* فائز بن موسى البدراني الحربي:
يُعد الشيخ محمود بن علي بن عمرو الذي عاش في أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع الهجري أول من وصل إلينا ذكره من شيوخ قبيلة حرب الخولانية التي نزحت من اليمن في القرن الثاني الهجري واستقرت بين الحرمين الشريفين، ساعدها على ذلك تحالفها مع بعض أشراف الحجاز، وكذلك خروج شوكة القبائل الحجازية من منطقة الحرمين الشريفين للمشاركة في الفتوحات الإسلامية، ثم استقرارها في الأمصار الجديدة.
ويُعد مؤرخ اليمن ونسابتها لسان اليمن الحسن بن أحمد الهَمْداني (ت 340هـ تقريباً) أول من أسهب في ذكر أخبار الشيخ محمود في كتابه الإكليل.
قال الهمداني: (حدثني محمد بن إبراهيم بن إسماعيل المُحَابي، قد كان جاور في بني حرب بقدس ورضوى وينبع وتلك النواحي في سنة اثنين وعشرين وثلاث مئة، ونزل على محمد بن علي سيد بني حرب، وأقام عنده، قال: محمود بن علي بن عمرو بن جابر بن عمرو بن المسافر بن عمرو بن زياد...إلخ).
ثم قال أيضا عن الشيخ محمود في سنة 322هـ: (ولمحمود بن علي من الأولاد الأحياء: علي بن محمود، وجعفر بن محمود، وإبراهيم، وعطاء، وهو أحبهم إليه.. وعبدالله، ويعقوب، وعبدالرحمن، ويحيى، وأبو الحسين، ومحسن، ومهدي، وإسماعيل، ويوسف، وسليمان، وقاسم، وإسحق، بنو محمود).
ثم ذكر منهم أيضا نقلاً عن المحابي: (طراد بن محمود، ومحمد، وحسن، وحسين، وأحمد، بنو محمود، وعبدالأعلى، وعبدالعلي، والحسين، وعبدالرحمن، ولم يعقب الأخيران.
ولعلي بن محمود ولد يقال له الحسن.
ومن بقايا بنات محمود امرأة أبي جعفر بن إدريس الحسيني، وله منها موسى، سيد شريف يقاتل مع أخواله، وأخرى مع عبدالرحمن العُمرَي، من ولد عمر بن الخطاب، وأخرى أم بني موسى بن الحسن الحسيني العريضي، يعرفون بالعريضيين)(2).
كما ذكر أيضا أن بني حرب لما صارت إلى قدُس من الحجاز، وبها عنزة ومزينة، وبنو الحارث، وبنو مالك من سليم، ناصبتهم الحرب عنزة، ثم إن بني حرب نازعتهم على تلك المناطق، وأجلتهم عنها بعد عدة وقائع، ثم قال: (فهم بها إلى اليوم لا يدخلون الفرع إلاّ بجوار وذمام من بني حرب... إلخ ما ذكر)(3).
ثم قال أيضا: (وقد يُبْقي عليهم محمود - يقصد بني مالك من سُلَيْم-، لأن أمه جشمية من هوازن، فلما غلبت بنو حرب على تلك البلاد وقهرت، وتعلقت قريش بأصهارهم، وأسند إليهم كُلٌّ، وألقى أزمة أمره في أيديهم، وغلبوا على طريق المدينة إلى مكة فلم يسرها أحد منهم - أي من القبائل الأخرى - إلا بخفارتهم، وكان المقتدر بالله(4) يبعث إليهم طول حياته بالمال في خفارة الطريق، وإلى اليوم وهم على ذلك)(5).
كما ذكر الهمداني أيضا إشارة تاريخية مهمة تتعلق بالشيخ محمود سيد بني حرب وهي أن سلطان مكة ابن ملاحظ، خرج لقتال حرب وشيخها محمود بن عمرو فالتقوا في موضع يسمى شرف الأثاية، فتمكن الشيخ محمود وأتباعه من هزيمة الجيش المكي وأسر ابن ملاحظ، ثم مَنَّ عليه بعد أيام وأطلق سراحه (6).
وسلطان مكة المذكور هو محمد بن ملاحظ الذي تقلد إمارة مكة سنة 310هـ من قبل الصليحي صاحب اليمن(7).
كما وردت الإشارة إلى الشيخ محمود ووصفه بسيد بني حرب، عند مؤرخ آخر هو الأشعري القرطبي المتوفى سنة 463هـ، الذي قال ما نصه: (ومنهم أهل العِرْج، من ولد زياد بن سليمان بن الفاحش(8) بن حارث بن سعد بن سعد بن خولان، ومنهم محمود بن علي بن عمرو بن جابر بن عمرو بن مسافر بن عمرو بن زياد بن سليمان، ومنهم العُبَيْدليون بنو الخيار(9) بن زياد بن سليمان، ومنهم زبيد بن الخيار، وعددهم زهاء ثلاث مئة، سيدهم يحيى أبو الحسين الزبيدي)(10).
أقول: وحسب السياق التاريخي والجغرافي فإن الشيخ محمود بن علي بن عمرو هو الذي ينتسب إليه بنو محمود بن بني عمرو، أهل وادي الفرع، الذين بلغوا أوج شهرتهم وكثرتهم في القرن العاشر الهجري وما بعده.
وقد ورد الكثير من الإشارات الموثقة لانتساب عدد من قبائل بني عمرو المعاصرة إلى محمود بن عمرو في وثائق وادي الفرع، يضيق المجال عن استعراضها(11).
كما أشار الشيخ حمد الجاسر- رحمه الله- إلى ولد محمود من بني عمرو من مسروح من حرب في كتابه (معجم قبائل المملكة العربية السعودية)، (انظر: رسم محمود في القسم الثاني ص641).
وفي الختام فإن هذه إشارات مختصرة عن شخصية الشيخ محمود بن علي بن عمرو، أول شيخ لقبيلة حرب بعد نزولها في الحجاز تلك الشخصية التي لم تنل حقها من الشهرة والانتشار، مع أهمية مكانته ودوره التاريخي في نزول قبيلة حرب وانتشارها بين الحرمين الشريفين في أواخر القرن الثالث الهجري، وأوائل القرن الرابع.
والمرجح من السياق التاريخي أن الشيخ محمود توفي قبل سنة 340هـ.
1- مدير مركز حمد الجاسر الثقافي.
2- الإكليل، (ص 302) و(303).
3- المصدر السابق، (ص 304 - 305).
4- انظر: إفادة الأنام في تاريخ البلد الحرام، مخطوط بمكتبة الحرم المكي، رقم 145 تأليف الشيخ عبدالله غازي، مجلد4 ورقة (87).
5- المصدر السابق، (ص305 - 306).
6- الاكليل، مصدر سابق (304 - 305).
7- تاريخ الطبري، ج11 (ص 218 و227), والكامل في التاريخ، لابن الأثير ج8 (ص62).
8- ضبطه المحقق هنا بالحاء المهملة، وفي اللباب بالخاء المعجمة المنقوطة، واحدة من فوق.
9- ورد في الأصل: الجياد، وهي تصحيف للخيار.
10- التعريف في الأنساب والتنويه لذوي الأحساب، تأليف: أحمد بن محمد بن إبراهيم لاأشعري القرطبي، تحقيق د. سعد عبدالمقصود ظلام، دار المنار، القاهرة، (ص322).
11- انظر كتابنا: بعض الأعيان وأعلام القبائل في وثائق المملكة الشرعية بالمدينة المنورة.
|
"وَرّاق الجزيرة"