Thursday 1st December,200512117العددالخميس 29 ,شوال 1426

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في "سماء النجوم"

احتضار صورة .....يحيى مدخلياحتضار صورة .....يحيى مدخلي

كان المنزل جميلاً من الداخل ومن الخارج.. فالأثاث قد اختاره رب الأسرة بعناية فائقة تدل على ذوقه الرفيع، ثمة صورة تحتل مكاناً مميزاً في البهو يبدو فيها طفل ذو ملامح جميلة، ثغره الباسم يعكس مدى سعادته ويفسر معنى تلك الابتسامة الصافية، عيناه الجميلتان يشع منهما بريق عجيب، يحب الدنيا والفرح والتفاؤل.
مرت بضعة أعوام سريعاً كالحلم، ما زالت الصورة معلقة في مكانها، لكنها تغيرت كثيراً، فصاحب الصورة بدا شاباً مكتمل الرجولة.. نظراته زائغة.. حائرة لا تستقر على شيء.. لابد أن هناك أموراً كثيرة تشغل باله، تهم مستقبله ومصيره، ابتسامته أصبحت باهتة، ثمة اخفاقات قد تلقاها في معترك السنين. إنه يشعر أن جسمه أصبح متدلياً من تحت الإطار، يريد أن يخرج لكنه لا يستطيع، سؤال كبير يجتاح نفسه منذ زمن بعيد، والحيرة تملأ فضاء حياته، إنه لا يأكل ولا يشرب لكنه ينمو ويكبر مع الأيام، يرى والديه وإخوته أمامه، يعيشون ويلعبون ويمرحون في كل أرجاء المنزل وهو يشعر بكل شيء حوله، يحاول جاهداً أن يتكلم، يعبر بطريقة ما عما تجيش به نفسه من مشاعر، يحرك شفتيه ليقول شيئاً ما، لكن ليس هناك صوت أو حتى همس.. لا بد أنه ابتلع لسانه فاكتفى بالصمت في دهشة، والابتسام في مرارة مفعمة بالألم، تتعاقب فصول السنة وتمر الأيام ثقيلة الخطى والملامح.. مضت ثلاثون عاماً وهو حبيس الصورة، شعر بالدهشة البالغة عندما اكتشف أن التجاعيد قد ملأت وجهه بالحفر والخطوط العريضة، بدا حزيناً باهتاً أكثر من قبل، لقد رأى أمه وأباه يموتان أمامه وهو لم يحرك ساكناً.
إنه أمر غريب حقاً، تساءل أكثر من مرة لماذا لا يسعى إخوته إلى تخليصه من هذا الإطار الذي يعيق كل تحركاته منذ زمن بعيد ويجعله حبيس الصورة.. محض ورقة ملونة.. أسنانه أصبحت صدئة، إنها تؤلمه كثيراً إنه يتذكر ذات مرة أن تاقت نفسه للزواج، لا بأس أن يتزوج صورة امرأة مثله تماماً لكن أحداً لم يستمع إليه.
عندما يرى أبناء إخوته الصغار يشعر بالسعادة والبهجة تغمره، أراد أن يقول لهم إنه يحبهم لكن الأطفال لا يتذكرون عنه شيئاً سوى أنه صورة.. محض صورة فقط.
ذات مرة اجتمع أفراد الأسرة كلهم في بهو المنزل جلسوا صامتين في بادئ وهو ينظر إليهم، تكلموا كثيراً عن الوصية والميراث، ثم علت أصواتهم واحتدم النقاش بينهم، لقد سمع تهديدات وقرارات خطيرة قد تصيبه في مقتل ان حدثت وتزلزل كيانه.
وبعد مرور ساعات طويلة توصلوا إلى هدم المنزل الكبير، أصابته صاعقة دمرت كل ما تبقى له من أحلام، صرخ بأعلى صوته: لا.. لا تفعلوا ذلك، سمعوا الصوت، تلفتوا يميناً وشمالاً في دهشة بالغة ثم انصرفوا وهو ينظر إليهم في استعطاف والدموع تملأ عينيه.
عندما دخل الأطفال الواحد تلو الآخر يلعبون بالكرة، قذف أحدهم بها بقوة تجاه الصورة فانكسر الزجاج وتحطم الإطار وسقطت الصورة أرضاً، أصيب بالرعب تألم كثيراً من أثر السقوط، أراد لوهلة أن ينهض ويلملم شتات نفسه لكن أحدهم أمسك بالصورة بيد مرتعشة ورماها في المدفأة، عندها أحس بألسنة النار بدأ يصرخ متألماً..
زاد من حدة صراخه لكن الأطفال قد أصيبوا بالخوف والفزع من جراء هذا الصراخ العالي لكن لا فائدة، بكى لعلهم يشعرون بدموعه لكن النار لم تبق من الصورة شيئاً سوى عينيه.
المثقف الذي نريد
د. عبدالله السلمي طالب المثقفين بالقيام بدورهم للنهوض بالأمة.. وقال إن الفرصة مواتية اليوم لمثقفينا لأن لدينا ما يمكن أن يستندوا إليه ويعتمدوا عليه من الثوابت، التي تسلم نفسية الفرد من التمزق والبعثرة وتساهم في توحد المجتمع، منهجاً ومشاعر وتصوراتٍ، وهم باستغلالهم ذلك وتقديمه للأمة كبديل سيحمون مجتمعنا من الشذوذ في الفكر.. والعلة في السلوك.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved