Thursday 16th March,200612222العددالخميس 16 ,صفر 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"عزيزتـي الجزيرة"

مع قصيدة (الأسهم الحادَّة) للشاعر صالح المالك مع قصيدة (الأسهم الحادَّة) للشاعر صالح المالك

والشعر شعور وعاطفة وخيال والأفكار تأتي في المرتبة الأخيرة إلا أننا في أيامنا هذه رأينا الشعر الذي ينزل إلى السوق ويعالج المصالح الآنية، فبعد أن قرأنا قصيدة عن شعر العمل والعمال نقرأ اليوم في هذه القصيدة عن شعر الأسهم والمضاربات ومن يعش يرَ.
وشاعرنا الأستاذ صالح المالك قدَّم لهذه القصيدة بنشرة اقتصادية، وأنا لا أرى ضرورة لمقدمة نثرية في الشعر عامة بل نترك الشعر يتحدث عن نفسه.
والقصيدة من البحر الوافر:


بُحورُ الشعر وافرها جميلُ
مفاعلتن مفاعلتن فعولن
ونموذجها قصيدة جرير:
أقلّي اللوم عاذلَُ والعتابا
وقولي إن أصبتُ لقد أصابا

وقصيدة شوقي:


سلوا قلبي غداة سلا وتابا
لعلّ على الجمال له عتابا

والبحر الوافر إيقاعي شديد النغمة يصلح لقرع الطبول:
طُطُمْ طُمْ طُمْ - طُطُمْ طُمْ طُمْ - طُطُمْ طُمْ
ولطول القصيدة نقسمها إلى مجموعات:
1- أرى في سوق أسهمنا اضطرابا
وفيه أرى لداخله اكتئابا
2- رمى عملاءَهُ بالسهم حتى
غدا بيتُ العميل له خرابا
3- فسابكُ رَغمَ قوَّتِها تهاوتْ
وأتعس من شرى فيها وخابا
4- ولن أنسى البنوكَ فقد دهتنا
خسائرُها وقد عظمت مصابا
5- وما تلك الزراعةُ غيرُ خطبٍ
أَلمَّ بسوقنا ولنا أصابا
6- فمن ذا خلفَ اسهمنا انخفاضاً
ومن هو كي نحاسبهَ حسابا
7- أهيئةُ سوقنا أم من تمادَوْا
بلُعْبتهم وأَصلَوْنا عذابا
8- (هواميرٌ) محافظهم تنامت
نموّاً لم يكن إلا اغتصابا
9- (هواميرٌ) مكاسبهم خيالٌ
ستُلحقهم ملاماتٍ وعابا
10- فقد جاروا على الضعفاء جَوْراً
أحاط بهمْ وأفقدهمْ صوابا
والكلام واضح لا يحتاج لشرح فهو حديث العامة فالاضطراب في السوق حدث حديثاً والاكتئاب وقع لاحقاً والا ففي البداية عميت الأبصار وهجم الناس هجوم الأَكَلة على قصعتها وترك المدرسون صفوفهم وطلابهم والموظفون مكاتبهم وداوموا في السوق المالية، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ}.
والرمي بالسهم كان للعيون:


ويلاهُ إن نظرتْ وإن هِيَ أعرضتْ
وقعُ السهامِ ونزعُهنَّ أليمُ

فصار للشركات والبنوك، والعميل (client) مصطلح سوقي (من السوق) مثل الزبون (customer) وإليكم النشرة بالتفصيل:
فسابك (أقوى الشركات) تهاوت رغم قوتها وتعس من شرى فيها (ساهم) وخابا: وشرى تأتي بمعنى باع قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ}، وتأتي بمعنى اشترى قال عنترة:


حصاني كان دلاّلَ المنايا
فخاض غمارَها وشرى وباعا
وسيفي كان في الهيجا طبيباً
يداوي رأسَ من يشكو الصُّداعا

والبنوك رمتهم بستين داهية وعظم المصاب بها (مصاباً تمييز بدل الفاعل) والزراعة خطب جلل (وأنا عديم خبرة فيما أتحدث عنه فلا أعرف المقصود بالزراعة هنا وإنما أنا خبير شعر).
أَلَمَّ بمعنى مرَّ أو أصاب وكان مدير مدرستنا - سقى الله - يعطينا خطاباً للوحدة الصحية: (الموظف فلان يشكو من ألمٍ أَلمَّ به)، ولنا أصابا يعني أصابنا ويجوز التعدية باللام قال تعالى: {هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}.
ويتساءل من خلف انخفاض أسهمهم؟ من هو كي نحاسبه حساباً عسيراً فننشب فيه أظفارنا وونفريه بأنيابنا ونقطعه (ونشفّيه) (نصفيّ لحمه من عظمه) على طريقة الضبع (أم عامر):


وأطعمها حتى إذا ما تملأتْ
فَرَتْهُ بأنيابٍ لها وأظافرِ
(تملأت: شبعت).

وعندما كانت الأسهم مرتفعة وامتلأت الجيوب ما أظن أحداً بحث عن السبب وإنما (الحقوا).
وما أدري - كما قلت - مصطلحات كثيرة في هذا المجال فهيئة السوق نعرفها (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وحاشا وكلا فليس هذا مجالها والهوامير (شبعت وأكلت السمك الصغير) والهامور نوع من السمك مرقَّط كالنمر ولحمه لين جداً ورخوي وأنا لا أحب من السمك إلا الشَّعور فهو السمك والباقي أنواع من اللحم، وسمك الهامور يكبر كثيراً لكن أنواعاً كثيرة من السمك تكبر مثله وأكبر فلماذا ظلموا الهامور؟ والمَحافظ (بفتح الميم فقط) هي محافظ النقود تصنع من الجلد ونحن نسميها (الجزدان) والهوامير مكاسبهم خيال: بل حقيقة لكن الشاعر يريد أنها فوق الوصف والخيال لكثرتها وسيلحقهم اللوم والعار حيث جاروا على الضعفاء جوراً أحاط بهم.. قال تعالى: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} وأفقدهم الصواب، ونقول يا مثبت العقل والدين والعامة يقولون: (مصيبة في المال ولا مصيبة في العيال، ومصيبة في العيال ولا مصيبة في الدين) وصدقوا.
وإذا كان لن يلحق المتسببون إلا العار واللوم فيا بختهم!
قالوا إن لصوصاً استاقوا إبل أعرابي فسأله الناس: ماذا فعلت؟ فقال: أوسعتهم سباً وَأَوْدَوْا بالإبل.
11- فمنهم من أصيب بسهم موتٍ
فغيَّبه عن الدنيا غيابا
12- ومنهم من بدا مُغمىً عليه
ولم يعرف لمنزله إيابا
13- ومنهم من أصيب بنقص عقلٍ
فمزَّق من تَحَسُّرِه الثِّيابا
14- ونوباتُ القلوب بدت هجوماً
خطيراً كاسحاً والعقلُ غابا
15- وما الجَلَطَاتُ إلا مِنْ هدايا
سهامِ السوق بَلهَ الاكتئابا
16- إشاعات تداولها أناس
لعل لهم إذا سئلوا جوابا
17- وويل للذي أضحى حديثاً
أشيخاً كان أم كانوا شبابا
18- لبنكٍ همُّهُ تحصيلُ مالٍ
ولا يَخشى إذا ما قيل رابى
19- فتسهيل البنوكِ لمستدينٍ
نرى فيه المضرَّة والصعابا
20- نرى فيه المصائبَ موجعاتٍ
وفيه نرى العجائبَ والعُجابا
ويتحدث الشاعر عمّن مزقتهم سهام المضاربات والبنوك ولعله اطلع على نشرة من الهلال الأحمر: فمنهم من مات (وعسى أن يكون استراح) ومنهم من أغمي عليه (شمِّموه نشادر أو كولونيا أو حتى بصلة).
نكتة: وشر البلية ما يضحك: قالوا إن صعيدياً أغمي عليه فشمموه جوربه أو شرابه أو كلساته أو شرباته) فصحا رأساً.
ومنهم من جُنّ وكنت أعرف جنون الهوى:
قالوا جُننتَ بِمَنْ تهوى فقلت لهم:
ما لذة العيش إلا للمجانينِ
وهذا جنون الشركات والبنوك.. ثم من أصيب بالنوبة القلبية وأعاد الشاعر الجنون مرة أخرى تأكيداً أو نسياناً ثم الجَلَطَات (يا كافي ويا دافع البلا)، ثم الاكتتاب (مرض نفسي) و(بَلْهَ: اسم فعلٍ بمعنى دَعْ) ثم الإشاعات (الطابور الخامس) وهو أشد على الأعداء من أربعة طوابير جنود (على رأي نابليون) ثم الاستدانة من البنوك الربوية: ومن قال لهم استدينوا والرسول صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه.. قال تعالى: {فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ}.
21- وأنتم يا صغارَ السوق رفقاً
بأنفسكمْ وإن كنتم غِضابا
22- وقولوا للهوامير: استقيموا
وتوبوا من خطاياكم مَتابا
23- أَعيدوا السوق منتعشاً نشيطاً
وشُدّوا للمساعدة الرِّكابا
24- وإلا سوف نرفعها قضايا
نطالب من لنا ظلموا طِلابا
25- وإني واثق ثقة تسامت
ولم تقبلْ شكوكاً وارتيابا
26- بأنّ هناك من يسعى قوياً
لتصحيحٍ ينالُ به الثوابا
27- مليكاً عادلاً براً رحيماً
إذا يُدعى لنائبةٍ أجابا
28- يحبُّ الخيرَ بل يسعى إليهِ
ويعشقُهُ وفاءً واحتساباً
29- حبيبُ الشعب عبدُ اللهِ أَكِرمْ
بهمَّتِه إذا ما النُّكسُ هابا
(والنُّكس هو الجبان)
وظهر ضعف المضاربين بعد القوة ونادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور واسترحموا الهوامير وطلبوا منهم إنعاش السوق (وأنا أعرف أن الذي يخرب لا يعمر) ثم هددوا برفع القضية إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - المليك العادل البَرِّ الرحيم الذي يجيب من دعاه للإنقاذ ويحبُّ الخير ويسعى إليه حبيب الشعب وصاحب الهمة العالية.
وأنا أثني على كلام الشاعر وأقول نَعَمْ وَنِعْمَ.
ملاحظة: طِلابا: مصدر طالَبَ، فَاعَلَ مصدرها: مفاعلَةً وفِعالاً مثل محافظة وحفاظاً
ختاماً أقول للشاكين الباكين:
أين الإيمان الواقي وأين القضاء والقدر وأين الرزق المقسوم؟ والدنيا كلها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولو كانت كذلك ما سقى منها كافراً شَرْبَةَ ماء.
نزار رفيق بشير/ الرياض

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved