الأستاذ أبومدين رجل جليل له مكانته الأدبية ولا يغمض له حق، وآخر الرواد المشهود لهم بالفضل، وقد أسعدني لذكره اسمي كاملاً في المقالة الثالثة عن (البرقوقي ومجلة البيان) في العدد (12070) 12-9-1426هـ من جريدة الجزيرة حتى أنه لم ينس اسم جدي الذي لا يذكر إلا في الأوراق الرسمية، ولكنني تمنيت أن يذكر بجانبه اسمي كتابي: (مجلة البيان للبرقوقي.. مكانتها وأثرها في تطور الأدب الحديث)، وأتعجب منه أن يصب علي جملة من الاتهامات التي هي عارية من الصحة، وينشر حديثاً دار بيني وبينه على الهاتف له طبيعته الخاصة ليقم علي أحكاماً جائرة، لأجل الدفاع عن نفسه، لقد قال أبومدين ما أراده هو لا ما أردته، عندما سألته عن مصدره فيما كتب عن البيان والبرقوقي؟.. فرد علي صراحة أن مصدره الأعلام للزركلي، وهذا بالطبع غير معقول، فذكرته بكتابي وهديتي له فأنكر ذلك، وعرضت عليه إهداءه نسخة ثانية فرفض حتى لا يكلف علي.. بعدما عرف أنه يباع في مكتبة (كنوز المعرفة) بجدة. لعله في ظني وقتها يتدارك الأمر ويشير إلي في الحلقة الثالثة والرابعة. وأخبرته حينها أن أصل هذا الكتاب رسالة علمية تمت مناقشتها في جامعة أم القرى. ولقد اتهمني فيما نشر ضمناً بأني لست صادقة، لكن ثقتي بوجودي في الحياة هي ذاتها ثقتي بأني سلمت الرجل هدية من كتابي في ملتقى قراءة النص الرابع يداً بيد وهو يعلم أن الحضور النسائي لا يتحرج من السلام عليه بحكم سنه وإعجابه بدوره المضني في الارتقاء بنادي جدة الأدبي. وكتبت له كلمة إهداء إعجاباً بما كان يقوم به في ملتقيات قراءة النص التي أتشوق لحضورها سنوياً. والحقيقة أن اتهامات أبومدين تخرج عن العملية والمنطق السليم بداية: ** لم يأت الأستاذ بجديد عندما أشار إلى الطالب الأزهري الذي سبقني في الكتابة عن البرقوقي، واحتج بأني نسبت لنفسي السبق في ذلك، وليعلم بأني أشرت في هامش الكتاب ص55 إلى اسم الباحث وهو (بدر الدين عبدالحميد نصر موسى) وبحثه بعنوان: (عبدالرحمن البرقوقي أديباً وناقداً) عام 1410هـ، بينما شاء الله لأكون أول من يسجل رسالة علمية عن مجلة (البيان للبرقوقي) عام 1415هـ بإشراف الدكتور محمود فياض بعد مشورته العلمية لباعه الطويل وخبرته الواسعة في البحث عن الصحافة الأدبية، ثم تابعت الإشراف مع الدكتور صالح جمال بدوي.. وقد تمت الموافقة على الرسالة حسب مقتضيات شروط الجامعة وأهمها جدة الموضوع. وقد تمت مناقشة الرسالة عام 1419هـ وطباعته عام 1424هـ على نفقة الجامعة. وهنا روعة التوازن بين الجامعات لخدمة العلم وأهله. فالأزهر بحثت عن شخصية البرقوقي وأم القرى عن مجلته. كذلك أشرت لمن سبقوني من الأساتذة الذين كتبوا عن البرقوقي وبيانه في مقدمة الرسالة وهم قلة و(انظر ص13). وكان من أسباب اختياري (البيان) موضوعاً لرسالة الماجستير، كلمة لصديقه الدكتور محمد رجب البيومي الذي أشار إليه مراراً وتكراراً عندما قال: (وأنا في حيرة كبرى لإهمال دور البيان في قيادة النهضة الفكرية فلم نعرف رسالة جامعية تخصصت في إيضاح دورها البناء كما رأينا رسائل شتى صرفت إلى دراسة مجلات لا تبلغ معشار ما بلغته البيان) (انظر المقدمة ص8). ** ومن ثم أتساءل عن مدى التوافق بيني وبين الأستاذ في طرح الأفكار وتعاقبها وترتيبها، فالتشابه طال حتى العنوان فرسالتي بعنوان: (مجلة البيان للبرقوقي.. مكانتها وأثرها في تطور الأدب الحديث) وما نشره من مقالات (البرقوقي ومجلة البيان). والعجيب أنه بدأ بنفس التسلسل الكائن في الرسالة فما كان عندي متوسع الحديث عنه من موضوعات مختلفة بعناوينها المستقلة، هي عنده إيجاز للب الفكرة فيها، قام بسردها مع شيء من التحوير في التقديم والتأخير. بدأ بمقدمة الرسالة والتمهيد له. فقد أوجز الحديث عن كتاب البيان الكبار المازني والعقاد وهيكل والسباعي ثم تطرق لسيرة صاحب المجلة ثم الحديث عن مؤلفاته ثم الحديث عن أسلوبه ثم منهج البيان ودفاعها عن الفصحى ثم الإشارة لدور البيان في ترجمة الأدب العالمي واختار فن القصة من بين الفنون المترجمة. مع العلم بأن أسلوب أبومدين لم يتجاوز أكثر من التلخيص في كل ما كتب عن البرقوقي ومجلته، ففيما يخص سيرة الرجل ما هي إلا خلاصة لمقالات الدكتور البيومي المنشورة في مجلة الأزهر بعنوان: (من أعلام الأزهر: عبدالرحمن البرقوقي- س61- 62- ج9 و10- 1409هـ) ونشره فيما بعد في (النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين) وكأن مرجع الدكتور البيومي عنه، ومرجعي أيضاً مقدمة كتاب (دولة النساء) للبرقوقي والذي أخرجه وقدم له ابنه (محمد عاطف البرقوقي) وفاءً لأبيه بعد وفاته، وقد نشر عام 1945م. والإيجاز لما كتبته في الفصل الأول من الباب الأول عن (عبدالرحمن البرقوقي سيرته ومكانته الأدبية)، أما إشارة الأستاذ لأخلاق البرقوقي وأسلوبه وتضحياته لأجل البيان وعلاقته بالإمام محمد عبده فهي عناوين مستقلة في الرسالة عن (مولده- أخلاقه- أسلوبه- علاقته بالإمام محمد عبده- تضحياته في سبيل البيان- وفاته- آثاره المحققة والمؤلفة). ولكن الحق يقال إن الرجل تميز باتباع طريقة الأشباه والنظائر، متبعاً في ذلك طريقة البيومي ذاته، كيف ذلك؟ فعندما عرف بكتاب البرقوقي (حضارة العرب في الأندلس) أتى بمسمى لكتاب آخر يشابهه (حضارة الإسلام في دار السلام) وهكذا دواليك. علماً بأن ما نقله الأستاذ بين أقواس تنصيص لم يخرج فيه عن مراجعي المحال إليها في هوامش الكتاب في الكتابة عن سيرة الرجل. على سبيل المثال النعي الذي قدمته مجلة الرسالة للزيات عن البرقوقي ورد في الكتاب ص62- 63. وهنا أخطأ الأستاذ في إيراد رقم العدد فالنعي ورد في (ع-568) لا (ع-571) كما ذكر. أما كلمة المازني عن البرقوقي في المقال الأول فقد ورد في البحث ص55. ** وأتعجب من ورود بعض العبارات المتشابهة فيما بين الباحثة والأستاذ: 1- ففي الحلقة الثالثة قال الأستاذ أبومدين عن أسلوب الرجل: (هذه القدرة البيانية) في حين قالت الباحثة: (واستوى على الطريقة البيانية) ص57 2- ورد له في الحلقة الأولى: (واتسعت صفحاتها لكبار الكتاب وكانوا حينئذ من الشباب أمثال عباس محمود العقاد، ومصطفى الرافعي والمازني ومحمد السباعي..) أما الباحثة فقد قالت في ص37 (كانت مدرسة للشبيبة الأدبية تتلمذ عليها ناشئة الأدباء وقتئذ أمثال طه حسين، محمد حسين هيكل، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم المازني، ومصطفى صادق الرافعي، وأمراء الترجمة، وتزعمهم محمد السباعي). 3- ما أشار إليه الأستاذ من لوم وانتقاد الاتجاه المحافظ للبرقوقي لسماحه بترجمة القصص الغربية فقد ورد في البحث بعنوان: (القصة فن أخلاقي) فالأستاذ يقول: (فجاءه النقد السريع لهذا الاتجاه (أي ترجمة القصص) في صيغة هذا السؤال.. وهو: كيف يعنى البيان هذه العناية بالروايات على قلة جدواها، وهناك من الموضوعات الأدبية ما هو أجل وأفخم وأولى بعناية مجلة رصدت نفسها للأدب العربي؟)، في حين أن الباحثة قد قالت: (واجهت البيان اللوم من بعض قرائها لاهتمامها بترجمة القصة وعنايتها بالروايات تلك العناية على قلة جدواها، وأن هناك من الموضوعات الأدبية ما هو أجل وأفخم وأعود على القارئ بالنفع، بل ما هو أولى بعناية البيان، والتي رصدت نفسها للأدب العربي وترقيته، واستنكرت البيان هذا الاتهام وردت عليه بقوة دفعاً لهذا الهاجس الذي اعترى بعض قرائها، بأن فن القصة يحوي الخير الكثير للأدب). 4- استقى بعض أقواله من تحليل الباحثة لمقالات البرقوقي في افتتاحية السنة الثانية.. حين قال (ولكنها ترى (أي البيان) أن يستمد الأدب العربي من المحيط العالمي روافد جديدة تمده بالنماء والخصب). وفي الكتاب (التزمت الحفاظ على الهدف العام المخطط لها، وهو خدمة الأدب العربي الحديث عن طريق النهل من معين تراث الأدب العربي، والقطف من ثمار الثقافة الغربية وأدبها) ص37 (..ولهذا جعل منهجها والأساس الذي بنيت عليه.. جديد الثقافة الأوروبية على صفحاتها) ص78 ** أستاذي الكريم الحق بجانبك وأنا معك عندما قلت ليس هناك خطأ في الكتابة عن شخصية أدبية من قبل عدة كتاب، وأتفق معك أن العلم ليس حكراً على أحد من البشر، فهو حق مشاع للجميع وحق لكل كاتب أن يكتب عما يروقه، بل من مصدر سعادتي أن يكتب الآخرون عن البرقوقي وبيانه بعد صدور رسالتي العلمية كتاباً، مما يدل على أن جهدي لم يذهب هباءً منثوراً. فالبرقوقي رجل يستحق لكن الحق بجانبي عندما يهمش اسمي واسم البحث الذي سلب مني الكثير مالاً وجهداً وصحة ووقتاً، وقد تكبدت عناء السفر إلى خارج المملكة، علماً بأني سجلت موضوع الرسالة ولم أكن أملك المصدر الأساس لأعداد مجلة البيان إلا عددين متفرقين لولا وقوف والدي (يرحمه الله) بجانبي والدكتور فياض (شفاه الله وعافاه) ومساعدة أخوين طيبين من الأزهر للحصول على جميع أعداد المجلة منذ صدورها عام 1911م إلى احتجابها عام 1921م، وقدمت قراءة متكاملة عن المجلة لم أترك شاردة وواردة إلا قلتها.. ارتحلت حينها إلى زمن غير زمني، وإلى جيل يستحق الإكبار والاحترام، اطلعت على كتبهم وعلى بعض الصحف السابقة واللاحقة لمجلة (البيان) وما كتب عنها لأظهر مدى التأثر والتأثير. إلى جانب زيارتي لمكتبات حارات مصر القديمة للحصول على كتب البرقوقي ما بين مصور ومطبوع.. فما وجدته سهلاً وجاهزاً لم يكن كذلك بالنسبة لي وهذا ما يحسب عليك لا علي، فقد أشرت مراراً إلى صديقك الدكتور البيومي، فما الذي كان يضيرك لو أشرت لي؟.. هل حداثة سني بالنسبة لك أم عدم معرفة الناس بي في الوسط الصحفي؟!.. أستاذي الفاضل الرسائل الجامعية ليست لقمة سائغة لبعض الكتاب ليتسلقوا على أكتاف الباحثين. ليس الخطأ الكتابة عن البرقوقي وإنما إجحاف حق الباحثين والتنكر لأعمالهم، وأنت رجل جليل ولست بحاجة لذلك فكتبك تشهد لك، إن حدتي حدة باحثة حقها أن تغضب وتثور على تهميش عمل قضت فيه سنوات ولولا تميز البحث ورؤية لجنة المناقشة بجدارته لما أوصت بطباعته، والمكونة من الدكتور (صالح جمال بدوي) والدكتور (عبدالله باقازي) والدكتور (طه وادي). إلى جانب أنه لم يطبع من قبل معهد البحوث العلمية إلا بعد تحكيمه من لجنة خارج جامعة أم القرى. وأحب أن أعلمك بأن الدكتور (سلطان القحطاني) وأنت تعرفه جيد المعرفة أشار لاسمي وكتابي -كما أخبرت- في كتابه: (التيارات الفكرية وإشكالية المصطلح الأدبي)، الصادر عن مطبوعات نادي الطائف الأدبي عام 1426هـ ص 1166، وقد أهديته نسخة منه في ملتقى قراءة النص الرابع أيضاً. ومما أتعجب منه أننا في زمن يسهل على الباحثين الحصول على مصادر المعلومات.. فكيف تحاضر عن البرقوقي وبيانه في نادي الطائف الأدبي، وتفوتك العودة للكتاب ومن السهل الحصول عليه من جامعة أم القرى الذي تروج له في داخل المملكة وخارجها في المعارض الدولية عن الكتاب.. وتقوم بتوزيعه كذلك على الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية؟.. علماً بأن البحث مطبوع منذ عام 1424هـ بينما محاضراتك أقمتها قبل ثلاثة أشهر تقريباً.. فكيف ذلك؟ ومتى أمكنك جمع مصادرك؟
فايزة أحمد الحربي المحاضرة بكلية التربية- جدة |