كالمعتاد وفي كل عام تعم الفرحة في أيام عيد الفطر المبارك، وكان الموعد الذي تحتفل فيه جميع مدارس محافظة الرس في أول يوم دراسي بعد إجازة العيد، حيث تبادل الجميع التهاني والتبريكات وقدمت المشروبات والأكلات والحلويات الخفيفة.. إلا أن هناك أوضاعا أخرى تختلف في متوسطة العباس بالرس، حيث انقلبت فرحتهم إلى أحزان وخيمت أجواء المدرسة بالحزن، حيث لم تتم مراسم الفرح بين المدرسين والطلبة وذلك لما حصل لهم بفقد مديرهم الأستاذ الفاضل والمربي (علي بن محمد الكدري) أبو محمد، الذي انتقل إلى رحمة الله تعالى في أواخر شهر رمضان المبارك، وفي العشر الأخيرة الفاضلة، عندما أصيب بمرض قبلها لم يمهله أسبوعاً بعد أن سقط بين الطلاب وهو يؤدي عمله، عندما انتهى من إلقاء خطاب على الطلاب عن فضل أيام العشر، وسبحان الله لا يدري أنها ساعة الوداع لما عرف عنه من إخلاص وتفانٍ في عمله طوال مسيرته التعليمية، التي امتدت إلى أكثر من ربع قرن من الزمان. لقد عاشت الأسرة التعليمية بالرس أيام حزن لما أصابه من مرض ألزمه السرير الأبيض حتى توفاه الله في مستشفى بريدة، بعدها بأسبوع فقط، انتقل إلى رحمة الله تعالى، حيث فجع الجميع لفقده، خصوصاً أبناء المدرسة، الذين سقط أمامهم وهو يؤدي عمله، وقد كان مثالاً للرجل المتفاني في عمله، الذي أعطاه من صحته وجهده وماله الكثير والكثير، وكان بمثابة الأب الحنون للطلاب وبمثابة الأخ الأكبر للمعلمين.. وقد فجع طلاب المدرسة ومدرسوها خصوصاً وأبناء الرس عموماً بما ألم به من عارض المرض، الذي استدعى نقله إلى المستشفى، حيث بقي طريح الفراش لفترة من الزمن، والكل يدعو له، اختاره الله له وبدأ الجميع يترقب أخباره وهو بالمستشفى، وخلال تلك الفترة عاش الجميع بأعصاب متوترة وأنفاس مكتومة وقلوب واجفة لمحبتهم لهذا المدير الفاضل لما له من مكانة في قلوبهم ومعزة في نفوس الجميع، كيف لا وهو الذي حمل المدرسة على عاتقه وسعى في كل محفل إلى أن يقف موقفاً مشرفاً لأجل هذه المدرسة وغيرها من المدارس التي تولى إدارتها سابقاً على مدى سنوات عمره الحافلة بالعمل الجاد والمضني. وها هو يأتي الخبر كالصاعقة في صباح يوم الاثنين، خبر وفاته عليه رحمة الله، وأسكنه فسيح جناته، لقد حزن الجميع لفراقه ولا شك أن الموت حق.. لقد اقتضت مشيئة الله أن تخطفه يد المنون. وأبو محمد هو من يقف مع طلابه ويشاركهم في كل مناسبة وكل نشاط حتى في جماعة التوعية، كانت له مشاركات إيجابية قبل عدة سنوات حتى اجتماعاته المتكررة بالمشرفين والمدرسين وحثهم على العمل الجاد، وكان يجمعهم في كل صغيرة وكبيرة. كم كان حنوناً وكم كان محترماً، نعم ستفقدك المدرسة وستبكيك الجموع المهرولة التي حضرت مراسم وداعك، الذين دعوا لك عند قبرك بالثبات والمغفرة والرحمة. نعم ستبكيك عيون محبيك، ستبكيك الاستراحة التي كنت تحرص عليها كل يوم لجمع أبنائك وإخوانك على مائدة الإفطار، سيبكيك أبناء المدرسة والمعلمون. كان يوم العاشر من شهر شوال يوماً مختلفاً عن بقية الأيام، بدأ الطابور اليومي.. الطلاب والمعلمون والمرشد الوكيل، ولكن هناك شيئاً ناقصاً وهو ريحانة المدرسة وروحها جميع مدارس الرس تبادلوا التهاني بالعيد إلا متوسطة العباس تبادلت التعازي بوفاة هذا الفقيد الغالي. بأي حال عدت يا عيد.. رحمك الله أبا محمد، لقد وصف لي الأستاذ سلطان بن محمد الصائغ الوضع الذي حصل في متوسطة العباس مع أول يوم دراسي بعد عيد الفطر المبارك، وقال الأخ سلطان ما نصه: (يوم ولا كل الأيام، مر على متوسطة العباس.. لقد اختلطت فيه الدموع.. دموع الحزن ودموع الفرح، اختلطت عبارات المعايدة بعبارات التعزية.. يوم لا يمكن أن ينسى.. ففي بداية الطابور الصباحي رأيت المعلمين تعلو وجوههم العبرات والحزن، عندما شاهدوا كرسي الأستاذ علي محمد الكدري مدير المدرسة وقد فارقه بعد سنوات من العطاء والتضحيات، هذا الكرسي الذي كان شاهداً على كل أعماله في مجالات التعليم، لكن بقضاء وقدرة ترك هذا الرجل الفاضل هذا الكرسي، بل ترك الدنيا بأسرها.. كذا الحال كان مماثلاً لطلاب المدرسة، وكانت البداية بكلمة الطابور المؤثرة عندما قرأها أحد الطلاب وكانت تحمل عبارات الوداع لهذا الرجل الفاضل، فعندما لاحظت أكثر الطلاب كانوا يعتريهم الحزن وهم يسمعون زميلهم يتحدث عن وداع مديرنا الفاضل.. لقد كان يوماً مختلفاً بكل المقاييس، فكل المدارس استقبلت طلابها بالمعايدة والحلوى ما عدا مدرسة العباس.. كل المدارس استعدت لهذا اليوم بعبارات المعايدة ما عدا مدرسة العباس استعدت بعبارات الوداع المؤثرة.. لقد دخل الطلاب فصولهم بعد الطابور الصباحي وكأن حالهم يقول: بأي حال عدت يا عيد!! لقد تألم الجميع لفقد زميلهم الغالي ليس على أقربائه فقط بل على الجميع وليس على المدرسة فقط بل على جميع مجالات التعليم بالمحافظة. لكن مما يجب أن يذكر هذا العمل الرائع الذي قام به مشرفو إدارة التربية والتعليم في محافظة الرس، يتقدمهم مساعد مدير التعليم الأستاذ خليفة خالد الرشيد بزيارة المدرسة في ذلك اليوم وتقديم العزاء لفقد مديرنا الفاضل مما كان سبباً في تخفيف ألم الحزن والفراق.. دعواتنا في ختام هذه الكلمة أن يغفر الله لفقيدنا وفقيد التعليم بالمغفرة والرحمة وأن يسكنه فسيح جناته ولذويه الصبر والسلوان ولا حول ولا قوة إلا بالله {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
|