Thursday 22nd June,200612320العددالخميس 26 ,جمادى الأول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"مقـالات"

زوارق.. تصطاد البشر!! زوارق.. تصطاد البشر!!
عبدالله بن ثاني(*)

من حق فخامة الرئيس جورج بوش أن يوصي جنوده بالأخلاق بعد فضائح أبوغريب والمجازر في المدن العراقية، ومن حق سلاح مشاة البحرية المارينز أن يجري تحقيقاً مبدئياً في قاعدة السلاح في شيري بوينت بحق جندي أدى في شريط فيديو بث على الإنترنت أغنية قتل العراقي، ومن حق دانه بنت رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت أن تخرج في مظاهرة احتجاجاً على ما وقع على الطفلة الفلسطينية هدى التي لن ينفعها من اليتم تبني الرئيس الفلسطيني ولا مظاهرة دانه.. وباختصار كل ذلك يتضاءل أمام ما يفعله الإنسان العراقي بأخيه وما تفعله حماس بفتح والعكس.
يا عقلاء العالم ويا حكماء بني إسرائيل أخرجوا الإنسان من الصراعات إذ لا طرف مستفيد من كل هذا التصعيد والخلاف والاختلاف بعد أن أصبح العالم قرية واحدة بفضل التكنولوجيا ووسائل الاتصال تحكمه المعاهدات الدولية والبروتوكولات الأممية والقوانين الإنسانية؟.
وما ضر إسرائيل لو آمنت بالدبلوماسية وتحكيم العقل ما دامت موازين القوى المادية والمعنوية في صالحها وبخاصة في ظل طرح مبادرات عربية سلمية تدعو الأطراف إلى فتح صفحات جديدة من العلاقات والمصالح؛ لأن الحرب خاسرة مهما كانت نتيجتها، فالمنتصر مرهق والمهزوم مقهور.. دعونا نستمتع بشيء من الحياة في ظل دولتين متجاورتين عربية ويهودية تعيش فيها هدى وبقية أطفالنا وأطفالكم بأمن وسلام كما يريد الشرفاء في هذا العالم.. الذين يسعون إلى طمس أي شيء يوحي إلى جيل الغد البغضاء ويقف أمام جهود تحقيق السلام.
وبعد هذه المقدمة عذرا للروائية العالمية آجاثا كريستي في هذا اليوم الجمعة لاستعارة عنوان روايتها (جريمة في بغداد)، فهناك جريمة في غزة وفي الحديثة وفي دارفور ومقديشو وكابل.. يقترفها أناس من أبناء جلدتنا قبل الآخرين بحجة الضرر بالآخرين، وهم لا يدركون أن الضرر كل الضرر وقع على إنسانهم وعلى منشآتهم وحضاراتهم في ليل هنا طويل لا ينقضي ولا يصلح للقراءة لأنه أشد سوادا من ليل امرئ القيس والنابغة بصحراء لم تعد آمنة بعد أن استعاروا أسماء حيواناتها وتضاريسها لعملياتهم ضد سكانها الذين فاض بهم الحزن وملأ الظمأ عروقهم أمام صرخة طفل في الحديثة (يا ويلكم من الله يا ويلكم من الله) يرددها مخنوقا بدموعه التي أخفت معالم طفولته أمام الفضائيات وقنوات التلفزة.. وما أن يسكن القلب قليلا حتى يسقط مغشيا عليه من صراخ الطفلة هدى على جثة أبيها الملقاة على شاطئ غزة، شيء ما يقطع نياط القلب أيها العالم في هذه المتوالية العجيبة إلى آخرها في عراق وفلسطين لم يستطع الإنسان أن يتحرر من واقع مخيف.. شيء ما يختصر على كتاب الرواية خيالهم الجامح ويفسد عليهم العقدة والحبكة؛ لأن الواقع أصبح أكثر استحالة من الخيال في رواية بوليسية يسطرها كتابها المنتفعون عن طريق الإرهاب بالدم الأحمر على خريطة وطن وليس على قارعة طريق..
الحديثة مدينة تقع في أعلى الفرات في منطقة غربي العراق، تختزل تاريخا عظيما لأمة كبيرة أثبتت أن القائلين إن المصائب وحدها تبدأ كبيرة ثم تصغر حتى تتلاشى لم يشهدوا واقعا مريراً مثل الذي نشهده من مصائب تكبر شيئا فشيئا، ونحن نصغر أمامها، فتنة مدلهمة، وصراع لا ينتهي، واحتلالات ومقاومات، والإنسان وحده ضائع جملة وتفصيلا في عبارات الحرية والعدل والمساواة، تشابه الأمر عليه فلم يدر أي طرف يقاتل من أجله، يشم رائحة أكاسيد الخيانة ومكائد العرقية وجور الطائفية، ينتظر النتيجة وما يسفر عنها الرهان الخاسر، وهذا الصمت الذي يعز معه الكلام.
عذراً أيها العالم على البكاء أمام الشاشات، فالطفل الباكي طفلنا والعجوز المسجى عجوزنا والنساء الثكالى نساؤنا.. عذراً أيها العالم على الإحباط فصغارنا وحدهم يولدون على الجسور والمعابر، فاسألوا معبر رفح وجسور الضفة عن طفل ولد على ذلك المعبر، واسألوا مستشفى سامراء عن قتل امرأتين إحداهما حامل في حالة مخاض والأخرى مرافقة، واسألوا عن موتانا حينما تدفن أشلاؤهم بأكياس القمامة السوداء، وربما في حواصل طير مهاجرة مرت بنا ذات موسم وأمعاء أسماك مطاردة من سفن صيد تجوب البحار والمحيطات، استبدلت اصطياد البشر بالأسماك والحيتان.. ويلتصق المفجوعون عليهم بالتراب.. ربما لأنهم موعودون بالحرمان أيضا من الدفن في أرضهم، ولا عجب فهي أمهم التي يضعون رؤوسهم في حجرها، فيشمون عبقها وأريجها لتخف اللوعة وتهون المصيبة، وهذا قدر المحرومين والمشردين والغرباء والمنفيين أن يلتصقوا عند كل فاجعة بالتراب ليعطوا دليلا على وطنيتهم في لحظة غياب الوعي من المصيبة حتى سمى شاعرهم (محمود درويش) نفسه مجنون التراب.
من أجل أطفالنا حاربنا استبداد البعث في العراق وفشلنا في حمايتهم في الحديثة وبغداد من الخوف والجوع والإرهاب والطائفية والنيران الصديقة، من أجلهم قبلنا التقسيم في فلسطين وفشلنا في الاجتماع والوحدة، واستبدلنا نعم، نعم، نعم بملء أفواهنا بلاءات الخرطوم، ونحن نعلم يقينا أنه من استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولكن الظروف تجبرنا على النجاة بما تبقى من الإنسان العربي في هذه المتوالية العجيبة، من أجلهم فاوضنا في مدريد بعد أن خذلنا البعثيون فشقوا الصف العربي وأصبحنا مثل حمامة تعوط خطوتين إلى الوراء وتتقدم خطوة واحدة للأمام، وتنازلنا في أوسلو وحسبنا أن ما يخفى من أسرار وتنازلات على إخواننا لا تكشفه الأيام، وسلمنا بضرورة الصمت عن الجدار الفاصل، ولم ندرِ أننا مسجونون خلف قضبانه، وآمنا بخارطة الطريق وكفرنا بالتاريخ، من أجلهم وحدهم نادت مؤتمرات القمة العربية بمبادرات السلام وكانت عين العقل من عقلاء لم يلتفتوا إلى نباح من لا يشعر بمعاناة أخيه في تلك الأراضي، ونطرح الآن استفتاء على الاعتراف بإسرائيل في فلسطين، ولكن إسرائيل تبدده بتصفياتها وحصارها للمدن وقتلها الأبرياء والمدنيين بلا مسوغ، وتسعى بكل ما أوتيت إلى وأده، وليتها تدرك أن الأصبع التي تدلي بصوتها وتختم بشمع أحمر لن تكون بمنأى عن العين والأذن اللتين فاضتا صديداً ممزوجاً بصرخات الطفلة هدى المكلومة، فالأعصاب ما زالت بخير وعافية، فلماذا تختار إسرائيل هذا الوقت بالذات وبخاصة أنها مع الفصائل الفلسطينية في هدنة؟ أتريد صراعا إلى الأبد أم تريد امتهان كرامة إلى ما لا حد، أين عقلاء بني صهيون وأين حكماء اليهود؟..
ما العذر في قتل أسرة كاملة تقضي إجازة يوم الجمعة على شاطئ تجاهلت أنه محتل ولم تكن تحمل قنابل ولا ذخيرة ولا سلاحا ولا أحزمة ناسفة؟ وما المسوغ لهذا الحجم الضخم من النيران الكفيلة بتدمير أعتى الحصون وأشد القلاع؟ وكيف تحقق اللجان التي دعا إليها السيد كوفي عنان فيما تناثر من الأشلاء لتجمع بأكياس القمامة السوداء، وكل شيء شاهد البارجة والزورق على الساحل وألعاب الأطفال وسيارات الإسعاف ومراسلي القنوات الفضائية والناس أجمعين.. ولو من خلال غربال لا يحجب نور الشمس ولا ضوء القمر.
من أجل أطفالنا نادى الحكام العقلاء والساسة الحكماء في هذا الجزء من العالم إخوانهم إلى ضبط النفس وعدم الاستجابة للاستفزاز، وتقديراً منهم للدماء والأشلاء، وحرصا على الأحياء من أن يكونوا ضحايا أبطال روايات بوليسية في عالم العسكرتاريا المخيف.
عذراً أيها العالم المتمدن، لا نقوى على رؤية أجساد إخوة لنا ممزقة ولا نتحمل سماع صراخ هدى (يابا يابا)، جثث بلا رؤوس، ورؤوس بلا أنوف ولا عيون، تفجيرات وإرهاب يقتحم البيوت، والجسور والمراقد والمساجد، دماء متناثرة بيد الأخ والصديق والجار ويد الغرباء والطارئين باسم الإرهاب والمقاومة وتحقيق المبادئ، اختطاف واعتقالات بلا مسوغ ولا أدل على حجم الكارثة من هذا الخبر: (مقتل 34 عراقياً بينهم 11 طالباً جامعياً والعثور على 7 جثث وتفجير مرقد)، وهو لا يقل عن مجزرة الحديثة التي راح ضحيتها 24 عراقياً من أسرة واحدة بأطفالها وعجزتها وشبابها، ومجزرة الإسحاقي القريبة من مدينة بلد في شمال بغداد وراح ضحيتها 11 عراقياً.. إذن هناك مجازر لم يكشف عنها بعد تثبت أن هذا الشعب على موعد مع المقابر الجماعية في أي مرحلة لا تختلف عن مراحل العنف السابقة، في حين لو انتحرت عشرة حيتان في محيط ما لصاح العالم احتجاجا من أجل حقوق الحيوان، ولو اجتثت خمس أشجار معمرة لسبب ما لتظاهرت الجماعات الخضراء من أجل البيئة، ولو أقيم منتدى للعولمة في مكان ما لتجمعت الجماهير وتشابكت مع رجال الأمن.. وأما القانون الإنساني فمعطل ومحتل من رأسه إلى قدميه، وهو يهدف إلى الحد من استخدام القوة في النزاعات المسلحة، والحرص على حماية المدنيين والأسرى الجرحى ضمن ما يأتي:
1- قانون جنيف: ويتكون من مجموعة القواعد التي تحمي ضحايا النزاعات المسلحة، وهذه القواعد تحظر استهداف المدنيين أو استهداف الأهداف غير العسكرية، وأهم الاتفاقيات في هذا القسم: الاتفاقية الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907م، واتفاقية بشأن حقوق وواجبات الدول المحايدة والأشخاص المحايدين في حالة الحرب البرية لسنة 1907م، واتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب لسنة 1929م، واتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949م، والبروتوكولان الإضافيان لسنة 1977م.
2- قانون لاهاي: وهو مجموعة القواعد التي تقيد حق أطراف النزاع في استخدام وسائل القتال وتحديد حقوق وواجبات المحاربين في العمليات العسكرية، وأهم الاتفاقيات في هذا القسم: إعلان سان بطرسبرغ لتحريم استخدام قذائف معينة في وقت الحرب لسنة 1868م، وبروتوكول جنيف لحظر استخدام الغازات الخانقة والسامة وغيرها من أسلحة الإبادة، وتحريم الحرب البيولوجية لسنة 1925م، اتفاقية بشأن حظر تطوير وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسامة وبشأن تدميرها لسنة 1972م، واتفاقية بشأن حظر أو تقييد استخدام بعض الأسلحة التقليدية التي من شأنها أن تحدث إصابات جسيمة أو آثاراً عشوائية لسنة 1980م والبروتوكولات الملحقة بها، اتفاقية بشأن حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية وتدمير الأسلحة لسنة 1993م، بروتوكول بشأن أسلحة الليزر التي تصيب ضحاياها بالعمى لسنة 1995م، بروتوكول معدل لاتفاقية 1980 بشأن حظر أو تقييد استخدام الألغام والشراك الخداعية وما شابهها لسنة 1996م، واتفاقية بشأن حظر استخدام أو تخزين أو إنتاج أو نقل الألغام المضادة للأفراد وتدميرها لسنة 1997م.
إذن فالسكان المدنيون هم مجموعة الأشخاص الذين لا يشتركون بأي شكل كان في أعمال القتال ولا ينتمون إلى القوات المسلحة في النزاع الحادث أو المليشيات والوحدات العسكرية المتطوعة أو حركات المقاومة.. والأصل في الناس مدنيون ما لم يثبت خلاف ذلك، كما بينت المادة 50-1 من البروتوكول الإضافي، وأضافت المادة 3 أن الأشخاص المدنيين لا يفقدون صفتهم المدنية بسبب وجود أفراد غير مدنيين بينهم.
وقد أوردت اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م والبروتوكولان الإضافيان لسنة 1977م عددا من الالتزامات على الأطراف المتحاربة لحماية المدنيين منها:
منع استهدافهم أثناء القتال وترويعهم بالهجمات العشوائية، كما في المادة 51، توفير العلاج للجرحى والمرضى، والاعتناء بهم كما ورد في الماد 3-2، والمادة 16 من اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين، وأجازت المادة 3 للهيئات الإنسانية كالصليب الأحمر والهلال الأحمر التدخل لتوفير الرعاية الصحية وحماية المستشفيات والمراكز الطبية المتنقلة، عدم استخدام المدنيين دروعاً بشرية، وعدم جواز تجويع المدنيين، واعتقالهم وفرض الإقامة الجبرية عليهم لأسباب غير أمنية كما حددته المادة 79 من اتفاقية جنيف الرابعة.. والله من وراء القصد.

(*)الإمارات العربية المتحدة

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved