوماً يستدل بها على أنساب القبائل وأحسابها، فكرم العربي الإبل في الشعر وفي النسب، وبين يدي كتاب يطرق هذه الناحية وهو (وسوم الإبل في الجزيرة العربية - حاضرة وبادية -) وقد أسلفت لك قبل قليل اسم مؤلفه، والطبعة التي أقرأ فيها هي الأولى لعام (1426هـ - 2005م) والكتاب من إنتاج - مطابع الحميضي - حرسها الله.يقول مؤلف الكتاب (حفظه الله): (الإبل من أثمن مقتنيات رجل البيئة الصحراوية التي حرص على تنميتها منذ القدم حتى إنها أصبحت مصدر عز وفخر وتنافس ليس على مستوى الأفراد فحسب بل تجاوزها إلى مستوى القبائل العربية التي بلغ الاهتمام بالإبل أن جعلت كل قبيلة أو عائلة وسماً معيناً يعرف به إبلها خشية أن تختلط بغيرها من الإبل أو أن تنهب فيصعب التعرف عليها، ولذلك جاءت هذه الفكرة الجميلة (الوسم) وليدة الحاجة. والوسم هو العلامة التي توضع على الإبل لتميزها عن غيرها، وقد قامت كل قبيلة بتحديد وسم يسير عليه أفرادها، ومن هذا المنطلق جاء ما يُعرف بالوسم ومعنى الوسم الكي ووسمه أي كواه وأثر فيه بسمة يُعرف بها، أما الفائدة من الوسم فهي تحديد ملكية القبيلة لإبلها، حيث إن الوسم يحدد هوية القبيلة، وكانت قبائلها قديماً تحرص على وسم الإبل حيث كان لكل قبيلة وسم موحد، ولكن مع مرور السنوات تعددت وسوم القبيلة الواحدة فأصبح لكل فخذ من القبيلة وسم يعرف به، وقد يكون هناك وسم عام تتفرع منه وسوم صغيرة خاصة لأفخاذ القبيلة وتسمى الشواهد).
وأما هيكل بناء البحث فيقوم على الرسم التالي:
- الفصل الأول: تعريف عام بالوسوم من حيث أشكالها ومسمياتها ورسومها وما جاء فيها من ذكر في القرآن والسنة وما جاء فيها من قصائد وقصص وألغاز وأمثال.
- الفصل الثاني: خصص لنماذج متعددة للوسوم عند القبائل حيث ذكر فيه المؤلف وسوماً كثيرة للقبائل وما تضم من بطون وأفخاذ.
- الفصل الثالث: خصص لنماذج الوسوم عند الحاضرة في المدن والقرى في الجزيرة العربية.
والوسم مرتبط بعدة عناصر رئيسية وهي:
أولاً: الوسم وهو ما يعرف على أنه الإشارة أو العلامة أو الرمز.
ثانياً: المواشي ومن أشهرها بالوسم الإبل.
ثالثاً: وهي ما تعرف باسمها أو اسم الفخذ منها أو العائلة أو الفرد.
ويعتبر الوسم شيئاً مهماً بالنسبة للإبل على عكس غيرها من الحيوانات التي تحرص أصحابها على وسمها كالخيل والغنم والبقر، وتعد الإبل أكثر الحيوانات شهرة بالوسم، وذلك لأسباب متعارف عليها عند العرب منذ القِدَم.وحول موضوع كي الوسم وكي العلاج يقول المؤلف - حفظه الله تعالى -: (ليس كل علامة كي نراها على جسم الناقة تكون وسماً، فهناك نوع آخر من الكي، يكون لغرض المداواة ولعلاج الناقة من مرض أصيبت به، وقد قيل بأن آخر العلاج هذا هو ما أردت توضيحه، حتى لا يلتبس ذلك في ذهن القارئ، فيجب أن نعرف أن هناك فرقاً بين كي الوسم وكي العلاج).هذا وقد ذكر الوسم في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ}وقال تعالى: {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم}، وقال تعالى: {وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ} وأما في الحديث الشريف: فعن أنس رضي الله عنه قال: لما ولدت أم سليم قالت لي: يا أنس انظر هذا الغلام فلا يصيبن شيئاً حتى تغدو به إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحنكه، قال: فغدوت فإذا هو في الحائط وعليه خميصة حوتية وهو يسم الظهر الذي قدم عليه في الفتح.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مربد وهو يسم غنماً أحسبه قال: في آذانها.
وفي الشعر العربي فلم تخل مرحلة من مراحل الشعر العربي إلا وفيها ذكر لوسوم الإبل وهذا يدل على اهتمام العرب بها وحرصهم عليها منذ القدم، وهذه نماذج مختلفة من أبيات الشعر العربي ذكرت فيها رسوم الإبل ومنها:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي
جعلتُ لهم فوق العرانين ميسما
وقال الملتمس:
وقد أتناسى الهم عند احتضاره
بناجٍ عليه الصيعرية مكرم
والصيعرية: هي سمة تكون في العنق.
وقال شمر الطائي:
إذا أعرضت للناظرين بدا لهم
غفار بأعلى خدّها وغُفار
والغفار: سمة للإبل تكون على الخد.
وقد أخذ المثل العربي بنصيب وافر من ذكر الوسم، ومن الأمثال العربية قولهم: وسومها على خشومها، وسمك هو أصلك، وسمه اسمه، لا يسم وسمي ولا يرسم رسمي (ويضرب هذا المثل للمبالغة في بعد النسب).
وحول موضوع (مواضع الوسم) أشار المؤلف - حفظه الله - إلى أن الشارع الكريم قد حرم الوسم في الوجه، فعن أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها.
ويستحب أن توسم الغنم في آذانها والإبل والبقر في أصول أفخاذها، لأنه موضع صلب فيقل الألم فيه، ويكون الشعر فيه خفيفاً حتى يظهر الوسم، ووسم الإبل في الجزيرة العربية غالباً لا يخرج عن المواقع التالية:
1 - الخشم. 2 - الأذن. 3 - الحنك السفلي. 4 - الخد. 5 - الرقبة.
6 - العضد. 7 - الكلوة. 8 - الفخذ.
وأخيراً: فقد أجاد المؤلف في تأليفه أيما إجادة، وأتحفنا أيما إتحاف، وفي الكتاب استيفاء متين، واستقصاء مُبين، وفيه فوائد جمة، وفرائد فذة، معلوماته مفيدة، وخبراته عديدة، تدل على حرص العربي على معرفة أنساب إبله وأصولها، وهذا أمر طبيعي جداً يدل دلالة واضحة على حبه لإبله، ومدى علاقته الوثيقة بها، التي ليس من السهل انفصامها أو حلها، والإبل مصدر عز ومنعة وشمم لمالكيها، ولذا فقد أولتها العرب مكانة عظمى، ومنزلة كبرى، فكانت تقول في أمثالها (نجارها نارها) والمقصود بالنار السمة التي توسم بها الإبل أو العلامة التي توضع عليها، ومعنى المثل: إذا رأيت نارها عرفت نجارها أي أصلها ومسقط رأسها. وكانت العرب تعرف آباءها وأمهاتها، وفي هذه الميزة يقول الشاعر أوس بن مجر:
حرف أخوها أبوها من مهجنة
وعمها خالها وجناء مئشير
بارك الله في الكتاب حدثاً وحديثاً وقولاً ومقاماً.

عنوان المراسلة: ص ب 54753 - الرياض 11524

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved