في آخر أيام شهر رمضان المبارك انتقلت إلى الرفيق الأعلى والدتي بعد معاناة استمرت لمدة عامين مع المرض العضال، بذل خلال تلك المدة الأطباء كل ما لديهم، إلا أن مشيئة الله تعالى شاءت لها النهاية ككل البشر في هذا الكون الفسيح ولا راد لقضاء الله وقدره إنما فعل الأسباب من الأمور المحببة وحتى يقترب الإنسان لربه أكثر وأكثر في وقت المحن للتداوي بالقرآن والذكر الحكيم ولأن أعز مافي الوجود لدى الإنسان الوالدين بعد محبة رسول الله فقد كانت والدتي التي اعتادت أن تختم القرآن في شهر رمضان لعدة مرات وتقف طوال الليل في تهجد وسؤال لله سبحانه وتعالى. وجاء رمضان هذا العام وهي في عالم آخر من المعاناة والألم مما آنساها الدنيا والتلذذ بالقرآن واكتفت بسماعه، لقد كانت في حياتها لا تملك في الدنيا إلا الإيمان والصدق ورعاية حق الجار وصلة الرحم وكل الصفات الحسنة التي تعلمتها من القرآن الكريم، كانت من الرعيل الأول من النساء التي سخرت نفسها للعمل الحسي والمعنوي ومنها العمل في المزرعة فكانت تتصدق وتصل المحتاجين والفقراء والأيتام والأرامل وتزور المرضى وتحن على الصغير والكبير، وأصبحت محبوبة ومقربة من الجميع وبخاصة العائلة ومن يتصل بها لكونها تقوم بكل تلك الأعمال الخيرية والاجتماعية سواء في أفراد العائلة أو من المحيطين بها كانت نعم الأم الحنون الحافظة لبيتها والمحافظة على دينها والخائفة من ربها، كيف لا والقرآن كان منهجاً وحفظ الأحاديث والسيرة النبوية والقصص التي ترويها والأحاديث عن والدها المشهور عبدالعالي العبدالعزيز العبدالعالي صديق الملك عبدالعزيز والملك سعود رحمهم الله جميعا والذي توفي معمراً وكانت الوالدة تروي الكثير من قصصه ورحلاتهم إبان بداية الدولة السعودية والمخاطر التي يتعرض لها أثناء تنقلاته راجلاً بين مدن المملكة والكويت لنقل البريد راجلاً. كما أن الوالدة كانت تقرض الشعر عندما تلم بها أي نائبة مما يمر كل شخص في الحياة فكانت قصائدها مناجاة ونصحاً ودعاء، رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وألحقها بالصالحين الأخيار في الفردوس الأعلى من الجنة إن شاء الله، فقد كانت جنازتها خفيفة سريعة فقد دفنت بعد وفاتها بحوالي ثلاث ساعات لم تدخل الثلاجة ولم تنتظر وصول الأقارب خارج المحافظة وفي يوم فضيل اختتم فيه شهر رمضان المبارك قد أسلمت الروح لبارئها في طوارئ مستشفى الملك سعود بعنيزة قبل صلاة العصر. وأشار الإخوان المتخصصون في شؤون الجنائز أن نستعجل في دفنها مع امرأتين وتم ذلك في جامع الشيخ محمد بن صالح العثيمين، صلاة العصر يوم الأربعاء الموافق 30-9-1426هـ وفي الحقيقة أنه يجب على الإنسان التسليم بقضاء الله وقدره وأن الموت حق ولا راد لقضاء الله تعالى ولكن ما هون من مصيبتي تلك الوجوه الحبيبة والعواطف الجياشة والأيدي التي امتدت لتعزي وتواسي فيما أصابنا حتى خففت من تلك الفاجعة لقد كنت أتصفح الوجوه الحزينة وأرى من معظمها الدموع المعزية من كافة طبقات المجتمع والذين اكتظت بهم المقبرة مشاركين في الأجر باحثين عن المثوبة من عند الله في آخر يوم من الشهر الفضيل لقد غمرني الجميع بمشاعر متدفقة وجياشة سواء من حضر الصلاة أو في المقبرة أو من هاتفني أو راسلني وبخاصة من الزملاء في الجزيرة بالمركز الرئيس والفروع أو من زارنا لتقديم العزاء في المنزل سواء من المسؤولين وعلى رأسهم محافظ عنيزة المكلف فجزاهم الله خيراً وجعل ذلك في موازين حسناته. ولا أراهم مكروهاً في عزيز لديهم.
|