العلاقات الدولية تأتي في إطار مصطلحات سياسية دولية تربط آفاق التعاون والارتباط والصداقة والأخوة أحيانا بين البلدان بعضها ببعض، وتصل هذه العلاقات في مجملها إلى صور وأشكال مختلفة تبدأ من العلاقات العادية الطبيعية وصولاً إلى العلاقات الإستراتيجية، وهذا النوع من العلاقات يعتبر من أقوى أنواع العلاقات التي تربط الدول بعضها ببعض على أساس ارتباط المصالح المشتركة بالتوافق في جوهرها ومحاولة تلافي نقاط الخلاف إن لم تكن مصيرية بمحاربة نقاط الضعف التي قد تتسبب في خلق جو من الارتياب والتخوف، خصوصا عندما تكون هذه الدولة على تماس وبحدود جغرافية مشتركة.
ومن هذا التماس الدولي وهذه الحدود الجغرافية المشتركة ومن مبدأ حسن الجوار، خصوصا إذا كان مع دولة إسلامية شقيقة كانت هذه المبادرة من هذه الدولة التي ترى في مجمل قضايانا العربية النصرة والتأييد على الحقوق والثوابت التي أصبحت فيما بعد من أهم نقاط التوافق والالتقاء.
إنها الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي استقبلت بحفاوة بالغة وبلقاء غاية في الأهمية على الصعيد الدولي صاحب السمو الملكي وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل الذي كان محملا برسالة مهمة في مضمونها من مليكنا المفدى -رعاه الله- أفرزت فيما بعد تلك المبادرة الشهيرة لسماحة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية التي دعا فيها بصراحة إلى إقامة علاقات إستراتيجية مع المملكة العربية السعودية.
إن هذه الدعوة أو المبادرة لهي الشاهد الحقيقي أمام العالم في استمرارية المملكة العربية السعودية كشريك أساسي وإستراتيجي وفي التذكير أيضا أن السعودية هي الثقل والقوة المعنوية وهي المرجع والأساس لكل عملية سياسية إقليمية تعنى باهتمام إقليمي ودولي، بل إن رأي المملكة العربية السعودية بحنكة سياسييها وبعدالتها المنشودة كانت ومازالت الخيار الأول والأخير لكل من يحاول أو حاول أن يراوغ على هذه السياسة الواضحة من أساطيل المراوغين الدوليين الذين يحسبون أنفسهم على معسكرات إدارة دفة هذا العالم بكل عنجهية وعدم تحمل للمسؤوليات وفق الأهواء والمصالح الخاص المبتذلة التي لا يجرؤون حتى في الإعلان عن الأهداف والمضامين الحقيقية التي تخذل أصحابها وتكسر غرورهم ونقمهم أمام العالم الذي بدأ يعي تلك الأهداف الحاقدة علينا كشعوب إسلامية.
وهذه الحقائق هي السبب في الاتجاه إلى إدارة تلك الخلافات والصراعات القادمة إلى من هم أولى بإدارتها بعد إثبات فشل هؤلاء المراوغين في كل عمل أو منهج يراد منه الباطل على صورة الحق والعدل والحرية والمساواة الكاذبة والمبطنة، وأمام هذا الإعلام المنجرف الذي يهلل لهم بقصد أو بغير قصد وهم الآن يعانون من صدمة إعلامية لوجود هذه المتغيرات الدولية القادمة التي تصب في مصلحة العمل والمنهج الذي يراد منه الخير في صورته الحقيقية ومعانيه البسيطة للحق والعدل والحرية والمساواة.
من هنا كان هذا التحرك السريع وهذا التغير المفاجئ للسياسات المتشددة في وقت من الأوقات للبوصلة الإيرانية باهتمام شديد ووعي أكيد واستيعاب مطمئن إلى حد ما إلى القرار والوعي السعودي، إلى الحنكة والدهاء السعودي، إلى قمة الوفاء والإخلاص السعودي، إلى تلك الأحضان الدافئة التي استوعبت الكثيرين والكثيرين ممن عرفوا معنى الاهتمام المباشر والدائم بل والحرص على جعل المشاعر هي الأساس في كل شيء.
ولكن للأسف أصبحت المصالح أحيانا هي كل شيء نراهن عليه، خصوصا إذا كان الرهان على مصالح الشعوب أنفسهم بالتحكم في مصيرهم وقوتهم ونمائهم وحياتهم وهذا ما أقره الإيرانيون مؤخراً أمام العالم في إمكانية تدخلهم بصورة إيجابية ممكنة في الشأن الداخلي العراقي في سبيل الحفاظ على المصالح العليا للشعب العراقي، وهم أكدوا أيضا على ضرورة الدبلوماسية حلا لمشكلتهم النووية مقدرين تلك التخوفات الإقليمية والخليجية بالذات من هذا التطور النوعي الذي قد يمس بالأمن والسلم العالميين فضلاً عن تغير خارطة التوازنات العالمية في ميزان القوة العالمي، وهم من المساندين لحقوق الشعب الفلسطيني في تحديد مصيره وإنشاء دولته المستقلة بدعمهم المادي والمعنوي لهم وهذه المساندة كانت جلية لحكومة حماس وحدها دون غيرها.
إنها قضايا كبيرة وقد تكون شائكة التعقيد إذا ما كان الاهتمام بها على المستوى المطلوب لأنها تحتاج لجلسات وجلسات تشاورية ومتتابعة.
إنها لأعباء كثيرة وهموم أكثر في انتظار من يستطيعون الحسم والقرار وهنا نتساءل:
هل هناك جدية حقيقية لهذه الدعوات وغيرها في سبيل التعاون المثمر والبناء لإيجاد أرضية اتفاق مشتركة.
أين النوايا الصادقة التي تنبع من الإخوة الحقيقة التي قد توصلنا إلى سياق التفاهم المباشر على صلابة ووحدانية المواقف وبالتالي النهوض إلى أرض الواقع لتصبح العنوان لحاضرنا ومستقبلنا.
هل نحن كمتابعين على استعداد لتقبل أصعب الخيارات المتاحة وبالتالي نستطيع أن نرتقي بمفاهيمنا حفاظا على مصالحنا كشعوب آمنة مستقرة تطمح إلى العيش بسلام مع جيراننا وكسر تلك العدوات السابقة.
إنها لتساؤلات عديدة والتكهن بشفافية مضامينها تحتاج إلى أجوبة عديدة ولكن القدرة على الاحتواء والدبلوماسية والحوار هي أجمل وأرفع معاني العلاقات الإستراتيجية القادمة إلى منطقتنا، نأمل أن تكون رياحها رياح خير وبركة وأهدافها أهداف صدق وعدالة.
|