جاء قرار معالي وزير التجارة والصناعة بتأجيل انتخابات مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة إلى أواخر شهر شوال القادم والسماح بدخول سيدات الأعمال لأول مرة في تاريخ الغرف السعودية منذ أكثر من ستين عاما كالغيث المنهمر، حيث حرك النشاط في أواسط أروقة منشآت سيدات الأعمال في المملكة بشكل عام وبمحافظة جدة بشكل خاص، وبالتالي تشكل غرفة جدة الريادة والسبق كعادتها دائماً، فمنذ إنشائها في عام 1365هـ وحتى يومنا هذا تُعَدُّ من أنجح الغرف السعودية وأكثرها نشاطاً وحركة بل وريادة؛ ويعزى ذلك لسيطرة عدد من البيوت التجارية والأسر المعروفة ومنذ نشأة الغرفة على التربع على زمام القيادة وعضوية مجلس الإدارة فيها.. وعلى الرغم من الوفرة في عدد سيدات الأعمال السعوديات في محافظة جدة وبروزهن في مجالات عدة ومشاركات دائمة في المؤتمرات والمنتديات الاقتصادية والفكرية داخل المملكة وخارجها إلا أنهن كن مغيبات عن أبسط حقوقهن المكفولة شرعاً ونظاماً. والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه: لماذا اتخذ هذا القرار الآن بالذات؟ والجواب بالطبع ان المرأة في المملكة بشكل عام وسيدة الأعمال بشكل خاص قد بلغت من العلم والمعرفة والوعي بما يؤهلها ان تبادر في القيام بمهامها ومهام ومتطلبات بنات جنسها دون وصاية أو فروض مقيدة لها من الرجل، كما أن الدولة قد اتخذت مبدأ الاصلاح والتطور منهجاً في العهد الجديد، وسبق ان صدرت قرارات من مجلس الوزراء بتفعيل قدرات وطاقات المرأة وتمكينها من العمل في منشآت القطاع الخاص وفق ضوابط شرعية واجتماعية، وكانت دائماً مثل تلك القرارات تجد طريقها إلى الادراج والنسيان بل والتجاهل، وكان القاصي والداني يعتب علينا بأننا دولة إسلامية ومهبط الوحي ومهد الحضارة الإسلامية ومع ذلك أسواقنا ومتاجرنا المخصصة لمستلزمات النساء يقف بها رجال يبيعون لنسائنا ولاخواتنا المقيمات ويقع من فعل ذلك الاختلاط العديد من المحاذير، ومعظم دول العالم تمنع على الرجال القيام بالبيع المباشر للنساء خاصة فيما يتعلق بالأنشطة والمستلزمات التي تهم وتخص المرأة. ولعل السماح لدخول سيدات الأعمال لمجلس الغرف وفق الضوابط الشرعية سيكون مدعاة لنفض الغبار عن تلك القرارات، وبداية عصر جديد يعيد للمرأة خصوصيتها وتعاملها مع بنات جنسها ويصحح الصورة القائمة في الأذهان.. بل ان نجاح بعض ممن سيرشحن أنفسهن للانتخاب سواء تم فوزهن عبر التصويت أو التعيين سيكون فخراً للسيدات إذا التزمن بالتعاليم الشرعية والقيم الاجتماعية وحرصن ان يمثلنا المرأة السعودية المسلمة خير تمثيل وعملن جاهدات على تقديم الاستشارات والتوصيات فيما يخص قطاع الأعمال النسائية والتزمن بتحقيق الرفاه والأمل للباحثات عن العمل أو الراغبات في الاستثمار وتنويع مصادر الدخل. وعلى الرغم من أن قرار معالي الوزير كان حكيماً وواقعياً إلا أنه في الوقت نفسه قد رمى بالكرة في ملعب سيدات الأعمال دون أن يكون هناك تدرج في القرار كما اعتدنا بأن يأتي أولاً بالتعيين ثم في مراحل لاحقة يأتي الانتخاب، وبالتالي أصبحت سيدات الأعمال الآن أمام المحك وفي تجربة لا يمكن وصفها وليدة، حيث إن هناك مركز خديجة بنت خويلد الذي يهتم بقطاع سيدات الأعمال تحت مظلة الغرفة التجارية بجدة ويقوم على ادارته كفاءات نسائية وطنية مؤهلة علمياً وعملياً ومن بيوت تجارية معروفة ومشهود لها، بل انه على الرغم من كون هذا المركز في بداياته وفي ربيعه الثالث إلا أنه قد حقق نتائج جيدة قياساً بتعاون سيدات الأعمال معه وتواصلهن. ولعلني هنا أسدي نصيحة وتوصية لسيدات الأعمال الراغبات في الترشح وللأخريات اللاتي يحق لهن التصويت بأن يتكاتفن مع بعضهن ويشددن أزر بعضهن البعض وألا يغامرن بدخول تكتلات وتحالفات مع بعض الرجال أو النساء دون دراسة وبُعد نظر وتقييم للموقف والواقع. ولعلني أذكرهن بأن يبادرن إلى عمل حملات انتخابية مدروسة ومنظمة؛ فهي تجربة تستحق الاهتمام والعناية، وسيكون لها متابعة ومراقبة على المستويين المحلي والعالمي.. وعلى سيدات الأعمال أن يثبتن مدى وعيهن وثقافتهن وإدراكهن للمرحلة والخطوة القادمة.. وسيكون للقاء الأبوي الحاني من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - بمجموعة من المثقفات والاعلاميات في المملكة الجمعة الماضية اثر كبير في مسيرة سيدات الأعمال المترشحات لعضوية مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بجدة، كما يلزم الأخذ بعين الاعتبار ان الوصول إلى الكرسي ليس هدفاً بحد ذاته؛ فهو منصب تكليف وليس تشريفا، والمجلس يعمل على خدمة منشآت القطاع الخاص التجارية والصناعية ومنتسبيها. ولعل مما يحسب لغرفة جدة أو كما يحب الجميع أن يطلق عليها (بيت تجارة جدة) أنها كانت حاضنة لعدد من الكفاءات الوطنية اللاتي تبوأن مناصب قيادية عليا في الدولة.. ولعل دخول السيدات لأول مرة يكون فاتحة خير لوصول المرأة لمناصب ومواقع تستطيع المرأة من خلالها خدمة بنات جنسها بشكل مباشر. وإلى أن تتضح الصورة النهائية بعد إجراء الانتخابات وظهور الاسماء الفائزة بمقاعد المجلس وعددها اثنا عشر مقعداً بالانتخاب وستة مقاعد بالتعيين ليكون اجمالي النصاب ثمانية عشر مقعداً.. كل انتخابات وأنتم بخير.
|