Al Jazirah NewsPaper Monday  30/10/2006G Issue 12450مقـالاتالأثنين 08 شوال 1427 هـ  30 أكتوبر2006 م   العدد  12450
رأي الجزيرة
الصفحة الرئيسية

الأولى

محليــات

الاقتصادية

الريـاضيـة

مقـالات

قضايا عربية
  في الصحافة العبرية

مزاين الإبل

دوليات

متابعة

منوعـات

نوافذ تسويقية

تغطية خاصة

الرأي

عزيزتـي الجزيرة

الطبية

مدارات شعبية

زمان الجزيرة

الأخيــرة

رؤية الهلال...مطارحة معرفية (إبستمولوجية)
د.عبدالله البريدي

تثور موجات من النقاش حول مسألة رؤية الهلال كل عام، غير أننا شهدنا هذا العام احتداماً في التطارح وتعاطياً أوسع شمل بعض العلماء الشرعيين والفلكيين والمثقفين، ولما كان لدي بعض التأملات المعرفية (الإبستمولوجية)، رأيت أن طرحها قد يكون مفيداً في منهجة الحوار -أي جعله منهجيا- وعقلنة النقاش، ولاسيما أن البعد المعرفي مغيب إلى حد كبير في مشاهد لا يسوغ فيها أن يتغيب أو يحيد، ومما ساءني كثيراً الاتهام المباشر والمبطن من قبل بعض المثقفين والكتاب لكل من يغلب جانب الرؤية بالعين المجردة بأنه معادٍ للعلم الحديث ومجاف للمنهجية، ولاسيما أن بعض تلك الاتهامات تتدعي الصدور باسم العلم والجلد بسوطه، والمشكلة أن أغلب تلك الاتهامات صادرة ممن درس أو تعرض لفلسفة العلوم وأطرها المعرفية التي تؤسس الطرائق المنهجية للعلوم الحديثة وفق المنظور الغربي، والحقيقة أن ما قرروه مخالف للسائد من أدبيات تلك الفلسفة، وعلى هذا فنقول لهم: على رسلكم! ففلسفة العلم الحديث لا تمنحكم حق التهجم على الآخرين ورميهم بعدم العلمية!
كما ساءني في الوقت نفسه ما انتهجه بعض الشرعيين في الحوار حين عمدوا إلى اتهام من يطالب بالمدخل الفلكي في إثبات الرؤية بأنهم مخالفون للسنّة ونحو ذلك (سوط الدين)، مع استخدام بعضهم ل(سوط السلطة) بالإشارة إلى ما قد يحدثه ذلك -حسب تقديرهم- من بلبلة أو فتنة أو تشويش، والحقيقة أنه لا حق لهم ألبتة باستخدام ذلكما السوطين في وجه من يناقش رأياً يسع فيه التطارح والأخذ والعطاء، وكارثة فكرية أن نلوّح بالخروج عن جادة الحق أو بإثارة الفتنة عند كل نقاش مستساغ، والسوط الأول -سوط العلم- هو ما يهمني التركيز عليه ولن أطيل في تبيان هذا الموضوع وخلفياته الفلسفية، بل سأكون مباشراً ومختصراً.
وحيال مسألة رؤية الهلال، خلصت إلى نتيجة أحسب أنها سهلة ومباشرة، وهي تتسم بالمنطقية التلقائية، وهي أن رؤية الهلال بالعين المجردة - بالشروط المنصوص عليها حول الرائي والرؤية - نتيجة يقينية، فالعين ترصد ما تراه بكل حياد، أما العلم البشري -ومنه الفلك- فنتائجه ظنية وليست بقينية، وهذا ما تقرره فلسفة العلوم التي منحت علم الفلك جواز التنقل بين حدود النظريات والفرضيات وتقليب النظر في المسائل والإشكاليات الفلكية، بل إنني أعتقد بصوابية من يخطئ الحسابات الفكلية الظنية حال تعارضها مع اليقين وهو الإبصار اليقيني، وليس العكس، فالظن لا يغني من الحق شيئاً، والحقيقة إن إقامة الدليل المقنع على تلك النتيجة أمراً ليس هيناً، غير أنني سأسعى لتحقيقه ما استطعت مستخدماً المدخل المعرفي بخطوط عريضة.
جعل النبي صلى الله عليه وسلم الرؤية بالعين المجردة (سبيلاً منهجياً) إلى الوصول إلى نتيجة خطيرة، يتعلق بها إقامة شعيرة الصيام، وهذا يفيد في رأيي أن تلك النتيجة -بضوابطها الفقهية- يقينية وليست بظنية، أي أن المعايير الشرعية علمية المنهج يقينية النتائج سهلة التطبيق كمعايير أو علامات دخول أوقات الصلاة، وثمة أمور كثيرة تدعم هذا الرأي، ومنها أن الشرع الحنيف رتّب النتيجة (صوم رمضان) على طريقة منهجية موحدة -الرؤية بالعين- أو الإتمام حال تعذر رؤيته، وتلك الطريقة يفترض أنها لا تتغير من زمن (يجهل) فيه الناس الحسابات الفلكية إلى آخر (يتقنون) فيه تلك الحسابات!
هذا أمر منطقي للغاية، ولو لم يكن الأمر كذلك، فلماذا لم يدع النبي المعصوم أمته إلى تعلم الحسابات الفلكية للظفر بنتائج أصح أو أدق، بل إن الأحاديث لا تشي بأي تطلع أو تشوف للاعتماد على الحسابات، وهذه قضية تدعم القول بيقنية النتيجة التي تحدث من جراء حاسة العين.
قد لا يقتنع البعض بهذا التحليل، وهذا أمر ممكن، مما يجعلنا نتحول إلى المدخل المعرفي الذي قام عليه العلم الحديث ومنه الفلك، ولنجعل ذلك في عدة مسائل محورية.
المسألة الأولى: أنه لا اتفاق حول ماهية العلم وحده، فلسنا نتوفر على تعريف يفرق بين ما هو علم وما هو ليس بعلم، وهب أننا تجاوزنا هذه الإشكالية، فليس صحيحاً أن نسلّم بأن كل ما يتصل بعلم محدد من الموضوعات الجزئية أو المسائل التفصيلية هو علم، حيث يداخل العلم مسائل تبقى في منطقة الظنيات أو الفرضيات، وهذا ينطبق على المسائل التفصيلية في علم الفلك ومن أهمها في نظري الحسابات الفلكية، ويعني هذا أننا نجابه بإشكالية حدود ذلك العلم على المستوى الكلي والجزئي، ولكنه التعصب أو التحيز المعرفي الذي ينشأ عادة لدى المتخصص -وهم الفلكيون هنا-، ومما يحسن ذكره في هذا المعنى أن أحد كبار العلماء المعاصرين (ريتشارد فريدمان) وهو ممن حصلوا على جائزة نوبل في الفيزياء سنة 1966م يصرح بغموض مفهوم العلم ومعناه فيقول: اشتغلت بالعلم طوال حياتي عارفاً تماماً ما هو, ولكن الإجابة عن السؤال: ما هو العلم? هو الأمر الذي أشعر أني عاجز عنه!
أما المسألة الثانية فهي أن العلم الحديث يستهدف تحقيق أربعة من الأهداف: أن يصف الظاهرة (الحادثة)، ويفسرها بارجاعها إلى عللها وأسبابها، ويتنبأ بالظواهر (المستقبلية)، وأن يجعلنا قادرين على التحكم بالظواهر.
والمسألة الثالثة أن العلم الحديث -كما تقرره فلسفة العلوم الغربية ذاتها- لم يعد قادراً على الوصول إلى حقائق مطلقة أو حتى منتظمة، فظهرت النسبية المطلقة وفشت بين فلاسفة العلم وصنّاعه، كما تم وضع (نظرية الفوضى) والتي تقرر - ضمن نتائجها المهمة- بأن مسألة التوقع أو التنبؤ عملية يشوبها قدر كبير من التعقيد والصعوبة مما يوجب على العلم البشري أن يتواضع فلا يجزم بنتائجه وتوقعاته ومن ذلك ما يتعلق بالمسارات الزمنية، فكيف نجد مسوغاً فلسفياً أو تبريراً منهجياً لمن يتهم بعدم العلمية كل من يشكك بالحسابات الفلكية التي لم تزل مجرد أرقام واجتهادات مبدئية يشوبها الاختلاف والتعارض بين الفلكيين، فكيف نغلّب الظني على اليقني.
وأذكر في هذا السياق مقولة مشهورة لأحد المفكرين الغربيين، يقول فيها بأن أسوأ أنواع الكذب ثلاثة هي: الكذب ثم الكذب الرخيص ثم الإحصاء (وفي الإحصاء شبه بحسابات الفلكيين)!
المسألة الرابعة وتتعلق بماذا نقصد باليقين في رؤية الهلال وكيف يتحقق. ومن الذي صنع منهجية العلم الحديث؟، ليس ثمة غير الإنسان، أليس كذلك؟، وقد صنع المنهجية له بغية أن يقوده إلى اليقين أو ما يشبهه، فكيف يمكن لنا أن نتقبل فلسفياً أن يصل العلم الذي شكلناه بأيدينا إلى ما يعارض ما نلمسه ونحسه بها، هذا محال، فكيف يراد لنا أن نزهق حقيقة تراها العيون لمجرد حسابات قد نكون مخطئين في صياغة معادلاتها الرياضية الأساسية أو مخطئين في تغذيتها بالبيانات أو في طريقة الحساب أو في تغييب بعض العوامل المهمة التي لو أُدخلت في المعادلة لربما غيّرت النتائج وقلبت الأمور رأساً على عقب.
المسألة الخامسة وتتعلق بالإشارة إلى انتفاء العوامل التي قد تؤدي إلى خداع الحواس أثناء عملية الرؤية نظراً لإيجاد الفقه الإسلامي لحزمة من الضوابط المنهجية للرؤية المعتبرة، تتضمن ضوابط حول عملية الرؤية وأخرى حول الرائي، وهذه تحوطات منهجية عجيبة، وهي تناظر إلى حد كبير ما نطلق عليه -في مصطلحات المنهجية الحديثة- الصحة الداخلية والصحة الخارجية Internal and External Validity ، فالأولى تضمن الصحة المنهجية في العملية البحثية والإجرائية نفسها والأخرى تتعلق بمدى إمكانية تعميم النتائج.
وثمة مسألة سادسة تتمحور حول إشكالية لم أجد لها تفسيراً شاملاً مقنعاًً فيما قرأته وهي أسباب عدم التطابق في رؤية الهلال بين المتراءين للهلال بالعين المجردة والمراصد الفلكية، فهل يعود هذا إلى المترائي أم إلى المرصد؛ سواء من حيث زمن الرصد أو مكانه أم أن ذلك يعود إلى مشكلة فنية أو إجرائية أم إلى مشكلة لم نعرف كنهها بعد، هذا ما يجب التفكير فيه بكل منهجية وتأنٍ وتجرد من قبل جميع الأطراف، وأجزم بأننا سنصل حينذاك إلى تفسير علمي مقنع.
هذه المسائل الست يمكن لنا -حال الاقتناع بها- أن نشتق منها إطاراً منهجياً وإجرائياً حول تلك القضية، بحيث نتحقق من آرائنا واجتهاداتنا.
وأخيراًً نعاود التأكيد على أن العلم البشري يتقازم ويتضاءل أمام حقائق الكون وأسراره، فهو لا يطيق وصف كافة ظواهره وخوارقه ولا تفسيرها، كما لا يسعه فك كامل شفراته ولا التنبؤ بجميع ظواهره ولا التحكم بها، فالعلم أشبه ما يكون بطفل صغير يتعلم كل يوم شيئاً جديداً، ويظن حين الصبيحة أنه قد حاز المعرفة والفهم بكل ما تقع عليه عينه ويشمه أنفه وتلمسه يده ويخطر على باله!
أنا لست من أنصار الاستهانة بالعلم الحديث أو التقليل من شأن فتوحاته المعرفية المذهلة ونتائجه التجريبية المدهشة، ولكنني في الوقت نفسه لست ممن يذهب إلى تقديس العلم البشري ويتغاضى عن هناته وعيوبه وأخطائه وغبائه ونفاقه، كما أنني لا أطيق السكوت على غروره وتكبره، إذن التوسط هو ما أقصده وأطالب به، فالضمانة الوحيدة لتقدم العلم باقتحامه مجالات جديدة وتصحيح أخطائه هو الاعتراف بقصوره.
وأعيد التأكيد بأن اليقين مقدم على الظن، مهما بدأ اليقين بسيطاً ومتواضعاً، بل عظمة الحقيقة تكمن في بساطتها وعمقها، وهو ما أسميه بعمق البساطة!
ونخلص إلى تشديد القول بوجوب نبذ كل الأسواط: (سوط العلم) و(وسوط الدين) و(سوط السلطة) في جميع ما ُيستساغ فيه الحوار والمناظرة ومنها مسألة رؤية الهلال، إذ إن استخدامها افتئات على العلم والدين والسلطة، مع وجوب التوجه بصدق نحو الحوار بمنهجية نقدية وعقلية منفتحة من أجل الوصول إلى الحق والحقيقة.
ومن زاوية أخرى همس في أذني أحد أصدقائي قائلاً: أعتقد بأن النوايا الحسنة كفيلة بتوحيد دخول رمضان وخروجه بين الدول العربية ومن ثم الإسلامية.. كي نشعر بأننا أمة واحدة، حينها تيبست الكلمات في لساني لترتسم على وجهي ابتسامة الأمل... وما أضيق الحوار لولا فسحة المنهج!

beraidi2@yahoo.com



نادي السيارات

موقع الرياضية

موقع الأقتصادية

كتاب و أقلام

كاريكاتير

مركز النتائج

المعقب الإلكتروني

| الصفحة الرئيسية|| رجوع||||حفظ|| طباعة|

توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية إلىchief@al-jazirah.com.sa عناية رئيس التحرير/ خالد المالك
توجه جميع المراسلات الفنية إلى admin@al-jazirah.com.sa عناية نائب رئيس التحرير/ م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2006 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved