انشغل الفلسطينيون بضرب بعضهم البعض وتدبير المؤامرات المتبادلة، لكن إسرائيل عاجلت الاخوة الفرقاء بضربات متلاحقة، ومع ذلك فإن هذه الضربات لم تنبههم إلى أهمية توجيه البندقية إلى العدو الأول والاستراتيجي.. ومن الواضح أن استفحال الصراعات بين الاخوة الفلسطينيين قد أعماهم عن رؤية المهددات الحقيقية لوجودهم، فإسرائيل لا تعرف أن هذا العنصر من حماس وذلك من فتح، وإنما تعرف الفلسطيني وتفضل أن تراه ميتاً في كل الأحوال ومن كل الفصائل والجبهات.
وإلى أن يدرك الفلسطينيون أهمية السيطرة على انفعالاتهم ضد بعضهم البعض، فإن إسرائيل تكون قد أحدثت الكثير من الدمار وألحقت الكثير من التشويه للصورة الفلسطينية على كل الأصعدة، وذلك لأن قلة من أبناء الشعب الفلسطيني في مركز القرار لم تستطع أن تدرك أن مسؤولياتها تحتم عليها أن تكون على مستوى القضية.. وستظل إسرائيل تنكأ في الجراح الفلسطينية ما دام الفلسطينيون أنفسهم لا يحاولون مواراة جروحهم المكشوفة، وهي تحرص من جانب آخر على استغلال هذه الخلافات إلى أبعد مدى، مستغلة في الوقت ذاته ضعاف النفوس في الأوساط الفلسطينية ومن يسمون بالمتعاملين لتنفيذ الاغتيالات والهجمات ضد القيادات السياسية والعناصر الميدانية، وبالطريقة التي تظهر الجرائم المرتكبة وكأنها من تدبير فلسطيني ومن صناعة وطنية فلسطينية خالصة، مما يؤجج من الصراعات ويجعل نيرانها متقدة على الدوام.
فقد شهدت الضفة الغربية وغزة ليل الإثنين - الثلاثاء تطورات مأساوية متتالية تهاوت معها كل الخطوط الحمراء وصارت الرموز السياسية من أشخاص ومقار مستهدفة، حيث بالغ البعض في تطاولهم إلى درجة إضرام النيران في المباني الرئاسية والسيادية، واندلعت التظاهرات حتى من قبل الجهات الأمنية التي يفترض أنها تحفظ الأمن، وغداة هذه الأحداث الفوضوية أرسلت إسرائيل طائراتها لتقتل عشرة فلسطينيين في مذبحة هي الثانية من نوعها في أقل من أسبوع.
ولقد مثل هذا السيناريو بدءاً من الصراعات بين الفلسطينيين، ليل الاثنين - الثلاثاء، وإلى الضربة الإسرائيلية صبيحة الثلاثاء، الصيغة المثلى التي تسعى إسرائيل إلى تكريسها وتوطينها فلسطينيا وعربيا.. وإذا كانت إسرائيل تمثل على الدوام الخطر الذي يتوحد ضده كل الفلسطينيين ويتناسون خلافاتهم من أجل التصدي لها، فإن الحالة المتنامية الآن تقول إن أولويات العداوة باتت تأخذ شكلاً خطيراً يتجاهل الوضعية الاحتلالية الاستعمارية لإسرائيل، ويؤجل حيثيات الصراع معها لحين تصفية الصفوف الداخلية من العداوات المستشرية وعلى كل المستويات. غير أن الانسياق مع هذه الحالة سيعمل على تعميق هذه العداوة الجديدة بين الاخوة إلى الدرجة التي يخشى معها أن تتطور إلى العداوة الاستراتيجية التي تحظى بكل الأولويات، وعندها يصبح من الصعب الحديث عن قضية فلسطينية.
|