Wednesday 14th June,200612312العددالاربعاء 18 ,جمادى الاولى 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

في ثنائية الصمت والكتابة..! في ثنائية الصمت والكتابة..!
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

(1)
** إذا صار قولٌ من قائل يحتملُ الكفر من مئةِ وجه، ويحتملُ الإيمان من وجهٍ واحد حُمِل على الإيمان ولا يجوزُ حملهُ على الكفر.
محمد عبده/ الإسلام دين العلم والمدنية
***


من أينَ أدخُلُ في القصيدة يا تُرى؟
وحدائقُ الشعرِ الجميلِ... خرابُ
لم يبقَ في دار البلابل بُلْبُلٌ
لا البحتريُّ هُنا.. ولا زِرْيَابُ
شُعَرَاءُ هذا اليوم، جِنْسٌ ثالثٌ
فالقولُ فوضى.. والكلامُ ضَبَابُ
يتكلَّمونَ مع الفراغ.. فما هُمُ
عَجَمٌ إذا نَطَقُوا.. ولا أَعْرابُ
اللاهثونَ على هوامش عُمْرِنا
سِيَّان إن حَضرَوُا، وإنْ هُمْ عابُوا..

نزار قباني
(2)
** تتجاوزُ بنا الثنائية تعادل الليل والنهار، والبياض والسواد، والشمس والظل، والحياة والموت؛ فقد اعتدنا أن نحسم القضايا الخلافية بمبدأ المعوية والضدية دون ثالث بينهما، أو رابعٍ خلافهما، وكما في المستطيلات الخضراء يفترق المصفّقون إلى أعلامٍ صفر وزرق وما جرى مجراهما، فإن المثقفين - أو جمعاً عريضاً منهم - لا يملكون المقدرة على الجمع بين الإعجاب بحسن البنا وحُسين مروة مثلاً، وفي الإطار ذاته فمن يقتنع بالرافعي يمقت طه حسين، وقياساً لا مكانَ يستوعبُ من يتزود بالنوافل ويستمعُ إلى الموسيقى، ومن يتمسك بالدين ويرفض الأدلجة..!
(3)
** سادت الثنائية وما بادت، ووعينا من زمنٍ ورثناه أن الحرب العالمية الثانية قد جزّأت جماعتنا بين الحلفاء والمحور فسادت منحنياتُها سهراتهم، واستأثرت بمتابعتهم، وفرح من فرح (بالفوهور)، وانتعش آخرون في (العلمين)، وظل السجالُ أمداً لتبقى الدلالة ممتدة في البحث عن رمز في زمن العجز..!
** وخلف خلفٌ تشظوا أكثر من سابقيهم؛ فقد رأى بعضهم الحُلم القومي في الثورة المصريّة، وبخاصةٍ بعد أن مثّل (عبدُ الناصر) لهم خيطَ النجاة، وتصدى سواهم لهم، ورأوا في مسيرة (الإخوان المسلمين) - التي نحتاج إلى إعادة قراءتها من مصادر غير متحيزة - طوقَ النجاة، واحتدم الصراع بين التقدمية والرجعية، ليرثه خلاف الحداثة والتقليد، والسلفيّة والليبرالية، والعمعمة والعلمنة..!
(4)
** لم يستطع (مظفّر) - الذي أحببناه لمبدئيّةٍ نتمنى ألا تتراجع أمام المدّ الطائفي البغيض الذي يسود بلاد الرافدين - حين قال: (إن الواحد منا يحملُ في الداخل ضِدَّه) ؛ فأغلبُنا تتواءم في ذاتِه مواقفُ متناقضة يجمع بها الماء والنار، وربما وجد نفسه إسلاموياً / قومياً / حداثياً / تقليدياً / محافظاً / ليبرالياً /دون أن يضيره ذلك أو يصمه بالتميع..!
** وفي مثلٍ عابر فإن كثيراً ممن يُسمون حداثيين أو حتى (حداثويين) يُصلُّون الفروض والنوافل، ويصومون الركن والتطوع، ويتصدقون ويتصدون لأعمال الخير والبر، ويستقيمون في مظهرهم ومخبرهم على حد سواء مما لا يجاريهم فيه مَنْ يُزكَّونَ عند العامة بوصفهِم نماذجَ تحتذى، وهكذا فالعروبيّ لا يتنكر - بالضرورة - للإسلاموي، وربما أحبّ المودودي وعفلق معاً، دون أن يمنعه ذلك من إنصاف في جانب وإنكار في جانب آخر..!
