أكد تقرير أصدره مركز بخيت للاستشارات المالية أن عدداً من المستثمرين يعتقد أن التصحيح الذي بدأ في 25 فبراير إلى 27 مارس عام 2006م طال جميع الأسهم وبالتساوي أو كان متقارباً بين الأسهم القيادية وأسهم المضاربة. ولكن عند الدخول في تحليل هذا النزول فإننا نلاحظ أنه يوجد لدينا أسهم رابحة وأسهم خاسرة وبفارق كبير في مقدار التأثر بهذا النزول. وقد يقول قائل إن كافة أسعار الأسهم في السوق السعودي انخفضت, فكيف يكون هناك سهم رابح وسهم خاسر؟ إلا أن التباين في نسبة انخفاض الأسهم يمكننا من التوصل إلى أن الأسهم ذات النسبة الأقل انخفاضاً تعتبر أسهماً رابحة مقارنة بالأسهم ذات النسبة الأكبر انخفاضاً وذلك بمقارنة الأداء نسبياً.
* ويمكن ملاحظة أن كافة هذه الشركات هي أسهم مضاربة ارتفعت منذ بداية العام بنسب عالية دون وجود مبررات استثمارية لهذا الارتفاع ومعظم هذه الشركات إما تحقق خسائر أو أن أداءها المالي ضعيف مقارنة بسعرها السوقي.
أما الشركات العشر الأقل انخفاضاً والتي يمكن القول إنها أسهم رابحة (مجازياً أو نسبياً) فهي كما مبين في الجدول رقم(2):
* وبالنظر لهذه الأسهم يتضح أنها أسهم شركات في الغالب ذات مراكز مالية قوية (ما عدا بنك البلاد والذي لديه محفزات استثمارية مستقبلية) ولا يوجد أي شركة من هذه الشركات تعتبر من أسهم المضاربة التي كانت الأكثر خسارة خلال هذا التصحيح, وأن أسهم الشركات ذات المراكز المالية الجيدة هي الأقل خسارة أو يمكن أن نطلق عليها الأسهم الرابحة خلال هذا التصحيح. لذا يتضح لنا أن الاستثمار في أسهم الشركات ذات العوائد الجيدة هو أكثر أماناً من الاستثمار في أسهم المضاربة.
ارتفاع نسبة المخاطرة في الاستثمار في أسهم المضاربة مقارنة بالأسهم الاستثمارية:
* المضاربة في الأسهم:
تعتبر مدة الاحتفاظ بالأسهم من الفروق الأساسية بين أسهم المضاربة والأسهم الاستثمارية إذ إن الهدف من عملية المضاربة هو شراء سهم معين بهدف بيعه خلال مدة قصيرة (في اليوم ذاته أو خلال عدة أيام) لتحقيق ربح سريع، أي أن مدة الاحتفاظ أو التملك للسهم تعتبر قصيرة. وعادة يفتقر المضارب للمعلومات الاستثمارية الكافية عن الأسهم ويتبع طرق شبه عشوائية في قراراته الاستثمارية مع كثافة التداول. وتتسم العوائد المالية, بناء على المراكز المالية, لشركات المضاربة بالضعف إذ غالباً ما تحقق تلك الشركات خسائر متتالية أو أرباحاً ضعيفة مقارنة بأسعار أسهمها السوقية بالإضافة إلى ارتفاع معدل سعر السهم على العائد على السهم أو ما يُعرف بمكرر الربحية .PER
وقد برهن هذا الأسلوب في المضاربة فشله الذريع خصوصا في أوقات التصحيح في السوق. وقد تضرر الكثير من المضاربين خلال عمليات التصحيح التي حدثت في الماضي فيشتري المضارب مثلا سهم مضاربة لتحقيق ربح بنسبة 2% إلى 3% وتأتي عملية التصحيح فينخفض سعره بنسب فلكية يصل في بعض الأحيان إلى 70% من قيمته التي اشتراه بها مع عدم إمكانية بيعه فيصبح (متعلق) بالسهم لمدة من الزمن على أمل ارتفاعه من جديد. وبالنظر لأداء أسهم شركات المضاربة في السوق فإن هذه الأسهم تعتبر عالية المخاطر حيث إن التذبذب السعري لديها يكون كبيراً جداً والشائعات هي المحرك الرئيس لهذه الأسهم, ودائماً ما تكون أكثر الأسهم تضرراً في حالات التصحيح.
* الاستثمار في الأسهم
عادة ما تكون فترة الاحتفاظ بهذه الأسهم من قبل المستثمرين فترة طويلة مقارنة بأسهم المضاربة. إذ إن الهدف من عملية الاستثمار فيها هو تحقيق عوائد سنوية من خلال توزيع الأرباح بالإضافة للربح الرأسمالي من عملية زيادة قيمة السهم نتيجة لتطور أرباحه، وتمتاز الشركات الاستثمارية بوجود مصادر دخل جيدة من أنشطتها الرئيسة وكذلك انخفاض مكرر الربحية لها مقارنة بأسهم المضاربة، وبالنظر لأداء الأسهم الاستثمارية في السوق فإن هذه الأسهم تعتبر أقل مخاطر من أسهم المضاربة حيث إن التذبذب السعري لديها يكون أقل وتتأثر أسعارها عادة بأداء أعمال الشركة الحالي والمستقبلي, وعادة ما تكون أقل الأسهم تضرراً في حالات التصحيح.
الوعي الاستثماري هو الحل لتقليل المخاطر من الاستثمار في سوق الأسهم
من خلال سلسلة المحاضرات التثقيفية التي يقوم بها مركز بخيت للاستشارات المالية لعدد من المناطق المختلفة في المملكة، تبين أن شريحة كبيرة من المستثمرين تتخذ قراراتها الاستثمارية بناء على الإشاعات، ويلجأ هؤلاء المستثمرون لهذا الأسلوب لعدم وجود مستوى مرتفع من الوعي الاستثماري لديهم والذي يمكنهم من اتخاذ قراراتهم الاستثمارية باستقلالية تامة وبناء على أسس استثمارية صحيحة.
ولا يمكننا أن نلقي اللوم على صغار المستثمرين بسبب ضعف الوعي الاستثماري وذلك بسبب أن مفهوم الاستثمار في سوق الأسهم يعتبر جديداً على شريحة كبيرة من المستثمرين الحاليين حيث إن موجة الدخول في سوق الأسهم بدأت مع طرح شركة الاتصالات السعودية عام 2003م وبعدها توالت أعداد كبيرة من المستثمرين في الدخول للسوق. إن خبرة ثلاث سنوات لنسبة كبيرة من المساهمين تعتبر قليلة جدا مما يبرر ضعف الوعي الاستثماري.
وتوجد العديد من الأطراف التي لها علاقة مباشرة بالمستثمرين والتي لها دور تلعبه في مجال رفع الوعي الاستثماري. تشمل هذه الأطراف التالي:
البنوك التجارية: رغم أن البنوك هي أكثر الأطراف استفادة من طفرة سوق الأسهم السعودي, حيث تقدر الرسوم التي تقاضتها البنوك خلال عام 2005 ما يقارب 11 مليار ريال (وذلك بعد استبعاد العمولة الخاصة (بتداول) والتي تبلغ 10%) مع ملاحظة أن معظم البنوك تقدم خصماً للعمولة يصل إلى أكثر من 50% وبذلك تقدر صافي إيرادات البنوك 5.6 مليارات ريال بالإضافة للاستفادة من تقديم تمويل الأسهم, إلا أنها لم تقدم الجهد المطلوب لرفع الوعي الاستثماري لدى المجتمع وكان تركيزها على تطوير الأنظمة والخدمات وكيفية استقطاب العملاء وذلك يعود إلى احتكارها لهذه الخدمات بالإضافة إلى أن عملها في سوق الأسهم هو جزء من أنشطتها وليس النشاط الرئيس.
الجهات الإشرافية والتنظيمية: قبل تأسيس هيئة السوق المالية لم يكن هناك جهة مستقلة متخصصة لتنظيم سوق الأسهم وإنما كانت مهمات التنظيم والإشراف على السوق موزعة على عدة جهات (وزارة التجارة ومؤسسة النقد) و لم يكن لهما دور في رفع الوعي الاستثماري. وقد بدأت الهيئة مؤخرا بحملة إعلامية لرفع الوعي الاستثماري لدى عامة المجتمع والتي تعتبر خطوة هامة.
المراكز الاستشارية المتخصصة: لا يوجد سوى عدد قليل جدا من المراكز المتخصصة في سوق الأسهم السعودي رغم حجمه والحاجة الماسة لتقديم تقارير وتحليلات وبيانات عن السوق والشركات المدرجة فيه، وقد تخصصت بعض هذه المراكز في هذا المجال وساهمت بشكل إيجابي في رفع مستوى الوعي الاستثماري وإن كان جهدها محدوداً نظراً لمحدودية مواردها مقارنة بالبنوك والشركات الكبرى. الشركات الاستثمارية الجديدة: من أهم نتائج الترخيص لشركات استثمارية للعمل في السوق هو فتح مجال المنافسة في تقديم الخدمات الاستثمارية مما سينعكس بشكل ايجابي على رفع الوعي الاستثماري لدى المستثمرين عبر تقديم خدمات التحليل والبحوث الاستثمارية المعدومة حاليا لتواكب تطور السوق المالي السعودي، ومن المأمول أن تركز هذه الشركات على رفع الوعي الاستثماري لأن نتائجه الايجابية ستحصدها هذه الشركات والمجتمع ككل على المدى البعيد. ولكن هذه الشركات سوف تستغرق بعض الوقت قبل البدء الفعلي في أعمالها.
الهيئات الإعلامية الخاصة: ويقصد بها منتديات الانترنت ومجموعات التواصل عن طريق رسائل الجوال SMS بالإضافة لغرف البالتوك (غرف المحادثة الافتراضية)، وقد كنا نتوقع بأن تقوم هذه المنتديات بسد فجوة كبيرة في تثقيف المستثمر، إلا أنه و للأسف فقد كانت سيئات هذه المنتديات أكثر بكثير من حسناتها، وباتت تشكل خطراً على صحة المستثمرين المالية وسوق الأسهم السعودي وذلك في ظل انخفاض الوعي الاستثماري لدى عامة المستثمرين، وللأسف فقد أصبحت هذه الوسائل مرتعاً خصباً لبث وتناقل الشائعات التي تخدم في الغالب مصالح بعض المتلاعبين في أسهم المضاربة الذين يقومون بترويج الشائعات لتحقيق مكاسب كبيرة على حساب صغار المستثمرين.
لعل من أبرز سيئات هذه المنتديات هو عدم معرفة من يكتبون فيها وما هي المصالح الحقيقية خلف هذه الكتابات مع العلم بأن هناك بعض الكتاب يكتبون بأكثر من معرف بهدف إيجاد صورة لدى القارئ بأن هذا الرأي هو لأكثر من شخص، وبالتالي تصديقه كما يتم حذف المشاركات أو إلغاء معرفات من لا يتفق مع (توصيات) المشرف على المنتدى، ولا نستبعد أن تكون هناك أيادي سوداء خفية تهدف إلى التأثير السلبي على الاقتصاد السعودي من خلال خلق بلبلة في سوق الأسهم السعودي. فمن المستفيد من بث الشائعات والتهم والقذف بمؤسساتنا العامة والخاصة والقائمين عليها؟!
من الواضح أنه يقف خلف معظم هذه المنتديات أشخاص ذوو منافع خاصة بحيث يشكلون (لوبيات) للعمل لمصالح خاصة مشتركة، ويهدفون من وجود هذه المنتديات الترويج للأسهم التي يملكونها من أجل رفع قيمة محافظهم الخاصة. وللدلالة على ذلك فقد قامت هيئة السوق المالية بإصدار قرار يوم الثلاثاء 21 فبراير يقضي بإيقاف التعامل مع الحسابات الاستثمارية لأحد المتداولين الذي قام بالتلاعب بسعر سهم (بيشة الزراعية) وذلك من خلال ترويجه توصيات في منتديات الإنترنت بهدف التأثير على سعر السهم وقيامه بعمليات شراء وبيع تضليلية على السهم. من ذلك يتضح استغلال هذه الوسائل لتضليل عامة المستفيدين وتحقيق مطامع مباشرة لأنفسهم، فالعديد من المستثمرين يتعاملون في عدد من أسهم الشركات السعودية دون أن يكون لديهم أدنى فكرة عن نشاط الشركة وإنما ينساق خلف ما يروج له في هذه الوسائل، ولا شك أن في ذلك خطراً كبيراً على مدخرات هؤلاء المستثمرين. وهذه ليست بدعوة لإغلاق أو حجب وسائل الإعلام الخاص وإنما يجب أن يتم تنظيم ومراقبة عملها لتتوافق مع أنظمة سوق المال ووزارة الإعلام.
الهيئات الإعلامية العامة: والتي من ضمنها القنوات التلفزيونية الفضائية والصحف, وقد بدأت هذه الجهات الاهتمام في السوق السعودي بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وذلك بتغطيات يومية مفردة لما يحدث في سوق الأسهم. وقد كان لهذه الوسائل أثر إيجابي بوجه عام في رفع الوعي وتوصيل المعلومات في وقتها والتعليق على الأخبار واستضافة المحللين الماليين, إلا أن لبعض هذه الوسائل أثراً سلبياً وذلك بأن أصبحت في بعض الأحيان وسيلة لتمرير الشائعات وتقديم تحليلات تنقصها الحرفية والحيادية وذلك يعود إلى ضعف بعض معدي ومقدمي البرامج و عدم حيادية وقلة الخبرة لبعض (المحللين) الذين يتم استضافتهم على شاشات القنوات الفضائية وبعض منهم يكتب مقالات صحفية باستخدام أسماء مستعارة وبدون التصريح بأسمائهم. ومن أكبر الجوانب السلبية في ما يسمى (المحللين الماليين) الذين يعلقون على أداء وحركة السوق هو عدم وجود جهة رسمية تنظم هذا التخصص بالإضافة إلى عدم وجود مرجعية لكثير من هؤلاء (المحللين) أي أنهم لا ينتمون لجهات تقوم بمحاسبتهم عما يقومون به من تحليلات أو أن الجهات التابعين لها لا تقوم بالمراقبة عليهم. وأخيراً فإن الوعي الاستثماري يحتاج لكثير من الوقت والجهد من كافة الأطراف للرقي به والذي سيعود أثره على الاقتصاد والمجتمع بأكمله وهو هدف يجب أن نصل له مما له من أثر إيجابي على المدى البعيد بحيث يتحول المجتمع السعودي إلى الادخار الاستثماري، فهل تقوم جميع الأطراف بتأدية واجبها تجاه مجتمعنا الاستثماري لتلافي الوقوع في الأزمات مرة أخرى؟
|