تحقيق :
محمد بن إبراهيم السبر(*)
لِيزداد عجبك ويطول ذهولك، ولِتحس بحجم المشكلة، ما عليك إلا أن تستقل سيارتك في منتصف الليل وتطوف في بعض شوارعنا لترى مستوى ظاهرة السهر، وما أحدثته من ضياع، وما ظفرت به من إفساد لفلذات أكبادنا، وشباب أمتنا وعتاد بلادنا بعد الله تعالى.. إن ظاهرة السهر لدى الشباب لهي مشكلة جديرة بالنظر إليها بأهمية تناسب نتائجها.
وإن المتأمل في صفوف الشباب اليوم ليطول به المقام تعجباً من حالهم وأسىً لأوضاعهم وما صار إليه مستوى تفكيرهم واهتماماتهم، فقد أصبح الجزء الأكبر منهم لا ينام الليل ناهيك عما يمارسه من معاصٍ يحارب الله فيها، وإذا انبلج الصبح عادوا عودة لا تعرف للصلاة طريقاً ولا للعبادة درباً إلا من رحم ربي.
ولخطورة هذا الوضع اتجهنا إلى عدد من أهل الفضيلة والسعادة، فكان هذا التحقيق..
السهر واقع وأسباب
من خلال جولة استطلاعية على ثلة من الشباب ولمعرفة أسباب السهر من خلال الواقع والمعايشة يقول محمد العامري الطالب بمعهد القرآن الكريم: من الأمور المسببة للسهر كما نراه من الشباب حولنا (النوم في النهار بكثرة وبخاصة النوم عصراً وفهم القيلولة فهم خاطئ، الانشغال بما لا يفيد بعد صلاة العشاء خصوصاً على الأجهزة الإلكترونية والتسوق، شرب المنبهات بعد صلاة العشاء، عدم تحديد جدول نوم دائم، الفوضوية وعدم الشعور بقيمة الوقت. ويضيف أحمد جابر الشهري بكالوريوس هندسة: لهذه الأسباب جوانب أخرى تمثلت في (وجود الملهيات كالاستراحات والبلوتوث ولعب البلاي ستيشن)، كثرة الولائم ومناسبات الزواج، الفراغ وعدم الانشغال بعمل ما، عدم الاهتمام بصلاة الفجر.
وأما الأستاذ هاني عبدالرحمن عبدالرزاق المدرس بمدرسة الملك فيصل الابتدائية والأخ أحمد يحيى الزهراني من مرور الرياض فيضيفان على هذه الأسباب ضعف الوازع الديني لدى بعض الشباب ما يسوغ الاستهتار بالوقت، ورفقة السوء، وعدم جدولة الوقت، والنوم في النهار، وعدم مراقبة الأهل.ويقول الطالب بالصف الأول بمتوسطة سعيد بن المسيب موسى شبير من الأسباب كذلك مشاهدة التلفاز والمباريات وانتظار الأفلام المتأخرة. ويختم زميله في ذات الصف صالح المالكي بأسباب أخرى تشمل التواعد بين الأصدقاء على السهر لمشاهدة ما حرم الله.
على ماذا يسهرون؟!!
ما إن يذكر السهر إلا ويذكر الشباب وبالأخص في أيام الإجازة، فعلى ماذا يسهر الشباب؟ عن هذا السؤال أجابنا الشيخ خالد بن علي الحيان عضو الدعوة في الشؤون الدينية للقوات البحرية بقوله: الشباب مع السهر يختلفون ويتفاوتون سواء كانوا جماعة أو أفراداً، ويعظم الأمر ويشتد إن كان سهرهم مشتملاً على أمور منها:
1- محرمات ومنكرات كالغناء ومشاهدة القنوات الفضائية ولعب الورق ونحوها من المنكرات التي تغضب الله جل وعلا.
2- ترك الصلاة أو التساهل في إقامتها وأدائها وبالأخص صلاة الفجر.
3- الأذية لعباد الله بالدوران في الطرقات أو التفحيط فيها أو الجلوس لساعات متأخرة من الليل للمعاكسات.
4- السهر باستمرار ولساعات طويلة يترتب عليها إضاعة المال والوقت وإرهاق الجسم صحياً وإضاعة الأسرة إن كان صاحب أسرة.
5- استمرار السهر إلى وقت السحر الذي هو وقت نزول الله جل وعلا من دون عبادة وطاعة بل على معصية ومنكر إلا ما شاء الله.
6- أن يترتب عليه تضييع لحقوق الله أو حقوق نفسه أو حقوق غيره من عباد الله، فالسهران هل سيصلي الفجر أو الظهر وقل العصر في وقته؟ ثم إن صلى هل سيكون خاشعاً فيها؟ السهران هل سيؤدي حقوق والديه وأهله بنفس مقبلة نشيطة راضية؟ السهران هل سينجز أعمال الناس في دوامه على ما يرام دون كسل وتأخير؟ السهران هل حينما سهر خارج منزله، أو في داخله سهر وحده، أم تعدى السهر إلى أهله وأولاده ورجال الأمن والهيئة والنظافة إلى آخر القائمة التي تترتب على السهر المفرط فيه، والناس لما خالفوا منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في النوم مبكراً ابتلوا بأمور لا قبل لهم بها.. عصم الله الجميع منها.
أضرار السهر الصحية
وعن أضرار السهر الصحية يتحدث الدكتور إبراهيم ولي علي حكمي إخصائي طب الأسرة والمجتمع ورئيس قسم الطوارئ بمستشفى الملك فهد المركزي بجازان فيقول: النوم له قيمة حيوية في حياتنا فهو عملية جسمية نفسية ضرورية لتحقيق الصحة الجسمية والنفسية.
إن مكونات الصحة العامة تشمل الصحة الشخصية والصحة البدنية والطب الوقائي للفرد وللمجتمع.
والصحة الشخصية تعتمد على تقوية صحة الفرد من خلال الاهتمام بكل ما يتعلق بصحته مثل التغذية، النظافة، النوم، الراحة، الرياضة، والعناية بالعينين، والأسنان والكشف الطبي الدوري. والسهر يعرف بأنه تأخير وقت النوم إلى ساعات متأخرة من الليل. وأضراره الصحية تشمل الآتي:
1- الأضرار البدنية: إن الله خلق النهار للعمل والليل للنوم لذلك فالسهر يؤدي إلى التعب - الصداع - الغثيان - احمرار العينين وانتفاخهما - والتوتر العصبي - والقلق - وضعف الذاكرة - والتركيز - وسرعة الغضب - والألم في العضلات - وبعض المشكلات الجلدية.
2- السهر والكفاءة العضلية: لقد ثبت من خلال التجارب التي أجراها عدد من علماء فسيولوجيا الرياضة والعضلات أن الكفاءة العضلية تبدأ في الزيادة تدريجياً عند الساعة الرابعة صباحاً حتى الساعة الحادية عشرة صباحاً ومن ثم يبدأ المستوى في الانخفاض إلى الساعة الثالثة عصراً، ويكون هذا الانخفاض بمستوى أكبر عند التاسعة ليلاً ويبلغ مداه الساعة الثالثة صباحاً.
3- السهر وجهاز المناعة: أكد البروفيسور مولدو فيسكي أستاذ الأمراض العصبية والنفسية بكلية الطب بجامعة تورنتو بكندا الذي درس العلاقة بين السهر وجهاز المناعة على مدى عشر سنوات أن قلة النوم تقف وراء الكثير من الأمراض التي كانت خافية، وأن جهاز المناعة في الإنسان مبرمج على ساعات اليقظة والنوم وعند حدوث تغيير في هذه الدورة اليومية يصاب جهاز المناعة بالتشويش والفوضى.
4- السهر والتشوهات القوامية: نتيجة الجلوس لفترات طويلة أمام التلفاز وغيره، وبخاصة الجلوس الخاطئ، فإن ذلك يؤدي إلى حدوث أضرار وتشوهات في العظام وفقرات الظهر.
5- أضرار أخرى: اكتشف الباحثون من المعهد الوطني للقلب والرئة بالكلية الملكية بلندن لدى المصابين بمشكلة اضطراب النوم أن كثافة خلايا المخ بالنصف الأيسر من الدماغ المسؤولة عن تنسيق اختزان الذاكرة تكون أقل مقارنة بالأصحاء من خلال دراسة تمت بإجراء فحص بالرنين المغناطيسي مقارنة بالأصحاء.
أ- قال البروفيسور إيفين كارتر إن عملية النوم تؤثر على معظم هرمونات الجسم بشكل عام ويمكن أن تسرع من الأمراض المرافقة للشيخوخة مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، والعته الدماغي كما أكدت ذلك دراسة من جامعة شيكاغو.
ب - وفي دراسة على أربعة آلاف وخمسمئة وواحد وأربعين (4541) رجلاً وامرأة تمت متابعة أنماط النوم لديهم على مدى أربعة عشر عاماً أن النوم المريح من سبع إلى ثماني ساعات يقلل من خطر الإصابة بالأمراض القلبية التي تعد الآن من أسباب الوفيات الأولى في أمريكا وأوروبا بسبب طبيعة حياتهم.
ج- أكد الدكتور توم ماكي من مركز النوم الأسكتلندي أن ارتفاع الكورتيزون في الدم خلال انخفاض ساعات النوم يؤدي إلى زيادة نسبة حدوث السكتات الدماغية والاكتئاب.
د - عدت مؤسسة النوم الوطنية الأمريكية أن النوم أقل من ست ساعات ونصف يومياً بمثابة عملية قتل بطيء.
الموقف الشرعي
يستوقفنا هنا الموقف الشرعي من السهر الذي دفعنا لطرق باب الشيخ سعود بن عبدالعزيز الشايع رئيس شعبة الدورات والبرامج بإدارة التوعية بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي بين أن الموقف الشرعي من السهر يتجلى فيما تحكيه عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الأمة وهاديها عليه الصلاة والسلام فتقول: (ما نام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل العشاء، ولا سمر بعدها) أخرجه ابن ماجه، وحينما سمعت رضي الله عنها عروة يتحدث بعد العشاء قالت: ما هذا الحديث بعد العتمة، ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راقداً قط قبلها، ولا متحدثاً بعدها، إما مصلياً فيغنم، أو راقداً فيسلم. أخرجه عبدالرزاق في مصنفه، كما قال الإمام النووي: (وسبب كره الحديث بعد العشاء أنه يؤدي إلى السهر ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو الذكر فيه أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز أو في وقتها المختار أو الأفضل؛ ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجب من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا).
وعبر الشايع عن تعجبه من الحال اليوم، إذ أصبح الليل محط الأنظار ووقت الأسفار وساق ما قاله عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (بت عند خالتي ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها، فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا انتصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس يمسح النوم عن وجهه بيديه، ثم قرأ العشر من خواتيم سورة آل عمران، ثم قام إلى شن معلقة فتوضأ منها، فأحسن وضوءه، ثم قام يصلي) متفق عليه.
وقال فضيلته: وهكذا كان ليله صلوات الله وسلامه عليه، فأين الاقتداء والاتباع، كما أنه صلى الله عليه وسلم كان يذم السهر، ويزجر عنه، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجذب لنا السمر بعد العشاء) أخرجه أحمد وغيره، ومعنى يجذب: أي يذم ويعيب ويحذر، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يضرب الناس على ذلك ويقول: أسمراً أول الليل، ونوماً آخره). إن ساعات الأسحار، ساعات توبة واستغفار، وتضرع وانكسار، يقول صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألوني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له) رواه الشيخان، ويقول صلى الله عليه وسلم: (أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله تعالى في تلك الساعة فكن) رواه الترمذي.
