سعادة رئيس تحرير جريدة (الجزيرة) سلمه الله وبعد:
ورد في أحد أعداد الجزيرة عن مدير مكتب (الجزيرة) بالمدينة المنورة الأستاذ مروان عمر قصاص في صفحته (حدود الوطن) عن المدينة المنورة، وخاصة التوسعات التي طرأت على الحرم النبوي الشريف، وقد أغفل ما قدمه الملك سعود في هذا المجال وإنني أعلم يقيناً أن جريدتكم الغراء ترحب بكل ما يظهر التاريخ بصورة كاملة غير منقوصة وأنتم أول من دعا الباحثين والمثقفين للمشاركة في الندوة التي ستعقدها دارة الملك عبد العزيز عن الملك سعود ولتسمحوا لي أن أذكر قليلاً من كثير عن جهود الملك سعود في مجال توسعة الحرمين الشريفين
توسعة المسجد الحرام في عهد الملك سعود:
قال تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (آل عمران: آية 96). اهتم الملك سعود بتوسعة الحرمين الشريفين وقد كان من أولويات الأمور التي أعطاها رحمه الله اهتمامه.
وقد أقيم في عهده الملك سعود -رحمه الله- في تاريخ 23-8-1375هـ الموافق 1956 احتفال رسمي كبير وضع فيه حجر الأساس لأعمال توسعة المسجد الحرام.
وقد قال الملك سعود كلمته رحمه الله بهذه المناسبة ووضعه حجر الأساس لتوسعة المسجد الحرام في 24 شعبان 1375 الموافق 6 أبريل 1956
(باسمك اللهم نفتتح أعمالنا، ونسألك أن تكللها بالنجاح، ونشهد بك للصراط المستقيم، ونسترشدك بما يصلح حالنا ومآلنا، ونصلي ونسلم على نبينا محمد، أفضل الخلق، وأشرف المرسلين، وإمام المتقين، وآله وصحبه أجمعين، وباسم الله العزيز القدير أضع الحجر الأساسي لتوسعة المسجد الحرام، توسعة تتيح لعبادك المتعبدين فيه أداء عبادتهم في رفق وطمأنينة، وخشية وسكينة، راجياً بذلك رضاءك، وأسألك القبول والتوفيق لصالح الأعمال، وإتمام هذا العمل المبارك على أحسن حال، إنك على ما تشاء قدير.
ونقول كما قال نبي الله إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام: (ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم والحمد لله رب العالمين).
وكلفت لجنة عليا برئاسة الأمير فيصل ولي العهد للاشراف على المشروع وقد تمت توسعة شاملة لبيت الله الحرام وعمارته في ثلاث مراحل شملت إزالة المنشآت السكنية والتجارية التي كانت مجاورة للمسعى، وكذلك إزالة المباني التي كانت قريبة من المروة، وإنشاء طابق علوي للمسعى بارتفاع تسعة أمتار مع إقامة حائط طولي ذي اتجاهين، وتخصيص مسار مزدوج يستخدمه العجزة الذين يستعينون بالكراسي المتحركة في سعيهم مع إقامة حاجز في وسط المسعى يقسمه إلى قسمين لتيسير عملية السعي. كما أنشئ للحرم 16 بابًا في الجهة الشرقية (ناحية المسعى)، كما تمّ إنشاء درج ذي مسارين لكلّ من الصّفا والمروة؛ خصّص أحدهما للصّعود والآخر للهبوط. كما أنشئ مجرى بعرض خمسة أمتار وارتفاع يتراوح ما بين أربعة وستة أمتار لتحويل مجرى السّيل الذي كان يخترق المسعى ويتسرّب إلى داخل الحرم، كما تم توسعة منطقة المطاف على النّحو الذي هو عليه الآن، كما أقيمت السّلالم الحاليّة لبئر زمزم. وكان المطاف بشكله البيضاويّ يبدو وكأنّه عنق زجاجة؛ الأمر الذي كان سببًا في تزاحم الطّائفين حول الكعبة المشرّفة. وقد زال هذا الوضع بعد إجراء توسعة المطاف. كذلك جرت وفق هذه التّوسعة إزالة قبّة زمزم التي كان يستخدمها المؤذّنون الذين أنشئ لهم مبنى خاص على حدود المطاف إضافة لبعض التطويرات العديدة، وأصبحت مساحة مسطحات المسجد الحرام بعد هذه التوسعة 193000 متر مربع بعد أن كانت 29127 مترًا مربعًا؛ أي بزيادة قدرها 131041 مترًا مربعًا. وأصبح الحرم المكي يتسع لحوالي 400000 مصلٍ، وشملت هذه التوسعة ترميم الكعبة المشرفة وتوسعة المطاف وتجديد مقام إبراهيم عليه السلام.
توسعة المسجد النبوي
تزامنت توسعة الحرم النبوي الشريف مع الحرم المكي في عهد الملك حيث أحضر جلالته رحمه الله المهندسين والرسامين والفنيين لوضع الخرائط اللازمة للعمارة والتوسعة وقد تمت إزالة الأروقة الثلاثة بصحن المسجد الشرقي والغربي والشمالي وبقي الرواق الجنوبي. وبلغت مساحة التوسعة 6024 متراً مربعاً بينما كانت المساحة الكلية للمسجد النبوي قبل هذه التوسعة 10303 أمتار مربعة وأصبحت بعد هذه التوسعة 16327 مترأ مربعاً وجلب لهذا العمل الجليل المهندسون والفنيون والاداريون والمحاسبون والعاملون كما جلبت الآلات والمعدات الحديثة وأنشئ مكتب خاص لإدارة هذا العمل والإشراف عليه. ويمكن رصد أعمال هذه التوسعة وتواريخها في التقاط التالية:
- في 13 ربيع الأول عام 1372هـ وضع جلالة الملك سعود رحمه الله وقد كان ولياً للعهد آنذاك حجر الأساس بيده الكريمة.
- في 11 شعبان 1372هـ بدئ في حفر الأساسات في الجهة الغربية.
- في شهر ربيع الأول عام 1373هـ بدأ جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز وكان لا يزال ولياً للعهد بيده عمارة المسجد فوضع أربعة أحجار في إحدى زوايا الجدار الغربي تأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم وقد كتب على هذه الحجارة تاريخ بنائها.
- افتتح الملك سعود رحمه الله التوسعة في شهر ربيع الأول 1375هـ بحضور وفود من البلاد العربية والإسلامية وعدد من العلماء والوزراء في مهرجان عظيم أقيم في الجهة الغربية من المسجد النبوي الشريف حيث افتتح بيده الكريمة الباب السعودي للمسجد النبوي ودخل ومعه جميع الوفود حيث اطلعوا على عظمة العمارة الجديدة وفخامتها ومتانتها تلك العمارة التي أمر بها الملك عبدالعزيز وقد كانت موضع اهتمام ورعاية الملك سعود.
خطاب الملك سعود بالمدينة المنورة بمناسبة
الانتهاء من عمارة المسجد النبوي الشريف
(11 ربيع الأول 1375 الموافق 28 أكتوبر 1955)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على محمد عبده ورسوله، النور الهادي، وناشر لواء الحق والعدل، والسلام على آله وصحبه، ومن سلك سبيله، ونهج نهجه.
أيها الإخوان، أحييكم خير تحية، وأشكر الله على أن أتاح هذه الفرصة السعيدة التي جمعتنا في خير بقعة، وأفضل مدينة بعد بيت الله الحرام
أيها الإخوان، إن مدينة الرسول، صلى الله عليه وسلم، لها في نفوسنا من الحب والحرمة ما لا تقوى عوادي الدهر على النيل منه، فهو حب متصل بالعقيدة والروح، والعقيدة أعز وأقوى ما يملكه الإنسان، لقد اشتد ساعد الإسلام، وانتشر في سائر الآفاق من هذه المدينة المنورة.
يعلم الله ما أصابنا من هلع، حينما بلغ والدي المرحوم أن بعض الأعمدة قد أصابها الوهن، فبادر لساعته باستدعاء الخبراء من المسلمين؛ لبحث الأمر، واستئصاله من جذوره، وكان لي الشرف بوضع الحجر الأساسي، ولقد رأيت، بعد أن توطدت الأمور لديَّ، أن يتسع المسجد؛ ليسع أكبر عدد من المصلين والزائرين، وأحمد الله أن تم كل شيء في عهدي، ويكون لي الشرف العظيم بافتتاحه اليوم بحضور هذا الجمع الذي يمثل المسلمين من مختلف الجهات، وإنه ليضاعف غبطتي وسروري حضور رجال الدين من سائر الأقطار، ومن يمن الطالع أن صادف تاريخ الانتهاء من هذه العمارة والاحتفال بها تاريخ هجرته، صلى الله عليه وسلم، إلى مدينته هذه في شهر ربيع الأول، وإني أنتهز هذه المناسبة السعيدة فأزف إلى العالم الإسلامي نبأ مشروعنا في توسعة المسجد الحرام في مكة المكرمة، على هذا التنسيق الجميل وقد ألفت لجنة للإشراف الدائم على تنفيذ هذا المشروع، الذي يهمنا ويهم العالم الإسلامي أجمع، وأسأل الله أن يسدد خطانا في خدمة ديننا، والنهوض ببلادنا إلى المستوى اللائق بمركزها في هذا العالم، إنه سميع مجيب..
وهكذا كان رحمه الله مثل والده الملك عبدالعزيز متحمساً لخدمة الحرمين الشريفين، وجهود الملك سعود بن عبدالعزيز كبيرة وجبارة في هذا المجال وغيره من المجالات التي رسمت صورة المواطن السعودي المتحضر.
علي عثمان عثمان الزندي |