Thursday 22nd June,200612320العددالخميس 26 ,جمادى الأول 1427

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

 

انت في"منوعـات"

نوافذ نوافذ
المرض الخبيث
أميمة الخميس

ليس الخطأ أن نختلف، ولكن الخطأ أن لا نقبل هذا الاختلاف ليس فقط مرحلة القبول، فالقبول مبدأ أولي للتعايش، بل لا بد أن نصل إلى مرحلة الفخر بهذه التعددية والتدرج اللوني في أطياف اللوحة السعودية الشاسعة.
والذين يحاولون أن (يدلقوا) على هذا المشهد طلاء بشعاً من لون رمادي واحد إنما هم يغتالون إحدى الخصائص الأصيلة في الكون من حولنا، تلك الخصائص القائمة على مبدأ الاختلاف والتباين بهدف التعايش، بل إن كثيراً ما يقوم هذا الاختلاف على مبدأ التوازن والانسجام في المشهد الشامل من حولنا.
يجب أن نتعايش حتى مع الثعابين والعقارب، لأن لها حقاً تماماً مثلنا فوق هذه البسيطة، ولأن لها أيضا دوراً ومهمة تؤديها لحفظ النظام الإلهي الدقيق في التعايش القائم على التوازن بين المخلوقات، وأي اعتداء على هذا النظام إنما هو عمل بشري متوحش قام به على اعتبار استئثاره بالحقيقة الكاملة دون العالمين.
وعادة تقيم كل جماعة حولها ستاراً كاملاً من الطقوس والأساطير والنسيج الثقافي السميك الذي يميزها عن الجماعات الأخرى ويجعلها غير قابلة للاختراق ومن ثم الذوبان في وافد جديد وطارئ على الجماعة، هذا الاعتداد الديني أو العرقي أو المذهبي سيبقى سمة شعوبية متوارثة لا بد أن تتوارثها الجماعة كما تتوارث أسرارها البيولوجية عبر شفرتها الجينية.
ولكن المعضلة تبرز عندما يأخذها الاعتداد والزهو إلى أقصاه وتبدأ في تصدير أفكارها ومعتقداتها وطقوسها إلى الجوار على اعتبار احتوائها الكمال التام دون العالمين.
وهذا الأمر على المستوى البيولوجي يسمى بالسرطان، وهو تحديداً عندما تتوقف الخلايا عن القيام بمهامها الحيوية الطبيعية من استقلاب ونمو وتكاثر، لتصبح فقط مهمتها هي الاعتداء على الخلايا المجاورة وتهشيمها وتهميشها وإخضاعها ل(كود) مريض لا ينتج بل يهدم ويقتل ويدمر على اعتبار استئثاره باليقين المطلق.
التعصب والتعنت ورفض التعددية والمنظور الواحد لهذا الكون، هو المرض الخبيث المهلك الذي يرفض مبدأ التعايش والتسامح {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} سورة يس (40). وهو يرفض أيضا قاعدة التوازن الكوني الدقيقة لينطلق بصورة مدمرة ومرعبة ليلتهم ما حوله ويحوله إلى دمار يخضع لشفرته السرطانية.
الانغلاق المتعنت حولنا يتبدى في عدة مستويات ابتداء من الحزام الناسف الذي يستطيب وتستهويه رائحة الدماء والأشلاء البشرية، انتهاء بالبيانات المتوالية الزاعقة التي باتت تتوالى علينا بين الفينة والأخرى (التي هي أصدية لسكان الكهوف في تورا بورا). والتي تزمجر طالبة تعميم (كودها) السرطاني عل عموم الوطن ونفي جميع الأطياف الأخرى.
إنها مواجهة الجسد السعودي الكبير مع جزئه المسرطن الخبيث، وهي مواجهة بالتأكيد ستكون حادة وشرسة، مواجهة أعلنت شارة البدء بها مع كلمة ملكنا المحبوب الرافض للتصنيفات والفهرسة الخبيثة والمغتالة للآخر، تلك الفهرسة التي تشغل وتقصي الجسد السعودي الكبير عن الانشغال بمشروعه الحضاري الطامح إلى النمو والازدهار وشكر الله على نعمة الحياة لأجل الاستغراق في ثقافة الموت وترويجها وتعميمها.

 


[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved