سعادة رئيس تحرير جريدة الجزيرة الأستاذ خالد المالك - حفظه الله -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
فقد كنت متابعاً لما دار على صفحات عزيزتي الجزيرة حول الغناء والموسيقى .. وعليه فإنني أقول وبالله التوفيق: لا شك أنّ علماءنا الأفاضل - حفظهم الله - على القول بتحريم الأغاني .. ويفتون بذلك ولهم منا كلّ التقدير والتبجيل .. ولكن هنالك قول آخر في هذه المسألة بالإباحة .. ومن باب عدم كتم العلم فإنّه يحسن الإشارة إليه وتوضيحه .. هذا الاجتهاد يقول:
إنّ الغناء والموسيقى ما هي إلاّ أصوات جميلة حسنها حسن وقبيحها قبيح .. مثلها مثل غيرها من الأصوات، فالأصل فيها الإباحة وإنّما تدخلها الحرمة من جانبين:
الأول: التوظيف: وهو أن توظّف في الصد عن سبيل الله، وكما كان يفعل النصر بن الحارث عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن عند الكعبة ويعلِّم الناس مبادئ الإسلام، فتارة يأخذ بقراءة حكايات التاريخ .. وتارة يرسل المغنيات حول الحرم ثم يدعو الناس قائلاً هلموا إلي لتسمعوا حديثاً خيراً من حديثه - والعياذ بالله -، وذلك ليبعدهم عن سماع القرآن الكريم وليضلهم عن سبيل الله. ومن هنا جاء تفسير الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}لقمان بأنّه الغناء.
الثاني: المصاحبة: وهو أن يصحب الغناء شيء من المحرمات كالخمر والاختلاط .. يقول الإمام ابن حزم الظاهري في كتابه المحلى عن الأحاديث الواردة في هذا الباب (جميع ما ورد في هذا الباب فباطل موضوع ..)ويقول الإمام الشوكاني: (إنّ السماع بآلة من مواطن الخلاف بين أئمة العلم، ومن المسائل التي لا ينبغي التشديد في النكير على فاعلها ..) .. نيل الأوطار للشوكاني.
ويقول الشيخ علي الطنطاوي في كتابه الفتاوى (وفي نيل الأوطار وفي إحياء علوم الدين كلام في الموضوع معروف، وفي أحكام القرآن لابن العربي أن الرخصة في الأعراس ليست مقصورة على الدف بل تشمل جميع آلات الطرب).
ويقول الشيخ محمد بن طاهر المقدسي (إنّه لا فرق بين سماع الأوتار، وسماع صوت البلبل الهزار).ويقول الشوكاني في كتابه إبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع (وكان ممن أباح الغناء مع المعازف عبدالله بن جعفر وابن عمر)، وقال إمام الحرمين في النهاية (إنّ ابن الزبير كان له جوار يعزفن على العود). وفي إيضاح الدلالات في سماع الآلات للنابلسي (أما عبدالله بن الزبير فنقل أبو طالب المكي أنه كان يسمع الغناء). وفي نيل الأوطار للشوكاني (أن هناك أكثر من ثمانية عشر صحابياً كانوا يشترون الجواري ممن يحسنّ الغناء على الآلات).
وقال الشيخ عبدالله العنزي في كتابه - الغناء والموسيقى في ميزان الإسلام - (لا إجماع على تحريمها، إنّما هي دعوى ادعتها طائفة، وردّدتها النقول الثابتة بالرأي الآخر، ولا نص فيها من القرآن إلاّ من أراد أن يحمل نصوص القرآن ما لا تحتمل، وفسّرها بغير ما تقتضيه أصول النظر ..).
- فتوى الشيخ محمد أبو زهرة: (بالنسبة للغناء إذا لم يكن فيه ما يثير الغرائز الجنسية، فإنّنا لا نرى موجباً لتحريمه، ومثل ذلك الموسيقى، ونجد أنّه لما دخل الغناء الفارسي بالألحان في عهد التابعين كانوا فريقين:
فريق يميل إلى الاستماع ولا يجد فيه ما يمس الدين كالحسن البصري. وفريق لا يميل إليه، ويجده منافياً للزهادة والورع كالشعبي )
- فتوى الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه الحلال والحرام تحت عنوان الغناء والموسيقى.(ومن اللهو الذي تستريح إليه النفوس، وتطرب له القلوب وتنعم به الآذان الغناء، ولا بأس بأن تصحبه الموسيقى).هذا هو ملخّص القول الثاني في الغناء والموسيقى، ولا يعني إيراده الدعوة إلى السماع أو الانخراط في هذا المجال، وإنّما المقصود هو التعريف بذلك، وبيان أنّ في الأمر سعة .. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
حمود بن عبد العزيز المزيني/المجمعة |