في مثل هذا اليوم من عام 1980م قام إسحاق نافون رئيس إسرائيل بزيارة إلى مصر عقب عقد معاهدة السلام. سبقت زيارة السادات للقدس مجموعة من الاتصالات السرية، حيث تم إعداد لقاء سري بين مصر وإسرائيل في المغرب تحت رعاية الملك الحسن الثاني، التقى فيه (موشي ديان) وزير الخارجية الإسرائيلي، و(حسن التهامي) نائب رئيس الوزراء برئاسة الجمهورية. وفي أعقاب تلك الخطوة التمهيدية قام السادات بزيارة لعدد من الدول ومن بينها رومانيا، وتحدث مع رئيسها شاوشيسكو بشأن مدى جدية بيجن ورغبته في السلام، فأكد له شاوشيسكو أن بيجن رجل قوي وراغب في تحقيق السلام. وبعد هذا اللقاء استقرت فكرة الذهاب للقدس في نفس السادات، وأخبر وزير خارجيته الذي رفض هذا الأمر وقال له: (سنكون في مركز حرج يمنعنا من المناورة)، كما أن سيناء لم ولن تكون في يوم ما مشكلة، وأخبره أنه بذهابه إلى القدس فإنه يلعب بجميع أوراقه دون أن يجني شيئاً، وأنه سيخسر الدول العربية، وأنه سيُجبر على تقديم بعض التنازلات الأساسية، ونصحه ألا يعطي إسرائيل فرصة لعزل مصر عن العالم العربي؛ لأن هذه الحالة تمكّن إسرائيل من إملاء شروطها على مصر. واقترح فهمي عليه عقد مؤتمر دولي للسلام في القدس الشرقية تحضره الأمم المتحدة والدول الكبرى لوضع فلسفة أساسية لمعاهدة السلام، مع استمرار مفاوضات السلام في جنيف. أبدى السادات اقتناعاً بآراء وزير خارجيته بعد مناقشات استمرت ثماني ساعات دون توقف، ثم طلب منه العمل على إيجاد جبهة عربية موحدة في مؤتمر وزراء الخارجية العرب الذي كان سيعقد في تونس في (ذي الحجة - نوفمبر)، ووافق على زيارة ياسر عرفات للقاهرة وحضوره افتتاح دورة مجلس الشعب في (ذي الحجة 1397هـ- ديسمبر 1977م)، وفي هذه الجلسة الشهيرة أعلن السادات استعداده للذهاب للقدس بل والكنيست الإسرائيلي، وقال: (ستُدهش إسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته ومناقشتهم). وانهالت عاصفة من التصفيق من أعضاء المجلس، ولم يكن هذا الهتاف والتصفيف يعني أنهم يعتقدون أنه يريد الذهاب فعلا إلى القدس. وبعد الخطاب أكد السادات لوزير خارجيته أن تلك المقولة زلّة لسان، وأمر الرقابة أن تمنعها، فحذفت تلك العبارة من خطابه في الصحف. وبعد أيام تم الإعلان عن نية السادات في الذهاب إلى القدس وإلقاء خطاب أمام الكنيست وسط دهشة واستغراب كبيرين. ثم قرّر الذهاب إلى دمشق في (5 من ذي الحجة 1397هـ- 16 من نوفمبر 1977م)، والتقى بالرئيس السوري حافظ الأسد الذي حذره من عواقب تلك الزيارة، واعتبرها نكسة للعرب، وسينجم عنها عدم توازن إستراتيجي بين العرب وإسرائيل يجعل إسرائيل تضرب الأقطار العربية التي لا دفاع لها واحداً بعد الآخر. وبعد مناقشات طويلة عقيمة لمدة سبع ساعات عاد السادات إلى القاهرة مقتنعاً بنجاح مبادرته في حل مشاكل مصر الداخلية والخارجية؛ فاستقال وزير الخارجية (إسماعيل فهمي)، وتم تعيين (محمد رياض) وزيراً مؤقتاً للخارجية، إلا أنه استقال بعد ست دقائق من تعيينه، وخلقت تلك الاستقالات تحدياً كبيراً للسادات.
|