وسائل علاجية
وبعد أن عرفنا الداء وشخصنا الدواء.. ما الوسائل العلاجية لظاهرة السهر؟
في هذا الجانب أوضح الشيخ سعود بن عبدالعزيز الشايع أن كثيراً من بلدان المشرق والمغرب أدركت خطورة ذلك على عماد مستقبلها وأمنها، ومقدراتها، فعملت على تلافي تلك الظاهرة وعلاجها بطرق ووسائل كثيرة منها ما هو ذاتي العلاج ينبغي بحثه مع الشاب نفسه وأسرته، ومنها ما هو متعلق بالتوعية والإرشاد، ومنها ما هو متعلق بالأنظمة والتعليمات، ولا ينازع عاقل بأحقية بلاد المسلمين في علاج تلك الظاهرة، والحفاظ على شباب الأمة ومقدراتهم. ولعل من المناسب أن أذكر شيئاً مما أرى أنه قد ينفع الله به في علاج تلك الظاهرة..
أولاً - فيما يتعلق
بالشباب وأسرهم
1- إيجاد القناعة لدى الشاب بمغبة السهر، وسوء عواقبه.
2- ترتيب مواعيد النوم والاستيقاظ لدى الأسرة بشكل عام.
3- متابعة الشاب وتحذيره من تعاطي المنبهات وإيضاح خطورتها على الدين والصحة.
4- إحياء الوازع الديني في الشاب وإظهار أهمية صلاة الفجر له جماعة، وتعليقه بصلاة الليل والقيام لها منذ صغره ليكون ديدنه الاستعداد لها.
5- شغل أوقات فراغه في يومه ليكون أحوج ما يكون للراحة والدعة.
6- تعويده على تحمل بعض المهام، والإحساس بالمسؤولية.
ثانياً- فيما يتعلق
بالتوعية والإرشاد
1- استغلال الوسائل الإعلامية بشتى أنواعها للتحذير من الظاهرة.
2- استغلال المنابر لتسليط الضوء على خطرها.
3- تنفيذ الحملات الإرشادية في المدارس والأمكنة العامة.
4- طباعة الكتب والنشرات التي تناقش تلك الظاهرة.
5- السعي في توعية أصحاب المحال التجارية والمعارض والأسواق في الإغلاق مبكراً.
6- العرض للمسؤول لتقديم ساعات العمل ليسعى الشاب في تحصيل أكبر قسط من النوم.
دور الآباء
من جانبه بين فضيلة الشيخ سامي بن أحمد الخياط مدير إدارة التوعية والتوجيه بفرع الرئاسة العامة بمنطقة مكة المكرمة أهمية قيام المجتمع بدوره وواجبه تجاه ظاهرة السهر، فقال: إن الموضوع في غاية الأهمية، وكثير من الناس في غفلة، والمسؤولية الأولى في توجيه الشباب وحسن رعايتهم ومراقبتهم تقع على الآباء وأولياء أمور الشباب أولاً، فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (6)سورة التحريم، وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته).
وأضاف: فكم انحرف من شبابنا وفتياتنا سلوكياً وأخلاقياً وفكرياً، واعتنقوا الأفكار المنحرفة الضالة بسبب تقصير الوالدين في تربيتهم ومراقبتهم وتوجيههم التوجيه الصحيح وتأديبهم متى دعت الحاجة إلى ذلك.. فالمسؤولية كبيرة على عاتق الوالدين، ومن المؤسف حقاً أن تجد بعض الآباء مدمنين على السهر في لغو وسهو يشكلون قدوة سيئة بذلك.
(*) إدارة العلاقات العامة بالرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر |