Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/01/2007 G Issue 12514
مقـالات
الثلاثاء 20 ذو الحجة 1427   العدد  12514
هل انتهى
الحلم الأمريكي بالمنطقة العربية؟؟
ندى الفايز (*)

من المفارقات السياسية التي سبق أن تحدث عنها ريتشارد هاس، مدير تخطيط السياسات السابق بوزارة الخارجية بالولايات المتحدة ورئيس مجلس العلاقات الخارجية حالياً، في دراسة كان قد نشر ملخصها تحت عنوان (الشرق الأوسط الجديد) بمجلة فورين أفيرز Foreign Affairs عدد نوفمبر - ديسمبر 2006م تتمحور بأن حرب العراق الأولى بدأت في عام 1990 وقد فرضتها الضرورة مشكلة بذلك بداية الحلم الأمريكي بالشرق الأوسط، بينما جاء اندلاع حرب العراق الثانية في عام 2003م من قِبل واشنطن ليكون إيذاناً بنهايتها، وبالطبع يعد هاس الذي نصح واشنطن أن تعتمد على الدبلوماسية بدلاً من القوة العسكرية من أجل التأثير في المرحلة الجديدة، وخصوصاً أن الحقبة الجديدة في الشرق الأوسط سيصنعها لاعبون محليون على حساب اللاعبين الخارجيين، لأن صياغة الشرق الأوسط من الخارج ستكون أكثر صعوبة.

وذلك من وجهة نظر هاس الذي يعد من أشهر الخبراء السياسيين بالولايات المتحدة، ومجلة (الشؤون الخارجية) (فورين أفيرز) تعد ذات شهرة عالمية يصدرها مجلس الشؤون الخارجية في نيويورك الذي يرأسه هاس، تلك الدراسة وغيرها أحدثت سجالاً واسعاً عند النخب السياسية والثقافية بالعالم الغربي حتى إنه فور نشرها سارع الكاتب البريطاني الشهير (باتريك سيل) المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والذي يعد من الخبراء السياسيين البريطانيين بنشر مقال بعنوان: هل فقدت أمريكا الشرق الأوسط؟ وذلك رداً على مقالة الأمريكي ريتشارد هاس التي كان عنوانها (انتهى العصر الأمريكي في الشرق الأوسط) (فورن أفيرز، 1 نوفمبر 2006)، حيث يرى باتريك سيل البريطاني أنه وعلى الرغم من الأخطاء السياسية للولايات المتحدة غير أنه لا يتفق مع نظرية هاس بأن الهيمنة الأمريكية قد انتهت بالمنطقة العربية وبالتحديد بعد غزو العراق، وخصوصاً أنه لا يوجد من وجهة نظر باتريك سيل قوة دولية أخرى قادرة حتى الآن على الحلول محل القوة والنفوذ الأمريكي بالمنطقة.

هذه ومن وجهة نظري الشخصية حول ذلك السجال المفتوح على مصراعيه بين النخب السياسية والثقافية بالولايات المتحدة وبريطانيا، أرى أن المحلِّل البريطاني باتريك سيل يعد من أنصار مدرسة سياسية قديمة أسسها المستشرق المعروف (برنارد لويس) ومفادها يذهب إلى أن هناك قانوناً عاماً يحكم المنطقة العربية والإسلامية، وأنه من السهل أن تقوم باحتلالهم قوة أجنبية، وأن هذه القوة لا تزول إلا بوساطة قوة أجنبية أخرى، ويرى أن هذه النظرية يبرهن التاريخ على صحتها، وأن هناك قانوناً آخر، وهو أن المنطقة العربية تمتلك إمكانات طرد القوى الأجنبية بقواها الذاتية حين تصل إلى وحدة كفاحية شاملة، وعليه اختلف من منظور شخصي مع الفكرة الذاهبة إلى القول بقابلية العرب للاستعمار التي أراها فكرة غير صحيحة على الإطلاق، إذ هناك قوات عظمى غير الولايات المتحدة مثل الصين والاتحاد الأوروبي وذلك على سبيل المثال، لكن ما لا أتصوره أن هناك دولة عظمى أخرى في العالم على استعداد لأن تتحمّل صرف خمسمئة بليون دولار ونشر 140 ألف جندي لمدة غير معلومة كما في العراق أو غيره بالوطن العربي، فالصين مارست بالفعل دور الدولة العظمى بالقارة الإفريقية بشكل يوحي حتى الآن بالثقة والاعتدال، كما أن الاتحاد الأوروبي رغم أن أعضاءه يشغلهم الانقسام الداخلي حول السياسات الخارجية إلا أنهم لم يهدروا الوقت ولا الجهد بمثل تلك الصورة التي أهدرت بها الإدارة الأمريكية الحالية الوقت والجهد والمال، ومن المرجح أن لا تفعل الإدارة الأمريكية المقبلة التي قد يكون لها أحلام وتطلعات في مناطق أخرى ساخنة أو باردة بالعالم، فقد تفضّل التركيز على السياسة الداخلية بالولايات المتحدة بدلاً من مواصلة سياسات الإدارة السابقة.

على أنه لا يمكن المراهنة كثيراً على الإدارة السياسية الأمريكية التي تتقلّب وتتغيّر مع كل إدارة منتخبة، ولا يوجد لها أجندة مشتركة فيما بينها، وبالتالي لا يوجد لديهم حلفاء أو مصالح ثابتة بالمنطقة العربية أو غيرها، ولا أميل كثيراً إلى الفكرة التي تقول إنه طالما أن الولايات المتحدة لا تواجه تحدياً في المنطقة فيمكن أن تستعيد نفوذها ومركزها، وذلك لسبب بسيط جداً يعرفه جميع من على الكرة الأرضية وهو أن أمريكا أصبحت اليوم نتيجة السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الحالية، أصبحت مكروهة على الصعيد الشعبي في العالمين العربي والإسلامي، بل إنها باتت اليوم موضع اشمئزاز في الكثير من الأوساط السياسية بالعالم الغربي قبل العربي، كما أصبح العالم الغربي وبخاصة الأمريكي ينظر بشوق وحنين إلى تاريخ عهد الرئيس ايزنهاور الذي وضع حداً فاصلاً للعدوان الثلاثي (البريطاني - الفرنسي - الإسرائيلي) على مصر عام 1956م، وكذلك إلى تاريخ عهد الرئيس كارتر الذي وضع معاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية وبذل جهداً ملموساً لحل النزاع العربي - الإسرائيلي رغم أنه لم يستطع أن يكمل المشوار في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لفوز الرئيس رونالد ريغان في الانتخابات الذي أعطى الضوء الأخضر بالسماح لإسرائيل باجتياح لبنان عام 1982م، والأخطر من ذلك إيعازه إلى صنَّاع السينما بهوليود بعمل أفلام أمريكية تصوِّر الجندي الأمريكي بصورة أقرب إلى الخرافية وتمهيداً لتحقيق حلم الحزب الجمهوري وأطماعه بالمنطقة العربية والذي بدأ منذ تاريخ الرئيس رونالد ريغان والرئيسين بوش الأب وبوش الابن والأخير أي بوش الابن تسرَّع مندفعاً بحماقة في غزو العراق واحتلال أراضيه وتشريد شعبه بعد نجاح لإدارته في تجييش العالم ضد العرب والمسلمين وتعميم تصرفات فردية على كافة البلدان العربية والإسلامية قاطبة!!

لقد لفت نظري بأن سقوط بغداد دائماً ما يترتب عليه بحسب ما قرأته عن حضارات وتاريخ الشعوب سقوط أطماع الآخر عند أسوار بغداد على مر التاريخ، ولا أدري لماذا تذكّرت ذلك عندما كنت أقرأ مقالة الأمريكي ريتشارد هاس بمجلة فورن أفيرز الأمريكية.

nada@journalist.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد