Tuesday 31th January,200612178العددالثلاثاء 1 ,محرم 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"محليــات"

باختصار باختصار
مشهد أكبر من المسرح!
نور المسلّم

قلت سابقاً وحين مشاهداتي لمقاطع من محاكمات صدام حسين إن الشكل العام أصبح أقرب إلى المهزلة، وإن تصور الواقع كما هو لا يمكن له أن يأتي هكذا ما لم تكن هناك اعتبارات أخرى تحسبها الديموقراطية الجديدة في العراق
لكن ملاحظاتي التي كان آخرها أول أمس، حين اشتدت المعركة الكلامية بين صدام ورفاقه، وبين القاضي الكردي رؤوف عبد الرحمن (العصبي)، هي أن الوضع بأكمله بدا وكأنه زي أو لباس حديث وعصري على جسد عجوز هرمة!
فالمحاكمة تبدو عصرية جداً جراء انسياق الأحكام التي يتبادل على تكرارها القضاة من تذكير بحق المتهم وحق الادعاء والحرية الكاملة في النقض، بينما هرع صدام للدفاع عن كرامته حين ووجه بالطرد ليلحق بأخيه برزان الذي طرد بعد اتهامه للمحكمة (ببيت الزنا)، بينما كان الانفعال المتبادل بين القاضي العصبي وبين صدام الذي ما زال يتخاطب معه على أنه كان مجرد واحد من ملايين الشعب العراقي الذين حكمهم على مدار خمسة وثلاثين عاماً فكيف به يطرده؟، لا أظن هذه المحاور كانت مجدية، ولا أظن العرض الباهت مجدياً هو الآخر، فالحكمة التي نتلقاها نحن كمشاهدين تبدو كالمسلسل الطويل، وأن النهايات المعروفة والمحتومة هي نتائج مسبقة عطفاً على إرث صدام، في حين تبدو الرسالة القصيرة في إظهار المشهد الديموقراطي الحافل بالعدل وحقوق الإنسان، مملة جداً، ويبدو أن المشهد الذي حفلت به محكمة يوم أمس التي تحتضن رموز آلام العراق على مدار أكثر من ربع قرن في مساحة ضئيلة، تمثّل القفص الذي حرص المجتمعون داخله على استحضار تفاصيل أزمان النخوة والشهامة والمبادئ التي يسيل لها لعاب أكثر الشوارع العربية، من لباس عربي، إلى عبارات حماسية، ثم الاستعانة بآيات قرآنية كانت غائبة أيام الحكم الصدامي!
قناة العربية التي كنت أتابع عبرها معارك الكلام كانت قد استعانت بالدكتورة منى غريب خبيرة في علم الإيحاء والإيماء، كان دورها فقط لتهدينا كمشاهدين على دراسة الإيماءات والحركات اللا إرادية لأبطال مسرح المحكمة، واستكمالاً لتتبع خريطة الحواجب لصدام إن ارتفعت لتقيس حدته، أما أن أحد فكيه قد تهدل فدلالة على عناده واعتداده بنفسه وثقته، وشعر حاجبه الأيسر الذي ارتفع فجأة ليعلن عن توتره، بينما كان فك القاضي مربعاً دلالة أخرى على إصراره على النجاح في مهمته الجديدة، بينما تبدو فتحتا أنفه واحدة أكبر من الأخرى دلالة أخيرة على إصراره على رأيه وعدم خوفه!!!!
هذه التفاصيل مجتمعة خيّلت لي وكأنها مشهد تراجيدي عميق ومركب المحتويات والتراكم لثلاثة عقود ونيف، حدث أكبر من مسرح الحدث، وأكبر من استيعاب ضحايا صدام قبل أعوانه، وأكبر من استيعابنا نحن إذا اعتبرنا أنفسنا أرقاماً ضمن صفوف المتفرجين!

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved