حديثي هنا ليس عن الإعلام الرسمي، أو الصحافة الأهلية التي تصدر من الوطن، بل عن الإعلام السعودي المهاجر، فهو وإن كان بعيداً عنا إلا أنه محسوب علينا، وننتظر منه دوراً أكبر مما يؤديه الآن. ولئن كانت المتغيرات الماضية أجبرته على البث أو الصدور خارج الوطن، فإن معطيات الظروف الراهنة تمثل حافزاً وباعثاً لعودته من المهجر.
نقول ذلك، ومثله معه، لسببين هامين:
1- إن الإعلام اليوم أصبح قوة ضاربة، وعاملاً مؤثراً في صياغة الرؤى والتصورات عن المجتمعات، والدولة القوية هي التي تملك إعلاماً مؤثراً يعكس سياستها وثقافتها ويعبر عن الحراك المجتمعي فيها، بكل مقاييسه ومستوياته. بل ان الدول الصغيرة كبرت بإعلامها، أو بالإعلام المنطلق من أراضيها، وهي - بالمعيار الجغرافي - أصغر من الرياض العاصمة!!
2- إن السعودية دولة فاعلة ومؤثرة على كل المستويات. فهي الورقة الرابحة في المعادلة الاقتصادية، وهي قطب الرحى في التوازن السياسي في المنطقة، وهي مرجع العرب في قضاياهم الكبرى، وهي - قبل ذلك وبعده - أرض الحرمين، وحامية مقدسات المسلمين.
ودولة بهذا الحجم تحتاج إلى إعلام يرقى الى مكانتها، ويساير إنجازاتها.
والناظر إلى الإعلام العربي اليوم يجد أن أكبر مؤسساته وأكثرها تأثيراً هي المموّلة من مستثمرين سعوديين، وجمهور وسائلها أكثرهم من السعوديين، والمعلنون رجال أعمال وشركات ومؤسسات سعودية، وقد آن الأوان لأن تعود هذه القدرات الإعلامية الى الوطن، وتنطلق من مصادر هويتها وتمويلها، وتنطق بمنجزات أرضها، ويجني السعوديون ثمار غراسهم، ويسعدون بأن تكون مرآة صادقة لثقافة مجتمعهم، ورؤية وطنهم، وأن تُعبِّر عن الإيقاعات المتسارعة للحركة الإصلاحية في بلادهم.
إن هذه المؤسسات الإعلامية والكوادر الوطنية العاملة فيها مثل العقول المهاجرة التي وظفتها مجتمعات أخرى لما هو مفيد لها.
وقد حان الوقت لعودة هذه العقول إلى موطنها والمشاركة في مسارات التنمية التي يشهدها مجتمعها.
إن من حق الوطن ان تكون هذه المؤسسات الإعلامية جسراً يربطه بغيره، وأن يجد فيها الآخر مرآة حقيقية لهوية القائمين عليها، وما كان سائغاً في الماضي ليس مقبولاً اليوم، فالعالم اليوم يُسيِّره الإعلام، فكيف إذا كانت الإنجازات كبيرة بحجم الوطن ومكانته في قلوب العرب والمسلمين؟
كلنا أمل في أن تُيسَّر المعوقات لعودة الإعلام المهاجر، كما نتمنى أن يعود هذا الإعلام معبِّراً عن منهج الوطن وثقافته في عصر التدافع الإعلامي.
* أستاذ الإعلام السياسي المشارك بجامعة الإمام - الرياض |