على ما يبدو انطلاقاً من ملاحظة شخصية ومن تحليل فردي أن شبهة الإرهاب بالمسلمين عامة والعرب خاصة غدت في حكم من لا حكم له بالنسبة للمسلمين، وقاعدة لا نشاز لها بالنسبة للعرب عامة وعلى وجه التحديد ممن يطلقون اللحى أيا كان شكل ما يلبسونه من ملابس خارجية.
هذا بالطبع ما جناه تنظيم القاعدة على سمعة ومكانة العرب والمسلمين، وما يحدث من نظرات الخوف والشك والريبة ضد العرب في العالم عامة وتحديداً في أوروبا هو رد فعل أمني وسياسي وإعلامي منطقي لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية وما تلاها من أحداث وعمليات إرهابية نفذت في أوروبا، بداية بإسبانيا ومروراً بفرنسا ونهاية ببريطانيا.
محصلة الأفعال الإرهابية التي نفذتها عناصر القاعدة منذ عمليات 11 سبتمبر كانت ولا تزال بالفعل عنيفة جداً، شديدة الوطأة، مؤذية بالكامل، وضارة بحكم المطلق بسمعة العرب والمسلمين، بل إنها قاتلة بالنسبة للأقليات العربية والإسلامية التي تعيش في أوروبا على الرغم من أن العرب هم في طليعة الشعوب التي عانت وما زالت تعاني من مصائب الإرهاب الرسمي وغير الرسمي ومن ويلات الإرهاب المنظم وغير المنظم.
صحيح أن ما فعلته تلك الحفنة القليلة من المتطرفين الذين شذوا عن قاعدة الإسلام وخرجوا على جموع المسلمين هم حثالة قليلة، لكنهم بحكم الواقع لا يقلون ولا يختلفون إطلاقاً عن أشباههم من المتطرفين في أي أمة أو قومية إنسانية من شرق الأرض إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، الفرق يكمن في زمن ترحال فكر التطرف وسلوكياته من مكان جغرافي معين لموقع جغرافي آخر في هذا العالم.
الفرق بين ما حدث في الماضي في بقية أنحاء العالم وخصوصاً في العالم المتمدن الغربي من حروب وصراع وفتن وإرهاب، ومن فنون أعمال القتل والتدمير والتفجير والاغتيالات الوحشية، هو فارق في عامل التوقيت وحسب، وإن يصعب بكل معنى الكلمة تحديد وجود أية مفارقات مثبتة أو فوارق محددة بين حركة ترحال الظاهرة ذاتها وبين الأمم التي تنزل بها.
صحيح أن عامل الزمن كفيل بمسح نسبة كبيرة من الأحداث الإنسانية المُرة من ذاكرة الإنسان، ولكنه قطعاً لا يمكن أن يمحوها من ذاكرة التاريخ ولا تحديداً من ذاكرة الإنسان والأجيال التي عانت من مصائب وويلات أعمال وأفعال العنف والحروب وتضررت بفعل تلك الأحداث.
يكمن الفرق بين الواقعين المتشابهين تماماً الأعراض في كون انتشار وتعميم السمعة الإرهابية وبالتالي الشبهة والتهم الإرهابية على العرب في الزمن الحالي كنتاج لحركة سياسية وإعلامية دولية جائرة وضعت العرب والمسلمين على فوهة تقارير الأخبار المتواترة لوسائل الإعلام العالمية.
ولا شك أن وجود رجال الشرطة السرية والرقابة الأمنية الشديدة المفروضة على الأماكن التي يتجمع فيها العرب خصوصاً في مواقع سكناهم في معظم الدول الأوروبية (خصوصاً في ألمانيا) وضع بات معتاداً عليه ليغدو جزءا من واقع إنساني معيشي مقلق نوعاً ما ولكن لا بد منه حتى لا ترتكب المزيد من الحماقات الإرهابية التي تضر وبسببها يزاد الحمل وتتصاعد تبعات سمعة الإرهاب وشبهته أكثر بالعرب والمسلمين.
بالطبع تصعب ملامة الأقوام في بلادهم على سياساتهم وجهودهم الأمنية فمن حقهم الحفاظ على أمنهم واستقرارهم ولا سيما أن حدثاً عالمياً ضخماً تجري أحداثه على أراضيهم واستدعى تميز الحدث وفود مئات الآلاف من شعوب العالم لمشاهدته. وصحيح أيضاً بذات المنطق أن هذا الحدث العالمي قد يفتح شهية الإرهابيين للقيام بأعمال إرهابية تضر بمئات الآلاف من الأرواح الإنسانية البريئة التي تضطلع بمسؤولية الحفاظ عليها كلية الحكومة الألمانية.
لكن الحقيقة الأكثر صحة أن الحكومة الألمانية وجميع أجهزتها الأمنية في الداخل والخارج (خصوصاً في السفارات والقنصليات) توخت الدقة الشديدة سواء في منح التأشيرات للدخول إلى ألمانيا أو في التدقيق في تأشيرات القادمين بعد قدومهم. يكمن الخوف الألماني الأمني فيما لو تم اختراق الطوق الأمني المحكم من قبل الداخل الألماني تحديداً من الخلايا الإرهابية النائمة أو المجمدة التي تعيش في ألمانيا ومن الممكن تحريكها من قبل قيادات التطرف والإرهاب من الخارج.
الاعتقاد الأمني الألماني ينحصر إذن حول تنامي المخاوف من وجود نسبة كبيرة من الجاليات العربية المسلمة (وعدد قليل من الجاليات المسلمة من غير العرب) التي قد يتأثر (أو أنها قد تأثرت بالفعل) بعض أفرادها بالخطاب الفكري المتطرف أو الخطاب الإرهابي الدموي، أو الخلايا المتعاطفة أو المؤيدة لفكر التطرف التي ليس من المستبعد أن تتحرك بانفراد أو بتحريض من تنظيم القاعدة لضرب أهداف مدنية محددة في ألمانيا خصوصاً ملاعب الكرة.
مشكلة الإرهاب مشكلة عالمية وان حط الإرهاب رحاله في العقدين الماضيين في بلاد العرب، فالمملكة كانت أول من تضرر من فكر الإرهاب وسلوكياته، وأول من دعا لمحاربته وهذه حقيقة مع الأسف تم تغييبها عن ذاكرة العالم خصوصاً العالم الإعلامي الغربي.
|