الحمد لله الذي أتم لنا شهر الصيام, وتقبَّل الله منَّا ومن جميع المسلمين صالح الأعمال. ما أصعب أن أكتب عن والدي وحبيبي والمربي الأول لي وصاحب الفضل الكبير علي - بعد الله سبحانه وتعالى - عبد الله بن عبد العزيز القاسم. لقد مرَّ علينا هذا العيد بشكل مختلف, لقد افتقدنا الوالد الغالي في شهر رمضان المبارك بعد مرض مزمن استمر معه لما يقارب أربع سنوات, ولكن رغم مرضه الشديد, فقد كان موجوداً معنا بروحه وجسده, كان يضفي على اجتماعات الأسرة وخصوصاً في العيد لوناً وطعماً مميزاً، افتقدناه كثيراً. كان - رحمه الله وغفر له - يحرص كثيراً في حياته على اجتماع العائلة والأقارب والأحباب, وكان منزله دوماً مفتوحاً للجميع. لقد حاولنا في هذا العيد أن نقوم بنفس الدور وذلك براً به ولحرصه على ذلك. وما يسعني في هذا العيد إلا أن أكرر قول الشاعر:
عيد بأي حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيد دونها بيد |
وما كان لنا أن نفرح بهذا العيد إلا استجابة لأمر الرحمن وأمر نبيّه عليه أفضل الصلاة والتسليم. لقد كان فقد الوالد كبيراً علينا, ومما خفَّف علينا المصاب مشاركة الجموع الكبيرة من المعارف والأحباب والأصحاب في الصلاة عليه, وإذا كان فقد الوالد كبيراً على أصحابه ومعارفه, فإنه علينا نحن أبناءه وبناته وأحفاده كبيراً جداً, فقد كان - رحمه الله وأسكنه فسيح جناته - كريماً بنفسه ووقته وماله على البعيدين فكيف على أهل بيته. اللهم اشهد أنه لم يقصِّر معنا فقد بذل كل ما يستطيع وأكثر مما يستطيع لمساعدتنا في جميع أمورنا, لم يكن - غفر الله له - ينتظر أن نطلب منه, بل كان يبادر دائماً. إن من يرى إنفاق الوالد - رحمه الله - يجده ينفق نفقة من لا يخشى الفقر، بل أذكر أنه كان يستدين ليسد حاجة صديق أو قريب, وهذا من كرمه الكبير. ولا أذكر أننا طلبنا منه مساعدة محتاج إلا كان مبادراً بمساعدته بجاهه أو ماله, بل كان يفوّضنا أن نساعده بما نرى. كان منزله - رحمه الله - مضيافاً للأقارب والأصدقاء, وفي بدايات حياته في الرياض كان يستضيف بعض الأقارب لفترات طويلة, وذلك أثناء دراستهم أو عملهم في الرياض. وكان يجتمع عنده الأصدقاء وبشكل يومي ولفترة طويلة. وكان منزله في الطائف مكان ضيافة في فترات الصيف ولسنوات طويلة لمن يأتي من الأقارب والأحباب. وعندما قام الأخ فهد - وفقه الله - بعمل الرسوم الهندسية لمنزل الوالد الجديد, وكان يسأله عن متطلباته في المخطط, فقد كان طلبه الوحيد أن يكون المجلس كبيراً ليتسنى له دعوة الأحباب والأصحاب, وليكون بيته جامعاً لهم. كان - رحمه الله - رحيماً بنا, فلا أذكر أنه رفع صوته على أحد أبنائه أو أحفاده, لقد كان يعامل أحفاده بخصوصية كبيرة فيعتقد كل واحد منهم أنه الأكثر أهمية وحباً لجده عبد الله. كان يتفقد أحفاده خصوصاً عند سفر أبيهم, فتجده رحمه الله يبادر بنفسه بالاتصال والسؤال عنهم ومحادثتهم. رغم أنه - رحمه الله - كان من الجيل السابق ولكنه كان فريداً في تعامله في بيته فلم يكن يفضِّل الذكور على الإناث, بل كان عادلاً في تعامله. ولقد كان يحث الجميع - بنين وبنات وأحفاداً - على إكمال دراستهم ويقوم بمساعدتهم قدر استطاعته. ولرغبتي في عدم الإطالة فقد تحدثت وبشكل سريع عن عبد الله القاسم الأب, ولم أتعرض لمواقف الوالد في الأعمال الحكومية التي تولاها ولكن يكفينا فخراً الأعداد الكبيرة ممن حضروا أو اتصلوا لتقديم واجب العزاء, ونحن لا نعرفهم ولكنهم ممن تعامل مع الوالد في عمله, وأعتقد أن غيري أقدر مني على الحديث عن عبد الله القاسم وإخلاصه وأمانته في عمله, ولكن لعلنا نحن أبناءه أن نستفيد من سيرته. لقد مضى أجل الله في والدنا وانتقل إلى رب رحيم, اللّهم أبدله داراً خيراً من داره, اللّهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه, اللّهم جازه بالحسنات إحساناً وبالسيئات عفواً وغفراناً. لم يبق علينا إلا أن ندعو له ونبره كما علمنا, فقد كان مضرب المثل ببره بوالدته رحمها الله, وعماته, ووالدة زوجته رحمها الله وبكل أقاربه, اللّهم تقبّل دعواتنا له وأعنا على بره ميتاً.
|