* جدة - راشد الزهراني:
انتشار سماسرة المخططات العشوائية على امتداد ضواحي محافظة جدة والتي راح ضحيتها العديد من المواطنين البسطاء من ذوي الدخل المحدود فمجرد إعلان في صحيفة عن مخطط للبيع تجد التسابق الغريب لا سيما الأسعار التي لا تتجاوز الـ 6000 ريال لقطعة أرض مساحتها 900 متر مربع دون التأكد من وجود صكوك تملك شرعية وإنما وثائق موقعة من قبل السمسار، وبعد فترة وجيزة تصحو لجنة التعديات والبلدية فتقوم بواجبها بعد ان طارت الطيور بأرزاق العباد ليدخل المواطن في (دوامة القانون لا يحمي المغفلين) وفي الجانب الآخر من النصب والتحايل العقاري هناك مخططات معتمدة ومطبقة على قشرة أرضية من النفايات والآبار والمقابر وبعضها على أكوام من السيارات (الخردة).
(الجزيرة) قامت بجولة في بعض هذه المخططات لكشف الستار للجهات المعنية والعمل على معالجة القضية ومكافحة هذا الغش.
في البداية التقينا بالمواطن علي المالكي حيث يقول: لقد قرأت في إحدى الصحف المحلية إعلاناً عن وجود أراض في مخطط جنوب محافظة جدة يدعى الناصرية وأن الأسعار تبدأ من 6000 ريال للقطعة التي مساحتها 900م2 وعندما زرت الموقع رأيت المخطط وقد تم ترصيفه ووضع البتر، والناس هناك يشترون ويبيعون وعندما سألتهم عن صكوك المخطط أفادوني بأن الأوراق في كتابة العدل قيد الاستخراج ولو استخرج الصك سوف ترتفع الأراضي إلى حدود الـ 100 ألف ريال للقطعة فصدقتهم وقمت ببيع جميع أسهمي التي لا أملك سواها واشتريت 6 قطع وأخذت عليها وثيقة شراء مختومة من المكتب الذي في الموقع، وبعد شهر من الشراء جاءت البلدية ولجنة التعديات ومسحت المخطط وأفادونا بأن هذا المخطط أرض بيضاء ليست لأحد، وعلينا أن نرجع نقودنا من صاحب المخطط الذي لا نعرف عنه شيئاً بعد هذه الحادثة ونحن الآن في حيرة من الأمر لا نعرف من نشتكي ومن المسؤول عن هذا النصب صاحب المخطط الذي ضحك على الناس أم هذه الصحيفة التي همها كسب المادة ولو خالفت انظمة وزارة التجارة في وضع الإعلانات التجارية في نشرها للإعلان دون النظر أو التأكد من وجود صك تملك المخطط ولماذا لا تتدخل الجهات المعنية والمختصة لفك ذلك النزاع وحماية هذا المواطن البسيط الذي يسعى للحصول على أرض لبناء مسكن يستر أسرته فهذا حالي وهناك حالات قد تكون أصعب مني في ظروفهم المادية.
أما بخيت الجهني فيقول: إنني اشتريت قطعة أرض بوثيقة مكتوب عليها اسم شخصية معروفة يقول: عندما علمت بهذا المخطط وعلمت بأن هذه الشخصية هي صاحبة المخطط اشتريت وأنا واثق وقد أفادني المشرفون على البيع هناك في المخطط بأن صاحب المخطط يحميك من جميع الأطراف وهذا زادني ثقة واشتريت وقد روجت عن هذا المخطط عند أقاربي وجماعتي وأصدقائي أريد لهم الخير لا سيما واعتبرت هذه صيدة العمر وقد اشترى منهم من اشترى ومنهم من اقترض من البنك حتى نساء من جماعتي اشتروا بثمن حليهم من الذهب والفضة في سبيل الشراء وما هي إلا أيام ونسمع عن مداهمة الأمانة بوجود لجنة من الشرطة والإمارة لمسح المخطط وأما نحن فذهبت أموالنا أدراج الرياح.
أما صالح البطحي فله قصة غريبة مع هذه المخططات حيث قال: عندما اشتريت أرضاً بنظام الأقساط وقد مكثت في السداد قرابة 5 سنوات وبعد ان انتهيت من السداد جاء مشروع البناء وكنت أحلم بمنزل وقلت جاء الفرج (أموت وأنا مطمئن على أسرتي داخل هذا المنزل) وعند حفر الأرض لوضع قواعد الأساسات وإذ بي أكتشف بئراً عميقة تتوسط الأرضية وقد أخبرني المهندس بأن البناء على هذه البئر يكلف الكثير من الأموال لا سيما عمقها واتساع فتحتها فقمت بردمها وعرضتها للبيع وكنت مراعياً ضميري في البيع حتى لا أغش أحداً، فبعد محاولتي إرجاعها رفض صاحب المكتب إرجاعها بحجة عدم علمه بها رضيت بالقدر وبعتها على مواطن آخر بعد ان أخبرته بعيوبها فاشتراها بسعر أقل بكثير من سعرها، وبعد فترة عوضني الله بأرض اشتريتها والآن أنا في طور الانتهاء من مشروع البناء، ويضيف البطحي أنه سبق أن تعرض لخداع السماسرة ولكن إرادة الله أنقذته وذلك عندما أراد شراء أرض في أحد المخططات على حدود النطاق العمراني وجد ضمن تقسيمة الاراضي في هذا المخطط عدد 8 قطع من الأراضي تم تطبيقها فوق مقابر للمسلمين ومرقمة ضمن الكروكي بأنها أراض سكنية للبيع وكنت قد دفعت عربون الشراء ولكن عندما زرتها وأتيت بمهندس معماري ليكشف صلاحية الارض للبناء حتى لا أوقع في فخ السماسرة ومع الكشف وجد المهندس أن هذه الارض والاراضي التي بجوارها كأنها مقابر وقد سألنا اناساً يسكنون بقرب هذا المخطط فأفادونا بأن هذه الاراضي الـ 8 كانت مقابر لقبيلة تدعى الجحادلة كانوا يسكنونها من قبل وقد أبلغنا مدير فرع وزارة الشؤون الاسلامية بها وقاموا مشكورين بتسويرها ومخاطبة صاحب المخطط بتعويض ملاكها بأراض غيرها أو إرجاع أموالهم فأخذت العربون ورحلت.
وأذكر صديقاً لي اشترى أرضاً وعندما أراد البناء اكتشف أنها ردمية وأنها على أكوام من السيارات القديمة قاموا بتدقيقه آلياً ودفنوها ووضعوا التربة عليها والمشكلة ان المخطط مرخص من البلدية ومعتمد برقم وتاريخ وهذا دليل لعدم الدقة في العمل وعدم مراعاة حقوق الناس من قبل الأمانة وخاصة المهندس المسؤول عن هذه المخططات الذي يكتفي بالتوقيع على اعتمادها من مكتبه دون خروج اللجنة للاطلاع على هذا المخطط والوقوف على أرض الواقع أو وضع آلية تحمي هذا المواطن من النصب والتحايل.
وفي أحد المخططات النموذجية التقينا بالمواطن عادل باكراع يقول انه اشترى أرضاً قبل 10 سنوات وبعد أن بنى فيها فلته التي خسَّرته أكثر من مليوني ريال وبعد أن أسندت ظهري لأستريح من أعباء المشروع وإذا بهذا الرجل يأتي يطرق بابي يطالبني بهدم الفلة لأنها واقعة فوق أرضه، واكتشفت أن هذه الارض يملكها شخصان أنا وهذا الرجل ولم يسعه إلا ان ذهب إلى المحكمة ورفع قضية مطالبة ضدي وعند الجلسة اتضح أن تاريخ استخراج صكه أقدم من تاريخ استخراج صكي ولكن كل صك صادر من جهة أنا من كتابة عدل وهذا من المحكمة وقد حكم الشيخ بأن أرجع له الأرض أو أعوضه بقيمتها رغم اني قبل البدء في المشروع قمت باستخراج تصريح بناء من البلدية وهذا دليل صلاحية الصك وأنا الآن عاجز عن دفع ريال واحد فمن يتحمل هذه الأخطاء وصاحب المخطط يمارس التحايل والنصب على عباد الله.
وفي الجانب الآخر من هذا المخطط وجدنا نساء مجتمعات يردن الإدلاء بشكاويهن فعندما سمعن بحضور جريدة الجزيزة إلى الموقع والالتقاء بالمواطنين هناك أخذوها فرصة للمشاركة في القضية، تقول إحداهن: نحن نساء بعضنا مطلقات وأخريات أرامل ونساء أيتام وكل تسبح في ظروفها القاسية والصعبة ولم نجد باباً إلا وطرقناه فنحن مجموعة من النساء اشترينا في هذا المخطط من قبل 25 سنة بنظام الأقساط وبعد الانتهاء من كامل السداد أخذ صاحب المخطط يماطلنا ويلعب علينا وكنا ندعو الله أن ينصرنا عليه وبالفعل أصابه الله بمرض في جسده أقعده السرير في إحدى المستشفيات لفترة طويلة حتى مات، وجاء أبناؤه من بعده بالطمع والجشع والغريب أننا استخرجنا صكوكاً بالحكم على صاحب المخطط بالافراغ الفوري وقد تولى موضوع الافراغ أكبر أبناء صاحب المخطط بموجب وكالة من الورثة، الحقوق المدنية (تهدينا) بقولها ما زال البحث جارياً للقبض على وكيل ورثة صاحب المخطط ولهم الآن أكثر من 25 سنة ونحن في انتظار الافراغ رغم ان هناك من الأحكام صادرة من المحكمة ولكن لم تنفذ ضد صاحب المخطط.
أما حليمة الزبيدي تقول: أنا امرأة توفي زوجي وترك لي 9 من الأبناء ما بين بنات وأولاد وحيلتنا في هذه الحياة هي هذه الأرض التي نحلم كل يوم متى يصدر صكها رغم الانتظار الذي طال لأكثر من 27 سنة وما أخافه أن أموت حسرة على هذا الضياع ولم أتوقع أن يكون مثل هذا الحال التلاعب وهضم حقوق الآخرين، فمن هنا يا جريدة الجزيرة أناشد خادم الحرمين وأناشد وزير العدل باتخاذ القرارات العاجلة في سبيل إرجاع حقوق الناس التي أخذت دون وجة حق.
(الجزيرة) اتصلت بابن صاحب المخطط الوكيل عن الورثة وأفادنا بأن الأمر في طور التحسين وأنهم وقعوا في شر سماسرة العقار وسوف يبرون ذمة والدهم المتوفى وقال ما هي إلا مسألة وقت وسوف تعاد للناس حقوقهم والافراغ الفوري وذلك من خلال مكتب وضعناه وسوف يعلن عنه قريباً ان شاء الله، وعن الافراغات فسوف يتم العمل عليها ولكن بعد التأكد من وثائق العقود التي معهم حيث أغلبهم يحملون صورة فقط من الوثائق وهؤلاء لهم إجراءات أخرى.
تمادوا في التلاعب
الأستاذ علي العدواني خبير عقاري قال: إن سماسرة العقارات لم يجدوا الرادع من جهات رسمية وإلا لما تمادوا في مثل هذه الأعمال لذا يجب التدخل من قبل الجهات المختصة لوقف هذه المشاكل وأيضاً أنصح هؤلاء المواطنين بأخذ الحذر والمشورة قبل الإقبال على الشراء والتأكد من وجود صك الملكية حتى لا يكون ضحية هؤلاء المتلاعبين.
ومن جانبة عرضنا القضية على المهندس طارق لنفون رئيس قسم المنح والمخططات بأمانة محافظة جدة حيث قال: إن وضع المخططات في السابق لم يخضع لأنظمة أو مراقبة ولكن كان ترتيب المخطط وترصيفه حسب صاحب المخطط لتسويقه وأغلب المخططات القديمة دون ترصيف أو إنارة بعكس المخططات الجديدة التي من ضمن الموافقة على اعتماد المخطط أن يكون مرصوفاً ووضع أعمدة الإنارة وعن وجود بعض النفايات أو آلات الحديد من السيارات وخلافه فهذا من النادر جداً وقد تكون هذه الأفعال بعض استخراج تصريح اعتماد المخطط فأنا أرى أن يحرص المواطن كثيراً عند شراء أرض في أي مكان وموقع بأن يتأكد من وجود صك التملك الشرعي وأيضاً وضع الأرض من حيث صلاحيتها للبناء حتى لا يقع في فخ السماسرة.
