Saturday 15th April,200612252العددالسبت 17 ,ربيع الاول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"الرأي"

الاقتصاد وأثره في الأفراد والأمم والشعوب الاقتصاد وأثره في الأفراد والأمم والشعوب
الدكتور عبدالله بن سعد الرويشد

من الفضائل المتعلقة بالمال بعد كسبه من طرقه المشروعة السليمة أن يكون الإنسان معتدلا في الإنفاق، لا يقتر على نفسه وذويه، ولا يسرف فيما لا خير فيه، ففي الإسراف الفقر والذل، وفي التقتير الحسرة واللوم، بل يستبقي بعض ما يكسبه، ويدخره لوقت الحاجة، ليكون بمأمن من عوادي الزمان، وطوارئ الحدثان، وليسهل عليه إدراك الكثير من مطالب الحياة، والاشتراك في الأعمال النافعة كلما دعت إليها الداعية، فيعيش عزيز النفس، جليل الأثر، حميد السيرة موفور الكرامة، وفي الناس من يجمع الدرهم إلى الدرهم، ويحرص عليه حرصه على حياته، ويرى هذا غاية سعادته فيقصر همه عليه، ويقصر في حق نفسه وأهله وذوي الحقوق عليه، فيبسطون إليه أيديهم وألسنتهم بالسوء، ويعيش في الدنيا عيش الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء، وهو من خوف الذل في ذل، ومن خوف الفقر في فقر، وهذا هو الشح الممقوت، والبخل المذموم.
وقد يغلب حب الظهور على الإنسان فيغير حاله، ويتكلف من النفقات ما ليس في طاقته، ويبتغي الشهرة الزائفة، ويحاكي الأغنياء المترفين في أساليب معيشتهم فيسرف ويبدد الأموال باليمين والشمال، ويستدرجه هذا إلى الدين، وحسبه منه أنه هم بالليل وذل بالنهار، فتسوء حالته، وتفنى ثروته، ويصبح فقيرا معدما، ولما كان الاقتصاد من أهم أسباب السعادة أمر الله به ونهى عن الإسراف والتقتير بقوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا}.
وقوله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}.
ومدح المعتدلين في الإنفاق بقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}.
ومن أهم مزايا الاقتصاد أنه طريق الغنى يجعل الإنسان قادرا على إسعاد نفسه والقيام بمطالب الحياة وتربية أولاده، وصلة رحمه، ونفع أمته، والقيام بما عليه لنفسه ودينه ووطنه، ويحفظ النفس من الدين وذله، وما قد يجر من المماطلة والكذب والنفاق، ويصون الإنسان من المعاملات التي تضر بماله ودينه، كالربا والشراء نسيئة، وكل ما فيه غبن له، وضياع مالهن وبالاقتصاد يستطيع الإنسان أن ينتفع بالمال المدخر عند حلول النكبات، ونزول الكوارث، ولا يتطلع إلى ما في يد غيره، فالمعتدلون في الإنفاق المدخرون بعض ما يكسبون من المال هم الذين يخدمون أممهم الخدمة الصادقة، وعلى كواهلهم ترقى وبحزمهم تزول آلام الإنسانية ويرفه العيش، أما الذين لا يدخرون فهم متلفون مضيعون، لا يلبثون غير قليل حتى تغلبهم الفاقة على أمرهم فتهون حالهم، وتسوء عاقبتهم، وكثير من المسرفين الذين تجرعوا كأس الذل لإعسارهم لو بحثت عن حالهم لوجدت أنهم كانوا ينفقون عن سعة، ولا يدخرون شيئا مما يكسبون، فحلت بهم نازلة من نوازل الدهر ضاقوا بها ذرعا، وخارت لها قواهم وضعفت بها عزائمهم، ووجدوا ألا مفر من الفاقة إلا بالهم، فأهلكوا أنفسهم وكانوا في الدنيا والآخرة من الخاسرين، فالاعتدال في الإنفاق وادخار ما فضل عن الحاجة من الخلال الحميدة التي تسعد الفرد ومجتمعه، وترضي الله ورسوله، ولذا قال- صلى الله عليه وسلم-: (الاقتصاد نصف المعيشة). وقال أيضا: (من اقتصد أغناه الله، ومن بذر أفقره الله). وإذا نظرت إلى الأعمال العظيمة التي قامت عليها المدنية، وارتقت بها الأمم في مدارج الحضارة من إنشاء الشركات الوطنية والمؤسسات الاقتصادية وجدت ذلك كله أثرا من آثار الاقتصاد والاعتدال في الإنفاق وثمرة من ثمرات الادخار، فيجب على كل إنسان عاقل أن يتقن عمله لتزيد موارد رزقه، وألا يشتري إلا ما هو في حاجة إليه فحسب، لا كل شيء تشتهيه نفسه، فإن شهوات النفس ورغائبها لا تقف عند حد، وأن يبتعد عن مواضع اللهو ومواطن الإسراف، فإنها مضيعة للمال مذهبة للشرف، وأخصها الميسر، وشرب الخمر، وتعاطي المخدرات المهلكات، وأن يجتنب حب الظهور، فإنه يقصم الظهور، وأن يحصر دخله وما يصرفه، ويدون هذا في دفتر يكون مرجعا له وقت الحاجة، وإذا قصر الدخل عن مصاريفه لسبب طارئ وجب عليه أن يغير نظام معيشته، وليس في هذا عيب عليه ولا غضاضة، ولكن العيب كله أن يمد يده إلى غيره مستدينا.
وكثير من الناس يغفلون وسائل الاقتصاد، ويخطئون طريق الصواب، فيتوسعون في النفقة، ويسلكون سبيل البذخ والإسراف، حتى إذا مرت الأيام وجدوا ثروتهم أثرا بعد عين، وبيوتهم خاوية خالية ليس فيها ما يسد خلله أو يقضي حاجته المالية، فيقعون في ذل الدين، وحبائل المرابين القساة، وتدركهم الحيرة، وتغلب عليهم الشقوة، وذلك هو الخسران المبين، ولو أنهم اقتصدوا لعاشوا عيشة طيبة. ومن اشترى ما لا يحتاج إليه باع ما يحتاج إليه.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved