في زاويته المحببة والمفيدة والتي تطرح موضوعات متجددة، كتب الكاتب عبدالرحمن بن سعد السماري في زاويته( مستعجل) في العدد 12066 الصادر يوم الثلاثاء 8-8- 1426ه مقالاً بعنوان (كيف غاب دور إمام المسجد؟)، عدد فيه الأدوار التي كان يقوم بها إمام المسجد سابقاً، وهذه الأدوار لولا أننا سمعناه من الثقات أمثاله ما صدقناه، فقد كان إمام المسجد في القرية أو الحي هو كل شيء، هو: الإمام، وخطيب الجامع، والمأذون، ومعلم الطلاب في المسجد، والقاضي، والمستشار في جميع الأمور، والقارئ على المرضى، وجامع أموال الزكوات وموزعها على مستحقيها إلى غير ذلك من الأدوار.
وختم الأستاذ السماري مقاله بالتساؤل التالي: ما السبب في غياب دور ومكانة إمام المسجد؟ هل هم الأئمة أنفسهم؟ أم المجتمع؟ أم أنها جهات أخرى؟ ومنذ ذلك الوقت وأنا ألحظ الأئمة وواقع المجتمع للإجابة عن هذا التساؤل، ورغبة في مشاركة الكاتب في هذا الموضوع والإجابة عن هذا التساؤل أقول:إن جميع هذه الأطراف التي ذكرها الكاتب تشترك في المسؤولية عن غياب ذلك الدور، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
أولاً: أئمة المساجد: يناط بأئمة المساجد مسؤولية كبيرة عن غياب دورهم ومكانتهم في المجتمع وذلك لتخليهم عن تلك الأدوار وتلك المكانة، ولممارسة بعض السلوكيات التي تتعارض مع تلك الأدوار، ومن ذلك غياب استشعار القدوة عند بعض الأئمة، إذ الشعور بهذا يجعل الإمام ينتبه إلى أي سلوك، أو قول أو مظهر يتحلى به، فلما غاب هذا الشعور جعل بعض الأئمة يتصرفون ويقولون ويتصفون ببعض المظاهر التي أفقدتهم تلك المكانة، وذلك الدور، فمثلاً: إمام يترك مسجده لأوقات متكررة، وآخر لا يفيء بوعوده مع جماعة المسجد، وآخر لايهتم بصيانة المسجد، وآخر لا يطبق السنن في الصلوات، وآخر لا تربطه بجماعة المسجد أواصر المحبة والاحترام وإنما علاقات الحسد والغيبة وغيرها، وآخر لا يحترم كبار السن في المسجد، وآخر لا يعظ جماعة المسجد إلا في رمضان، وآخر يخاصم جماعة المسجد من أجل تشغيل أو إطفاء أجهزة التكييف، كما أن قيام البعض بإمامة المسجد على أنها وظيفة بمقابل مادي فقط أفقدته الشعور بالمسؤولية مما أفقده تلك المكانة وذلك الدور، كذلك ما يعانيه بعض الأئمة من نقص في العلم الشرعي وعدم إتقان لتلاوة القرآن فضلا عن حفظ أجزاء من كتاب الله تعالى، جعل البعض من المأمومين لا يعطي للإمام تلك المكانة.
ثانياً: المجتمع: في غمرة الحياة المادية والبعد عن النظرة الصحيحة لشمول الإسلام لجميع جوانب الحياة أفقد المجتمع دور إمام المسجد ومكانته التي كان يتمتع به، فالمجتمع الذي لا يقدر صغاره فضلاً من كباره إمام المسجد، ولا يحفظون ألسنتهم عن غيبة العلماء والصالحين فضلا عن الإمام وعامة المسلمين، وينظرون الى الإمام الذي يقدم لهم النصح ويدعوهم الى المحافظة على الصلوات في المسجد على أنه تدخل في شؤونهم الخاصة، كل هذا وغيره غيَّب دور ومكانة إمام المسجد.
ثالثاً: جهات أخرى: تتحمل جهات أخرى عبء فقدان الأئمة لدورهم ومكانتهم، وأولى تلك الجهات وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، لأنها المسؤولة رسمياً عن أئمة المسجد: وذلك من خلال تعيينها لأئمة لا تتوافر فيهم الصفات اللازمة والأساسية للقيام بهذا الدور الكبير، مما جعل الناس لا يعطون الإمام المكانة اللائقة به لأنه لا يستحقها، كما أن الوزارة لا تتابع الأئمة المتابعة الدقيقة التي تجعلهم يقومون بأداء واجباتهم على أكمل وجه، فالواجب عندما يتأكد لدى الوزارة أن إماما من الأئمة لا يقوم بالدور الواجب والمطلوب منه ألا تبقيه في هذا المكان وتضع خيراً منه، كما أن الوزارة تتحمل.. ما السبب في غياب دور ومكانة إمام المسجد.
مسؤولية تكريم الأئمة البارزين والقائمين بأدوارهم وتهيئ لهم الظروف والإمكانات التي تعينه على القيام بدورهم، ومما يؤكد عليه هنا أهمية أن تقوم الوزارة بتقديم دورات تدريبية وتأهيلية للأئمة، كما أن هناك جهات أخرى شاركت - بحكم التخصص في الأعمال - في فقدان الإمام لهذا الدور؛ إذ إنها تحملت تلك الأدوار، فالمحاكم ومؤذني الأنكحة يتولون عقود النكاح، والجمعيات الخيرية هي التي تتولى جمع وتوزيع الصدقات والزكاة، والجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن هي التي تقوم بتعليم الطلاب القرآن في المسجد وغير ذلك، إلا أن هذا لا يمنع إمام المسجد من المشاركة في تلك الأدوار كل بحسب قدرته.
أخيراً.. إن قيل ما قيل عن بعض الأئمة، أو كتب ما كتب من ملحوظات إلا أن هناك ولله الحمد أئمة مساجد وهم - إن شاء الله - الغالبية يقومون بأدوارهم ويستشعرون مسؤولياتهم نحو هذه الرسالة العظيمة - إمامة المسجد -، عرفوا أن المسجد مكان لأداء الصلوات والقيام بكثير من العبادات، وميدان للتربية والتعليم، وملتقى للأحباب والجيران، واستراحة من عناء وكد هذه الحياة: أرحنا بالصلاة يا بلال، عرفوا ذلك كله وغيره، فعرفهم المجتمع، فقدرهم وأعطاهم حقوقهم ومكانتهم التي يستحقونها، فلهم من الله عظيم الأجر، ولهم منا أصدق الدعاء، بأن يعينهم الله على أداء تلك الأمانة والمسؤولية، وألا يحرمهم الأجر والثواب.
حمد بن عبدالله القميزي - الخرج |