خالد الجابري وكيل أحد أصحاب هذه المخططات العشوائية يقول إن الوضع بحاجة إلى تدخل عاجل من قبل الجهات المعنية من وزارة العدل ومن المحكمة والحقوق المدنية وهيئة التحقيق والادعاء العام للوقوف على أرض الواقع وحل مشاكل هؤلاء المواطنين ومكافحة النصب والاحتيال وهضم حقوق المواطن بدون وجه حق، فهناك من الأحكام الصادرة من المحكمة لم تنفذ بحق صاحب المخطط كما أن وضع الجلسات مرهق لا سيما طول الانتظار من جلسة إلى جلسة أخرى في مدة زمنية لا تقل عن شهر ونصف، وأذكر لكم نموذجاً حدث عندي في المكتب جاءتني امرأة أرملة تشتكي من صاحبنا صاحب المخطط الذي أنا وكيله فكانت تترجاه بأن يقوم بإفراغ قطعة الأرض التي اشترتها منذ زمن وكان يصرفها بعد شهر بعد شهرين بعد رمضان بعد الحج والمؤسف انها تحمل معها صك حكم صادر من المحكمة للحقوق المدنية بتنفيذ الإفراغ ومع هذا يماطلها، وفي ويوم من الأيام (زهقت) هذه السيدة وأصيبت بهستيريا وحالة اكتئاب غريبة كنت أجن من منظرها وهي تصرخ بصوت عال: حرام عليكم يانصابين يا يا يا يا وأنا أحاول تهدئتها ولكن دون جدوى حتى تلفت أعصابها وفقدت سيطرتها وخلعت عباءتها والنقاب وأخذت تجول في الشارع وهي تمشي وتفسخ في ملابسها من الظلم الذي لحقها، وأنا أعرف ظروفها وحالتها المادية فهذه أم لخمس من البنات واحدة منهن معاقة ويعيشون على صدقات الناس وهذه القطعة التي يسعون الى استخراج صكها هي أساساً لزوجها الذي توفي وهو يسعى وراء الإفراغ.
وهناك سماسرة أعرفهم همهم في الحياة جمع المال والتحايل على خلق الله فكما يقول المثل (من أمن العقوبة أساء الأدب) وكنت أجلس في مجلسهم وهم يخططون لأماكن ويقسمون الأعمال بينهم، واحد يمسح الموقع بالشيول وآخر يخططها بوضع البتر وآخر عليه الترصيف ثم الإعلان في إحدى الصحف المحلية فيأتي المساكين من الناس من ذوي الدخل المحدود يتسابقون في الشراء.
وأيضاً لعلها فرصة أطالب الجهات المسؤوله في الأمانة بعمل جولات على المخططات جنوب جدة لتشاهد هذه المخططات وهي تدفع على النفايات فليس من الأمانة أن يراقب المسؤول عمله من خلال مكتبه.
المستشار القانوني والمحامي الأستاذ عبد العزيز النقلي يعلق على القضية بقوله: إن القضية بحاجة إلى حزم وجدية من قبل الجهات المسؤولة حتى يرفع الظلم عن هؤلاء، وأيضاً الضرب بيد من حديد على هؤلاء الذين يتحايلون على الناس بالكذب والافتراء وأكل مال اليتم بالباطل، وأيضاً أناشد بأن تدعم إدارة الحقوق المدنية بقاض تنفيذي لمتابعة تنفيذ الأحكام الصادرة، وهذا لن يكون إلا بوجود قاضي تنفيذ.
وأنصح هؤلاء المواطنين بعدم الانسياق خلف هذه الأراضي الوهمية وحتى إذا كانت رخيصة الثمن وحتى إذا استطعت شراءها وتصريفها أي بيعها فأنت سوف تدخل في الحرام بالضحك على إخوانك المسلمين.
|