يلاحظ تحسنُّ كَمِّي يُذْكر في برامج الرائي (التلفاز) والإذاعة السعوديين، تبدّى بوضوح في كثرة أنواعها وأسمائها، والوجوه والأصوات الشابّة الجديدة التي تقدِّمها، وهو حِراك إعلامي يُحْسَبُ لصالح قادة العمل الإعلامي في وزارة الثقافة والإعلام، والرائين والإذاعة، أمْلَتْه عليهم حقيقةَ أنّ وسائل الإعلام أضحت الآن، الناقِلَ الطبيعي لحركة المجتمع، والمُفَسِّر لتاريخه ماضياً وحاضراً بمفاهيم ومعاني واقعيّة، والمُعبِّر عن همومه ومعاناته.
ولكن ماذا عن الإعداد والتقديم؟ يكاد الإعداد ,التقديم المهنييْن في معظم برامج الرائي السعودي مفقودان إنْ لم يكن كذلك، ويكاد التحضير معدوماً إن لم يكن كذلك. والحق يُقَال: إن هذا الانعدام ليس وليد اليوم، بل هو انعدام تراكمي، كان يمكن التنبؤ به بطريقة تحليلية علمية إعلامية جادّة ومُعَمّقَة، تضع في حُسبانها المنافسة الحادة في سوق إعلامي شديد التعقيد، وانتشار البراعة التقنية الفائقة، وتوقعات تدخُّل وسائل الإعلام السعودية، في حياة الناس بطريقة أعمق.
(قناة الإخبارية) - مثلا - ليس لها من اسمها نصيب، فهي مولود مُشَوَّهٌ، مضى في تشوُّهه دون انْ يجد طبيباً - على شاكلة طبيب الملفوف الذي قدّمَتْه الإخبارية ويعالج 300 مريضا - يعالج النُّدوب في وجهها، ويجعل مضمونها مطابقاً لاسمها، فبرامجها لاتعدو أن تكون برامج عامة، أكثر منها برامج إخبارية، فما وراء الخبر غائبٌ، والتحليل الإخباري غائبٌ، وشرحُ الخبر وتفسيره غائبان، وجُلُّ مذيعيها ومذيعاتها لم يُعَدُّوا - مع الأسف - إعداداً سليماً من حيثُ: الإلمام بقواعد وعلوم الإلقاء، والأداء السليم، ومخارج الحروف الواضحة، وإتقان المهارات التلفازية المطلوبة، ولُغة الضاد مُهْمَلَة، والتحريف في نُطْق الحروف (الذّال يُنْطلق زاياً والثاء يُنْطق سِيناً) وأسماء الاعلام، والاماكن، والقرى، والأودية، والقبائل، نطقها يتمُّ عن جهل فاضح، فضلا عن أن معظم مقدِّمي ومقدِّمات البرامج الحوارية، يتحدثون أضعاف ما يتحدّث به الضيف، ويُكثرُون من مقاطعته بطريقة تخلو من آداب الحوار، ولا يجيدون فن الإصغاء، ومعظم قراء نشرات الأخبار، ومَنْ يديرون دَفّة البرامج الحوارية، لا تتوافر فيهم معظم المقومات العلمية، أما متابعة أخطائهم وأخطائهن فالاستنتاج أنها مُلْقاة في (سَلّة المهملات) وإلا لما اتسعت دائرة الأخطاء حتى أصبح الجمهور جائعاً إلى الحوار الهادف، لا يَجْدُ مَنْ يَخْبزُ له رغيفه منه باتقان، فيُضْطر لتناول (خُبْزٍ بائت) اشتراه من بائع على مفترق طريق فرعي.