** وهنا تجيء مقولة الإمام محمد عبده التي تخطِّئُ من يحكم بمقاييسِه مدعياً أنها مقاييس معتمدة، أو ربما غالى في تقويمها فبدت له مقاييس تعلو البشر؛ ولولا بقيّة خوف لصدرت وثائق التكفير التي تحكم وفق أهوائها أو أدلجاتها أو مصالحها..!
** ويبقى السؤال: هل أُصبحُ غيري حين أُعجب ب(ظلال القرآن) و(الثابت والمتحول) في آن، وأجد في (سيد قطب وأدونيس) ما أطمئنُّ إلى إبداعه أو إمتاعه أو إضافته؟
وهل أنا متزن ومتوازن إذا لم أصفِّق لناظم يزعمُ أنه وصيّ أو تقيّ، وأتمايل مع شاعرٍ أقرأُ في أعماقه بوحَ الذات، وطنين الأنّات دون أن أطالبه بشهادة حسن سيرة وسلوك من الجيران..؟
(5)
** في لقاء صحفي أشار القاص المصريُّ الراحل (محمد مستجاب) إلى أنه يكتب مقالاته التي يرسلها للصحف الخليجية وهو في المصعد، وقد عنى - دون إفاضة - أنْ لا فرزَ ولا تقويم، وأن جماعة (البترودولار) لا يستحقون كبير عناء..!
** ويكفي كثيرين - فيما يبدو - ضمان العائد المادي دون أن تهمهم الإضافة المعرفية والقيمية والمعايير المهنية والأخلاقية، وإذ تسري العدوى بتسارع؛ فقد بهتتْ كثير من الكتابات ممن آمن ذووها بالنظرية (المستجابية)، فما دام التصنيفُ غائباً فلم النَّصَب؟! وما الفرق المنظور بين مَنْ يقول ومن يجول، وبين من يرجع ويراجع ومَنْ يتكئ على قصاصات الصحف معلقاً، وربما رئي محلقاً..!
** تسرب المللُ إلى النفوس، والتسطيح إلى الطروس، واعتزل من آمن بعدم الجدوى، وتُوِّج من ظن المادةَ والشهرة هي المأوى..!
(6)
** تجيءُ الكتابةُ صوتاً والقراءةُ صمتاً، وبينهما ثرثرة ورزانة، وتصدر وتقهقر، وإعجابٌ واستلاب، وانطلاق وانغلاق، وشجاعة وخوف..!
** تتحول الكتابة أحياناً إلى ترف، وربما إلى شرف، فيستوجهُ بها فئام، ويسترزقُ فئام، وهي لدى ثلل تسلية، وعند آخرين عبث، كما هي قضية ورسالة عند غيرهم، وتظل عبئاً على من أحسّ بمسؤوليتها، ومتعة لمن أعشته أضواؤها..!
** وفي زمنٍ غير بعيد كان الكُتّاب محدودين، والكتابة محصورة في زاوية أو عمود أو كتاب، لتتحول اليوم بفعل الثورة التقنية إلى منتدياتٍ بات تأثيرها معادلاً إن لم يكن متفوقاً على الوسائط التقليدية التي تحاول أن تستفيد من بثّ موضوعاتها عبر الشبكات الآلية في استجلاب تأثير تفاعلي يتبادله الكاتب مع قارئيه..!
** وهُنا تبدو المواجهة بين الفعل والتأثير، فهلْ يستطيع كاتب أن يزعم له دوراً يتوازى مع سطوره ؟ وهل جاء الانتشار نذيراً بالاندثار؛ فالرقم كبير، والناتج قليل، والجعجعة غير الطحن. ..؟
** استطاع وراقو الزمن الأول أن يخترقوا الأزمنة والأمكنة، ولم تنكفئ كلماتُهم لعدم وجود وسائل تفاعلية، وهاهم ورّاقو الزمن الأخير لا تكاد أصواتُهم تتجاوز أقاربهم وأصحابهم رغم التكثيف الإعلامي، أفلا يصبح الصوتُ صمتاً؟ وما جدوى الركض إذا لم يخدمْ هدفاً، أو يُضف صحة أو يمنع مرضاً..؟
** أسئلة برسم الصيف لا الكيف؛ فقد تؤذن إجازة شهرين بقراءة سطرين، وربما عاد سؤال الصمت والكتابة بإجابة أو شبه إجابة..!
* التوقف انعتاق. .

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved