أكثر ما يثقل كاهل المواطن العربي، والمسلم في هذه الأيام وطأة الفقر، والحاجة الاقتصادية التي عبثت بآماله وطموحاته كلها، وعطلت مكامن الإبداع كلها لديه، وجعلته يلتزم هامش البؤس والخضوع.
لن آتي على ذكر العبء السياسي؛ لأن الإنسان العربي والمسلم قد طوّع نفسه وأقنعها لتقبل كل ما يُفصّل لها في دهاليز السياسة والسياسيين محلياً وعالمياً.
ولن آتي على ذكر العبء النفسي على هذا الإنسان؛ لأنه وطّن نفسيته منذ رؤيته نور الحياة على توقع غير المتوقع دائماً، فبلاد العرب والمسلمين أصبحت، بل كانت منذ أمد مكاناً لتجارب القهر المبرمج لأحلام الإنسان العادية، ولا أقول الملونة.
الذي دفعني إلى هذه الكلمات المتصارعة المحترقة الأنفاس هو ما شاهدتُه في الأيام القليلة الماضية على شاشة التلفزيون من حسرات على وجوه كثير من الشباب والأطفال العرب والمسلمين الذين حُرموا متابعة مسابقة كأس العالم 2006م لكرة القدم، لا لشيء إلا لأن الأغنياء يريدون أن يزدادوا غنى فقط.
لست من هواة لعبة كرة القدم، ولا من مشجعيها، لكنني منذ ترشح المنتخب الوطني للمملكة إلى نهائيات كأس العالم، وأنا في صف المشجعين والمنتظرين رؤية هذا المنتخب وهو ينافح من أجل سمعة وصورة هذا الوطن الذي قد تُسهم مباراة كرة قدم واحدة من هذا النوع في إعطاء الصورة الحقيقية عنه أكثر من جيش من الإعلاميين غير الفاعلين.
وجاءت نخوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حين أمر بنقل مباريات المنتخب الوطني على القنوات الأرضية بمثابة اليد الحنون التي امتدت إلى كل طالب حنان في هذا الوطن.
في بعض البلدان العربية يتبرع رجال الأعمال، أو بعض ولاة الأمور بنصْب شاشات ضخمة في الميادين العامة. يجتمع أمامها الآلاف ممن يشكون العوز وقلة الحيلة، في مشاهدة فعاليات الدورة في منازلهم.
في بعض البلدان الأخرى احتال بعضهم، فسرقوا أو تشاركوا بالوصلات السلكية مقابل مبالغ زهيدة يستطيعون دفعها لإشباع رغباتهم الرياضية التي هي أبسط حقوقهم.
أما في باقي البلدان، فظلت الحسرة مرسومة على وجوه المهتمين بالرياضة الذين يكادون يشكون مع لسان قلوبهم.. ولكن لم يشكوا؟!
يبدو أن العصر ماضٍ بنا إلى أن ندفع مالاً كي نتنفس الأوكسجين، وكي يسمح لنا باستخدام أسمائنا للتعبير بها عن ذواتنا. ويبدو أننا قد نضطر إلى الاستجداء من أجل أن نمارس حقنا في العيش ضمن حدود أحلامنا على الأقل.
السبب في ذلك كله هو كما قلت: كي يزداد الأغنياء غنى.. فمن الذي اخترع (التشفير)؟ وهل كان يعلم أول من فكر بذلك أن المال الذي سيجنيه (المشفرون) هو مال ملعون مثله مثل الطاعون، هذا في رأي هؤلاء الذين يقفون اليوم تغمرهم الحسرة لمشاهدة فقط (مباراة كرة قدم)، بينما يحول رجل واحد دونهم ودون ذلك، اللهم إلا إذا اقتضى منهم مبالغ قد تزيد على رواتبهم التي يفترض أن ينفقوها على قوت أسرهم.. ويزيد في معايير التسلط الذي يمارسه الجشعون عدم قبولهم الاشتراك المؤقت الذي يغطي الحدث (المباراة) فقط، ويشترطون أن يكون الاشتراك سنوياً وبالرسم الذي يفوق قدرة هؤلاء الناس البسيطين.
البسطاء إذا هجروا أحلامهم، أو هاجرت أحلامهم عنهم كي يكون (التشفير) وسيلة إلى (التهجير)... وتاليتها!!
فاكس 2051900 |