مؤشرات الانسحاب وموجبات التوافق عراقياً

ثمة مؤشرات على وضع عراقي متغير ربما على المدى القصير، فقد تواترت تصريحات المسؤولين الأمريكيين عن الانسحاب وسط ضغط متصاعد داخل الولايات المتحدة للقيام بهذه الخطوة مع تزايد القتلى في صفوف قواتهم، ويتزامن مع هذه النداءات نوع من التوافق على الساحة العراقية يعبر في جانب منه عن تجاوب مع المناشدات العربية من أجل التقارب بين مختلف الجماعات، حيث أثمرت تلك المناشدات التي انطلقت بصفة خاصة من عدة جهات عربية بينها المملكة والجامعة العربية عن مؤتمر المصالحة الذي انعقد مؤخراً في القاهرة..
وفي كل الأحوال فإن التوافق العراقي مطلوب، لكن مع مؤشرات الانسحاب، ولو بعد حين، فإن تعجيل الأطراف العراقية بترجمة ذلك التوافق إلى صورة عملية هو أمر يزداد إلحاحاً من جهة الاستعداد لمرحلة ما بعد الانسحاب التي تتطلب صفاً عراقياً متراصاً..
وسيكون من المفيد أن يدرك العراقيون أهمية التحرك السريع بينهم، حتى لا يغري الانسحاب المرتقب أطرافاً أخرى لملء ما قد ترى أنه فراغاً، ومن ثم يتعين على العراقيين مواجهة احتلال آخر بعد الاحتلال الغربي..
وفي ظل الحديث عن الانسحاب أشار الأمريكيون بوضوح إلى أنهم قد يجرون محادثات مع بعض المسلحين على الساحة العراقية، وإذا كان من المنظور أن تتحقق مثل هذه الخطوة فإن العراقيين أولى بأن يتحادثوا مع بعضهم البعض، خصوصاً إذا كان المقصود بالمسلحين هنا المقاومة العراقية وليس الإرهابيين..
وسيكون من المفيد في إطار التشجيع على ذلك الاستئناس ببعض مقررات مؤتمر القاهرة التي أقرت بوجود المقاومة وفرقت بينها والإرهاب، وقد يعين تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقة في تلمس الطريق نحو التلاقي بين الجميع، وفي هذا المقام فإن التواصل تفاوضياً مع المقاومة هو أمر ممكن طالما جرى الاعتراف بوجودها، بينما يستحيل عملياً ممارسة أي نوع من التقارب مع الإرهاب لأنه أصلاً لا يرغب في ذلك ولأنه يفتقر للرؤية السياسية التي تجعل من الممكن التعاطي معه..
إن ترتيب البيت العراقي هو مهمة عراقية في البدء والمنتهى، وبينما تتردد كلمة الانسحاب على الألسنة الأمريكية فإن التصريحات في هذا الصدد باتت مقترنة بأخرى من نوع اتصالات بين واشنطن وإيران لترتيب أوضاع معينة، ومثل هذه التوجهات قد تثير الخيال في اتجاهات شتى بعضها قد يبدو مخيفاً..
ولن يفيد كثيراً الاستطراد في هذه المخاوف وبدلاً من ذلك فإنه ينبغي على العراقيين قطع الطريق أمام أي (سيناريوهات) لا تتفق مع تطلعاتهم نحو السيادة والاستقلال.