نكمل في هذه الحلقة ما بدأناه في حلقات سابقة لبيان بعض أخبار الصادق المصدوق - صلوات الله وسلامه عليه - التي جاءت لبيان بعض الأمور التي سوف تحدث في المستقبل، ثم جاء المستقبل مصدِّقاً لما أخبر به، ومن ذلك:
- ما جاء في صحيح البخاري عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له ألا تستنصر لنا ألا تدعو الله لنا، قال كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون).
- وفي صحيح البخاري عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال: (بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر فشكا قطع السبيل، فقال يا عدي هل رأيت الحيرة، قلت لم أرها وقد أنبئت عنها، قال فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار طيء الذين قد سعروا البلاد ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى قلت كسرى بن هرمز قال كسرى بن هرمز ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له فيقولن ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك فيقول بلى فيقول ألم أعطك مالاً وولداً وأفضل عليك فيقول بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم، قال عدي سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة، قال عدي فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه).
- وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم قال عبد الرحمن بن عوف نقول كما أمرنا الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غير ذلك تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون في مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض).
- ففي هذه الأحاديث إعجاز من وجوه:
1- أنّه أخبر بأنّ الله سوف يتم هذا الدين وهو بعد لم يهاجر إلى المدينة!
2- أنّه قد أخبر بأنّ المسلمين سوف يفتحون فارس والروم!
3- أنّ الأمن ينتشر في بلاد الإسلام.
4- أنّ الصحابة سوف يحصل بينهم تدابر وتباغض وتنافس وتحاسد.
5- أنّ هذا الخلاف بين الصحابة سوف يكون بعد فتح فارس والروم.
وقد وقع ذلك كله كما أخبر عليه الصلاة والسلام. فمن أين له علم ذلك؟
وانظر ليقين عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه عندما قال: (... فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم).
- وفي صحيح البخاري عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه (أخرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الحسن فصعد به على المنبر فقال ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين).
- وفي لفظ للبخاري عن أبي موسى قال: (سمعت الحسن يقول استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين أي عمرو إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس عبد الرحمن بن سمرة وعبدالله بن عامر بن كريز فقال اذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له فطلبا إليه فقال لهما الحسن بن علي إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها قالا فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك قال فمن لي بهذا قالا نحن لك به فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به فصالحه فقال الحسن ولقد سمعت أبا بكرة يقول: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول إنّ ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).
- ففي هذا الحديث إعجاز من وجوه منها:
1- أنّه ذكر بأنّ الحسن - رضي الله عنه - سوف يكون سبباً للصلح بين طائفتين من المسلمين.
2- أنّ المسلمين سوف ينقسمون إلى طائفتين.
- وتحقق ذلك كله كما أخبر عليه أفضل الصلاة والسلام.
- وصدق الله إذ قال: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) (3-4) سورة النجم.
* ونكمل خطواتنا نحو حق اليقين في الحلقة القادمة إن شاء الله.
(*) عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء بالرياض |