لقد سَمعْتُ أنه جيء يالشيخ الحجيلان (أول وزير إعلام سعودي ومَنْ عاصر البدايات المُقَننة للإعلام السعودي، وواضعَ أسسه، والدبلوماسي الذائع الصيت) وقد طَلَب منه برنامج (بِرَسْم الصِّحافة) - وهو بالمناسبة فكرته ممتازة لو وَجَدت مَنْ يعتني بها - التعليق على زيارة الرئيس الفرنسي (جاك شيراك) للمملكة، فإذا به يُسْأل بعد ذلك عمّا إذا كان أحدّ المساهمين في سوق الأسهم!! ويتحوّل موضوع الحلقة للأسهم ما لها وما عليها، وجيء بي لأتحدث في البرنامج نفسه، عن جائزة الملك فيصل العالمية، وأمضيْتُ جزءاً من وقتي في التحضير والإعداد، والتجهيز، وأجريْتُ اتصالا مع مؤسسة الملك فيصل لتزويدي بأحدث المعلومات عن الجائزة، وحَمَلْتُ بين يديُّ مِلَفاً أزعم أنه يجيب على كل التساؤلات، فإذا بي أُسَاقُ - دون أنْ أعلمَ مُسْبقاً - إلى الحديث عن (غَرق العَبَارة البحرينية وتوابعه)!! ولو لم أكنْ على الهواء لانسحبتُ فوراً تقديراً للمشاهِد، واحتراماً لقدْراتي، ولكني لم أشأ أنْ أحرج التلفزيون ونفْسي فبلغْتُ السِّكِّين بدمِها.
البرامج الحِواريّة في الرائي والإذاعة - وبخاصة المبثوثة على الهواء - تتطلب مذيعين ومذيعات على قدْرٍ عال من الكفاءة، يدخلون من الأبواب المُشْرَعَة لا من النوافذ المُغْلَقَة، فيعجزون عن فتحها لجهلهم بوضع المفتاح في الثُّقْب، ويصعدون السُّلّم درجَة درجة، ولا يهرولون حتى لا تتقطع أنفاسهم، ويمضون سنوات وسنوات بين أروقة الرائين وهم يقدِّمون مختلف أنواع البرامج التلفازية، بدءاً بالبرامج البسيطة وانتهاء بالبرامج المُعَقّدة، حتى ينتهي بهم المطاف إلى: قراءة نشرات الأخبار، وتقديم البرامج الحوارية، وليس كل مذيع أمضى بضعة أسابيع تدريباً نظرياً فحسب، دون التعمق في أصول وقواعد وحِرفية البرامج الحوارية، مُهَيأ لتقديم هذا النمط من البرامج، اليت تحتاج من القائمين على أمر (الإخبارية) إلى صياغة قواعد علمية مُحْكة للنقاش، والتّحاوُر، والالتزام بها، وعدم الخروج عليها، والتخلي عن عنصر الإكراه على موضوعات لم يتم التحضير لها من المستضافين، والبُعْد عن الارتجال، والتمسك بحُسْن التخطيط والتنفيذ والمتابعة، والأخذ بمبدأ المساءلة والمحاسبة، في حالة الأخطاء العَمْد، فَمَنْ كان مؤهلا لتقديم البرامج الحوارية لا بُدَّ أنْ يُدعَم، وغير المؤهل يمكن إعادة تأهيله، وإنْ لم يكن على استعداد للتأهيل فَلْيُيْعَد، ومن ثم تَجْرِي عملية فرْز تغتبط بمولد الموهوبين المبدعين من مقدِّمي البرامج الحوارية، وتنأى عن الاختبارات الشخصية إنْ وُجِدَتْ، لتحل محلها: الكفاءة، والخبرة، والمهارة،والمساواة في إتاحة الفرص للإذاعيين والإذاعيات القادرين والقادرات.
من الأقوال المأثورة: (خير الأصحاب مَنْ يدلَّك على الخير) وأسألُ الله أنْ أكون واحدا منهم، وأتوقّع أنْ لا ينبري أحدٌ لا تهامي (بأنني مِن أولئك الذين لا يُعْجِبُهم نجاح العناصر الوطنية في المجال الإعلامي) كما قال الدكتور محمد عبدالله الخازم (صحيفة الرياض، ع13807، 15-3-1427هـ، ص18) وليناقِشْ ما كَتْبتُ، ويطبِّقُه على الواقع بموضوعيّة ودون انفعال، مع اعتزازي بعناصر إذاعية سعودية كفؤة (ذكوراً وإناثا) مُشرِّفَة للوطن وللإعلام السعودي.
|