لك الحمد... والأحلام ضاحكة الثغر
لك الحمد... والأيام دامية الظفرِ
لك الحمد... والأفراح ترقص في دمي
لك الحمد... والأتراح تعصف في صدري
لك الحمد... لا أوفيك حمداً.. وإن طغى
زماني... وإن لجت لياليه في الغدر
لك الحمد... والأحباب في كل سامرٍ
لك الحمد... والأحباب في وحشة القبر
* هكذا هو المؤمن، حامداً في السراء، شاكراً في الضراء، محتسباً في البلوى. كلنا يعلم (يا غازي) أنك يتيمٌ حقاً إذا جردنا اليتم من معناه التقليدي المألوف لدى الناس، وغريبٌ حقاً إذا تجاوزنا بالغربة مفهوم المكان.
* عزاؤك أنك لست اليتيم الوحيد في هذا المجتمع، ولست الأوحد في عالم المغتربين، والمكفوف في عالم المبصرين؟! ولله در القائل:
وغربة الفكر في دارٍ تمجدها
أقسى على الحر من فقدان ناظره
* مهما حاولنا، فلن نستطيع (يا غازي) حصر الفئات المغتربة، في فكرها، وروحها، وقلبها، طالما افتقدت (دار الأيتام) التي تحتضنهم، و(دائرة المغتربين) التي ترعى همومهم. من الممكن (يا غازي) أن يكون هذا مشروعنا القادم في ظل مسيرة الإصلاح الذي نهضت بها هذه البلاد، على يد قائد المسيرة، ولن نستغرب إذا كنتَ (يا غازي) أول نزلاء هذه الدور والدوائر، ولن نستغرب إذا تسلّمت زمام الريادة الفكرية فيها، وإخوانك - وإن ترحلوا من باب المجاز لديك - ستبقى بذورهم، والزمن كفيلٌ بالاستنبات، وإن عجفت بعض سنواته:
ترحّل إخواني... فأصبحتُ بعدهم
غريباً يتيم الروح والقلب والفكرِ
* هناك من الناس - وما أكثرهم - من لا يستطيعون (يا غازي)، إعلان غربتهم، أو إظهار إمارات يتمهم، وإن حاولوا. ولا نتصور بأيّ حالٍ من الأحوال أن الكفاف أو التعفّف حاديهم، بل الانهزام الفكري - وما أقساه - حين يستولي على البشر يصنع بهم أكثر من ذلك.
* قليلٌ من الناس (يا غازي) يستطيعون مقاومة الوصاية التي تضربها بعض الفئات المتنفذة في بعض المجتمعات، وللتحرّر من الأرباق ضريبته، لكن الأيام كفيلة بكشف الرغوة من الصريح.
* الإنسان الأبي، والمفكر ذو النظرة الثاقبة الذي ينشد الإصلاح لأمته، ولمجتمعه، ولوطنه، يلتمس للجاهل العذر لجهله، وللعالم العذر لاجتهاده، وماعدا ذلك من الناس فجديرٌ بنا الإعراض عنهم وتجاهلهم، طالما اتخذوا من الجحور والكهوف ملاذاً، وابتعدوا عن ساحات الشرف، وميدان النضال، فهم على حد قولك:
يهددني دجالهم من جحوره
ولم يدر أن الفأر يزأر كالفأر
جبانٌ يحضّ الغافلين على الردى
ويجري إلى أقصى الكهوف من الذعر
يعادون رب العالمين بفعلهم
وأقوالهم ترمي المصلين بالكفر
* المشكلة الكبرى أن البعض ألف مثل هذه الأوكار والجحور، لممارسة صنوف المكر والخديعة والوقيعة، وما لجرح الميت إيلام، ولن يجدي معهم أساليب التقويم، فهم ظلاميون، وتحيط بهم الغشاوة، لكن لنكن على ثقة أن الأحرار هم السواد الأعظم، وهؤلاء هم أبناؤنا وإخواننا، وبالتأكيد سيؤبون إلى رشدهم، ويرجعون عن غيّهم، وإن تمادوا، فارفق بهم وبنفسك، ولتكن الحال معهم كما قال الشاعر:
وما قتلَ الأحرار كالعفو عنهمُ
ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا
* المعرفة بالأيام، والتمرس في طبائع الناس، تديلُ أحياناً عن الفرد بعض الهموم التي تنتابه منهم، وإن كانت سهامها حادة، فالنفوس الكبار تبقى صامدة، ولا أقول صامتة.
* صحيح أن قصيدة (حديقة الغروب) أبانت عندي شيئاً من اليأس والتشاؤم الذي بدأ يلتف على صاحبه، هكذا يبدو لي أو هكذا أتصور، ولو أن صاحبها غاص في أغوار المعجبين به في هذا المجتمع، لوجد فئات كثيرة ترى في فكره ورؤاه سبل النجاح، وطرق الفلاح، لكن هذه الفئات للأسف مقبورة الأنفاس في أجسادٍ حيّة، لأنها لا تمتلك مقومات البقاء أمام عقارب الثرى.
(قوارس الزمن)