قرأت بالصفحة الأخيرة من جريدة الجزيرة بالعدد 12246 يوم الأحد 11 ربيع الأول 1427هـ تفاعل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود أمير منطقة الرياض في بادرة غير مستغربة مع طرح الجزيرة يوم الأحد 4-3-1427هـ حول مسمى الخرج بقلم حمود بن متعب العفيصان، حيث أشار سموه الكريم إلى أن بعض الناس يسمي السيح الخرج بينما الخرج يشمل المنطقة وأضاف أن الخرج مأخوذ من الخراج لأنها كانت المورد الرئيسي لقمح الحجاز آنذاك واستشهد - حفظه الله - بقصة الصحابي الجليل ثمامة بن أثَّال زعيم بني ضيفة الذي قطع الخراج عن قريش بمكة المكرمة حتى أذن النبي صلى الله عليه وسلم برفع الحصار وهذا التفاعل من الحاكم الإداري الأول له وقعه وأبعاده لدى أهل الخرج خاصة المهتمين بتاريخ المنطقة. وليس التفاعل الأول أو الأخير بل سبق لسموه الكريم في أكثر من مناسبة.
وهذا دليل على ما يحظى به تاريخ الخرج بالذات من حضور لدى سموه الكريم. وأورد هنا للتذكير ما سبق أن نشر في هذه الجريدة بالعدد 5314 وتاريخ 19-8- 1407هـ (أي قبل عشرين سنة) أثناء زيارته للخرج - حفظه الله - وبمناسبة افتتاح مستشفى الملك خالد بحي الخالدية بالسيح، حيث ارتجل كلمة لا تزال أصداها لدى أهل الخرج تؤكد (أنّ الخرج يطلق على المنطقة وأنّ السيح مدينة). وهذا نص كلمة سموه الكريم: (الخرج منطقة قديمة قدم التاريخ، وكان لها دورها الكبير المعروف في مختلف مراحل التاريخ عند من يهتم بقراءة التاريخ وهي منطقة نموذجية بزراعتها وصناعتها وكان لرجالها دور كبير منذ قيام الدولة السعودية وإلى يومنا هذا. كما أن لأبنائها مجهوداً كبيراً وعظيماً لا ينسى، ولذلك فإن حقها كبير والواجب تجاهها أكبر، وإنني كمسوؤل عن هذه المنطقة أجد أنه واجب عليَّ أن نعمل ما نستطيع لخدمتها والسعي في تطورها والتعاون مع أبنائها في سبيل نهضتها والخرج ليست مدينة واحدة، لذا يجب أن نُفرق: (بين الخرج المنطقة والسيح المدينة) التي أنشئت بمبادرة من جلالة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - وهي ليست مدينة واحدة بل مكونة من عدة مدن قديمة ولها تاريخها، ولذلك يجب العناية بها جميعاً فهذه المنطقة غنية بإيمانها بالله ثم برجالها البررة الذي يعرف موقفهم كل متتبع للتاريخ، خاصة تاريخ الدولة السعودية منذ نشأتها حتى الآن، وهناك من أبناء الخرج من قاد الجيوش وفتح الأقطار، وهم جنود بواسل، وإنني بشكل خاص أشعر بتعاطف كبير مع منطقة الخرج بصفة عامة لأنها من المناطق التي قضيت فيها طفولتي، حيث كنت مع الوالد فيها عندما كنا أطفالاً صغاراً نستنشق الهواء ونشاهد الحدائق الموجودة بها. وفي الختام أتمنى كل الخير والتقدم والرخاء لمنطقة الخرج وسكانها).
هكذا تحدث الأمير سلمان بكلام واضح وراسخ فهو الحاكم الإداري الأول في المنطقة العارف لتاريخها وحاضرها. بل أدرك - حفظه الله - إبان عهد الطفولة أن الخرج اسم عام وشامل لعدد من المدن والقرى والهجر وأن مدينة السيح مدينة حديثة أنشئت بمبادرة من المؤسس الملك عبدالعزيز - رحمه الله - عام 1357هـ ويؤكد ذلك أنَّ المتتبع لكتب التاريخ يقرأ أنَّ أي إطلاق للخرج كان يعني به (الدلم) عندما كانت الدلم العاصمة التاريخية بعكس الوقت الحاضر أنَّ إطلاق الخرج يقصد به (السيح) وهذا ما أراد سموه إيضاحه وتبصير الناس به وخاصة المهتمين بالتاريخ بأن إطلاق الخرج يجب أن يكون للعموم وليس الخصوص لمدينة بذاتها.
وإنني من هذا المنبر أتوجه لسموه الكريم بالتوجيه إلى إصدار أمره الكريم أن يعيد للأذهان مسمى مدينة السيح وتستبدل بموجبه كافة المسميات لتبقى السيح العاصمة لمحافظة الخرج أسوةً ببريدة عاصمة القصيم، وأن تصبح الإدارات العامة تحمل مسمى الخرج وفروعها ومكاتبها تحمل مسمى السيح. هذا التوجيه يحفظ لدى الجيل الحاضر والقادم التفريق بين الخرج والسيح. وكي لا نقع في خطأ تاريخي تفقد بموجبه الكثير من الحقائق. فالخرج يضم عدداً كبيراً من المدن نذكر منها: الدلم، الهياثم، نعجان، اليمامة، السلمية، الضبيعة، الحزم، البدع، الرفايع، الرفيعة، العين، ماوان، خفس دغره، وغيرها من البلدان القديمة إضافة إلى الحديث الذي ظهر بعد التطور والنهضة التي شهدتها الخرج كسائر مدن بلادنا الغالية كالسيح وغيرها.
وأختتم مقالي حول مسمى (الخرج) بفتح أوله، وتسكين ثانيه، وآخره جيم. وتعني أنَّها تُخرِّج المياه والخيرات. والخرج خلاف الدخل، وهو لغة الخراج ومنه (اجعل لنا خرجاً) وهي مأخوذة من الخراج حيث كانت تمد خراجها إلى مكة المكرمة والمدينة وما جاورهما (الحجاز) وذلك في عصر الجاهلية وبدء الاسلام عندما كانت تحت زعامة الدولة الحنفية وكان مركزها اليمامة ذلك الوقت. ولم تعرف بهذا الاسم إلاّ من ذلك الزمن حيث أطلق عليها هذا المسمى (الخرج) وكانت تسمى قبل ذلك (جو) وقاعدتها (الخضرمة).
وعندما كانت سكناً لقبيلة جديس شملها مسمى اليمامة نسبة إلى اليمامة بنت سهم بن طسم حيث كانت قبيلتها طسم تسكن العارض (وادي حنيفة) وهي متزوجة من جديس. وحدودها: غرباً هضة عليَّة الممتدة من الشمال إلى الجنوب والمعتبرة جزءاً من جبل اليمامة أشهر جبال الجزيرة العربية بعد سلسلة جبال السروات وأطولها امتداداً. ومن الشرق: صحراء البياض الواسعة وحرض الممتد في رمال الدهناء. ويحدها جنوباً: سلسلة جبال شعارى والنعلة المحاذية لوادي السوط والعقيمي. ويحدها شمالاً: جبل الجيل وجبال المغرة التي تشرف على السهباء والبجادية ونساح. وعاصمتها الآن مدينة السيح بها مقر المحافظة وكافة الدوائر الحكومية والمصالح المختلفة. وبرزت أهميتها بوجود المدينة الصناعية العسكرية والقاعدة العسكرية مما رغب النزوح إليها للعمل في هذين القطاعين وتقع السيح شرق الخرج وتبعد عن الرياض قرابة 80 كم، وقد نمت نمواً متواصلاً ومنتظماً بدءاً من أول مخطط سكني عام 1393هـ وتعتبر السيح حديثة النشأة إذا ما قورنت ببقية بلدان الخرج. ولعل توجيهات الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بإنشاء المشروع الزراعي بها ساهم في خروج نواة المدينة التي أطلق عليها مسمى السيح: دلالة على سيحان المياه من العيون باتجاه الشمال الشرقي إلى أن يصب في السهباء وعندما أراد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - فتح الدلم (عاصمة الخرج في ذلك الوقت) مرَّ على هذا المكان عند عودته إلى الرياض مروراً بالسليمة فأُعجب بها فجعلها فيما بعد منتجعاً له في موسم الربيع حيث أنشأ بها قصر (القرين) ومن بعده الملك سعود - رحمهما الله - قصر (مشرف).
والحديث في هذا يطول، مذكراً ما نُشر بجريدة الجزيرة في شهر جمادى الأولى 1409ه في زاوية أطراف الحديث ما نصه (فحينما دخلت المدينة عانقتني تلك النخيل الباسقة يمنةً ويسرةً وكأنها هي بطولها الفارع ترد التحية على كل قادم (تلك المدينة الجميلة الخضراء.. ومما زاد إعجابي تناسق النخيل في صف واحد لتعطي من خلال ذلك إشادة لمن اهتم بها). واستطرد قائلاً: (ولا أنسى تلك الشامة على وجه العروس المتمثلة في برج المياه وشكله الجمالي الرائع بروعة المعمار وارتفاعه الشاهق حتى صار يطل على الجميع بكل بهاء وكبرياء)، منهياً حديثي بالتنويه على مكرمة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز آل سعود محافظاً للخرج وهذا دليل على حرصه واهتمامه وعنايته الخاصة بهذا الجزء الغالي من منطقة الرياض.
حمد بن عبدالله بن خنين الدلم |