Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/01/2007 G Issue 12516
مقـالات
الثلاثاء 20 ذو الحجة 1427   العدد  12516
ما زالت المعركة مشتعلة
ندى الفايز

لا يملك العرب سوى مراقبة اتجاه الريح خاصة أن الأمثال العربية القديمة والرصينة لم تذم مراقبة اتجاه الريح على الإطلاق بل ذمت مراقبة الناس عبر القول إن من راقب الناس مات هماً، من جهة وثيقة الصلة بالريح جميع الأخبار القادمة من العاصمة الأمريكية واشنطن وتحديداً من مبنى - الكابتل هيل - والمقصود به بالطبع مبنى الكونجرس تشير إلى أن ثورة الواقعية على الأيديولوجيا بدأت بالفعل وأن النصر سوف يكون من نصيب الواقعية (الديمقراطيين) بالطبع لا الأيديولوجيا التي يقودها المحافظون الجدد من خلال الحزب الجمهوري، وبالمناسبة لا أدري لماذا لا يتحول المحافظون الجدد إلى حزب ثالث بجانب الحزبين الرئيسيين (الديمقراطي والجمهوري) ويريحون العالم حتى يمكن للشعب الأمريكي التصويت بنعم أو لا بطريقة مستقلة ونزيهة تضمن عدم سيطرة المحافظين الجدد مرة أخرى بالباطن على أحد الأحزاب وتغيير أجندتها السياسية بالكامل، وعليه لا بد أن تكون حركة المحافظين الجدد حزبا واضحا ومعروفة إستراتيجياته حتى لا يختطفوا السياسة الأمريكية ويتعمدوا إيقاع المنطقة العربية في الفوضى الخلاقة وذلك بحسب مخطط قديم لهؤلاء المحافظين الجدد، وذلك منذ زمن إدارة الرئيس الأسبق رونالد ريجان لا كما يتصور الكثيرون أن المخطط تم بزمن الرئيس الحالي جورج بوش.

ومعروف لدى كل من تابع وسائل الإعلام الأمريكية خلال الفترة الأخيرة أن أكثر من 60% من الأمريكيين بحسب استطلاعات الرأي العام ترى أن الرئيس جورج بوش ضلل الشعب الأمريكي ودخل العراق بدون وجه حق وأزهق أرواح المواطنين الأمريكان وبدد أموال الشعب الأمريكي، وعليه فمن المنتظر معاقبة الحزب (الجمهوري) لأنه جر الولايات المتحدة إلى حرب خاسرة ومدمرة خاصة بعد اكتشاف عدم صحة وجود أسلحة دمار شامل بالعراق وعدم تطبيق الديمقراطية المزعومة بالعراق، بل العودة إلى النموذج القديم والأصلي قبل الاحتلال الأمريكي للعراق والاضطرار للرجوع إلى نموذج تطبيق الاستقرار على حساب الديمقراطية بالمنطقة من جديد بعد المحاولة الفاشلة بتطبيق نموذج الديمقراطية على حساب الاستقرار كغطاء للتمركز الأمريكي بالعراق لتأمين أمن الكيان الإسرائيلي!!

من جهة أخرى وثيقة الصلة بالموضوع أحياناً بل كثيراً ما تذكرني الإدارة الأمريكية الحالية بحال بعض العجائز الماكرة اللاتي يعتقدن أنهن يتعرضن بذكاء ودهاء خارق مع الآخرين الذين يضحكون عليهن ولكن احتراماً لعامل الفارق بالسن يمتنع الكثير - منا - أحياناً عن مناقشتهن ومواجهتهن بل نحاول احتراماً لعامل التقدم بالسن احتواء الموقف وغض النظر قدر الإمكان والتظاهر بعدم الفهم رغم أن أقوالهن وأفعالهن مكشوفة ومفهومة حتى لدى الأطفال الصغار فكيف بالراشدين.

وعودة إلى الموضوع الرئيس فإن اضطرار إدارة الرئيس جورج بوش إلى طلب الحوار والمساعدة من الأنظمة التي كانت ترفض محاورتها في السابق وتتوعدها بتغير أنظمتها إلى أن أصبحت الآن تطلب منها المساعدة بإعطائها التفويض الكامل بالعراق بعد أن كانت تستأثر به وتحاول تقويض بل اقتلاع تلك الأنظمة وغيرها بالمنطقة، وبما أن شر البلية ما يضحك، ضحك العالم حتى دمعت العين من الضحك على الإدارة الأمريكية الحالية التي طلبت ممن كانت تتوعد بتغيير أنظمة دولهم مثل إيران وسوريا طلبت منها المساعدة مع أنها كانت - كما أشرنا - تتوعد وتنذر تلك الأنظمة وتريد تقديم العراق نموذجاً لكافة دول المنطقة وبالنهاية قدم العراق إدارة الولايات المتحدة الحالية نموذجاً ودرساً للعالم لا للمنطقة فحسب.

ووقعت الإدارة الأمريكية برئاسة بوش بسبب سياساتها إلى منافسة غير متكافئة أمام الحزب الديمقراطي بل إنه بدأ بالفعل تأثير هذه السياسة على استمرار الحزب الجمهوري ورموز الإدارة الأمريكية الحالية خاصة بعد استقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد وكذلك جون بولتون سفير واشنطن لدى الأمم المتحدة وربما امتد هذا التغيير إلى خروج كوندليزا رايس وزير الخارجية الأمريكية وقرب استجواب الرئيس جورج بوش شخصياً عما حدث ويحدث بالولايات المتحدة والعالم من فشل ذريع وغير مسبوق بالتاريخ للسياسة الأمريكية.

من وجهة نظري الشخصية أرى أنها سوف تدفع العرب وكذلك البسطاء بالاكتفاء بمراقبة اتجاه الريح عوضاً عن مراقبة التحركات السياسية التي تتغير بسرعة مخيفة ولا يمكن الاعتماد عليها أو على مواقفها خاصة في مثل هذه الأجواء العاصفة التي لا تسمح حتى بالاستمرار مع التحالفات القائمة بنفس الثقل إلى أن تتضح الصورة بالكامل وتهدأ العاصفة التي سوف تقلع كل من يقف أمامها، بخلاف المهرولين لتقديم مواقف وتنازلات مجانية والمنبهرين بالعقلية الغربية حتى في مثل هذه المواقف العاصفة التي أرى أنها تتطلب تقريراً عربياً إستراتيجياً وعميقاً تشترك فيه العقول العربية لتقدم توصيات للأمتين العربية والإسلامية ابتداء من أين وكيف نقف ومع من نتحالف في مواجهة تلك العاصفة التي تتطلب بالتأكيد تحالفات وتكتلات جديدة وإعادة هيكلة شاملة للإستراتيجيات والسياسات العربية والإسلامية والاتفاق على عدم تقديم مساعدات أو تنازلات مجانية على الإطلاق.

ومن الضروري في ظل مثل هذه الأوضاع أن يلعب العرب بالأوراق السياسية بشكل احترافي وقريب من المثل الشعبي الذي يضربه رجل الشارع العربي البسيط عندما يقول عن المحترفين: يلعب بالبيضة والحجر، وحتى يلعب السياسيون بكل البيض وبكل الأحجار الموجودة بالمنطقة العربية دون انكسار البيضة أو الإصابة من الحجرة لا بد من قفل باب ونوافذ الفتن وتوحيد الصفوف بالكامل ومن دون مهاترات أو متاهات مع عدم الميل إلى تنظيمات الفصائل والقبائل والمذهبية في استعادة غير محمودة لتلك اللعبة القاتلة والمميتة التي دائماً ما يرميها المحتل والعدو المتربص بهدف جر الشعوب إلى حروب طائفية ومذهبية تفتح حمامات الدم وتضمن نشوب التطهير العرقي بين الفصائل وتوفر أرضية خصبة للطامعين والمتربصين بابتلاع المنطقة بالكامل بعد أن ينهك شعوبها بحروب مذهبية وطائفية وتطهير عرقي وتغرق في حمامات من الدم -لا قدر الله- والذي حاول بعض العرب من أبناء جلدتنا التذاكي مثل بعض العجائز الماكرة السابق الحديث عنهن والمراهنة على ميل العرب إلى فصائلهم ومذاهبهم والترويج والتسويق المكشوف لهذه الفكرة بمثل ما يحدث في العراق وخاصة بمثل هذه الظروف التي تتطلب رمي الأسلحة جانباً والرجوع فوراً إلى طاولة المفوضات جنباً إلى جنب وحقن الدماء ووقف حمامات الدم خاصة وأن هناك أجهزة استخباراتية معادية وفرق موت (الفرق الانتحارية) هدفها إحداث قتلى في كل الجانبين حتى يستمر التطهير العرقي وتجر بقية الدول إلى حروب طائفية ومذهبية تضعف الأمة الإسلامية وتمهد الطريق أمام الطامعين والمتربصين لابتلاع المنطقة بالكامل حسب المخططات التي وضعت لذلك منذ زمن طويل!!

هذا ومن جهة أخرى وثيقة الصلة بما يخص السياسة الأمريكية الخارجية لا بد من التنويه بأهمية استعادة دور الكونجرس الأمريكي في مراقبة نشاط المؤسسة التنفيذية بالولايات المتحدة، ذلك الدور الذي لاحظ حتى المراقبون والمحللون الدوليون انكماشه نتيجة لعبة المصالح المشتركة والأوراق الخضراء (الدولارات) خاصة في السنوات الماضية، الأمر الذي دفع شيوخ مجلس الشيوخ والنواب (الكونجرس) إلى استعادة ذلك الدور من جديد خاصة فيما يتعلق بمراقبة السياسات الخارجية والسياسات الخاصة بالأمن القومي للولايات المتحدة وإعادة التوازن بل الصراع على إحداث التوازن ما بين السلطة التنفيذية (البيت الأبيض) والسلطة التشريعية (الكونجرس) من جديد، وذلك عبر التأكد من أن التشريعات التي يصدرها أو يوافق عليها بعد فحصها بشكل فعال وآمن يضمن عدم خروج الإدارة الأمريكية خاصة الحالية عن المسار الذي وافق عليه الكونجرس منعاً لحدوث أخطاء أو حوادث خاصة وأن العالم العربي والأمريكي لم يشهد من قبل مثل هذا التدهور والدمار في علاقاته الدولية على مر التاريخ!!

وبدون الدخول في التفاصيل المعقدة للنظام السياسي الأمريكي يمكن القول إن الأساس الذي يعتمد عليه النظام الأمريكي في العملية واللعبة السياسية تتمثل في إحداث التوازن بين السلطات الثلاث بالولايات المتحدة وخصوصاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهو ما يعرف ب Checks and Balance، ويمكن القول بعد دراسة أوضاع ومستقبل العملية السياسية بالولايات المتحدة إنه من الخطورة بمكان سيطرة حزب واحد على منصبي رئاسة البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي بمجلسيه النواب والشيوخ حيث أثبتت أحداث سبتمبر أن انفراد الإدارة التنفيذية (البيض الأبيض) بعملية صياغة وصناعة القرار حتى في ظل ما يعرف بالظروف الطارئة ينتج عنه نتائج لا تحمد عقباها خاصة بعد أن تم اللعب بملف الأمن القومي وتعمد إيجاد حالة من الرعب والفزع على الصعيدين المحلي والعالمي لكي تستأثر أقلية بالسلطة وتتخذ قرارات قد لا تخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة انشغال الأغلبية بالصدمة للحوادث المستجدة كما حصل أثناء وبعد أحداث سبتمبر وما ترتب عليها من اللجوء إلى إستراتيجية الردع عبر استخدام الضربات الاستباقية!!

وعليه يرى الكثير من المحللين والمراقبين الأمريكان أن الولايات المتحدة تمر بحالة غير مسبوقة وأن الشعب الأمريكي بكافة أطيافه وكذا شعوب العالم تعرضوا للتنويم المغناطيسي أو عملية غسيل دماغ Brainwashing والتي بدأت تفيق منها مؤخراً وذلك قبل فوات الأوان وضياع الولايات المتحدة وتدمير العالم، وعليه كانت وما زالت العراق بمثابة القشة التي قصمت ظهر الجمهوريين، وبالتالي سارع الديمقراطيون بالتحرك على نطاق واسع لإصلاح ما يمكن إصلاحه خاصة بعد أن فقدت الإدارة الأمريكية الدعم النيابي الذي كانت تتمتع به منذ عام 1994م من الكونجرس ولكن لا تزال الإدارة الأمريكية والمتمثلة بالرئيس الحالي جورج بوش تملك حق استخدام الفيتو على أي قرارات لا تروق لها حتى تلك الصادرة من الديمقراطيين، خاصة وأن الجمهوريين يحاولون إفشال الديمقراطيين عبر القول إنهم لا يملكون خطة بديلة وفعالة بالعراق وغيرها من التعليقات وردود الفعل التي تمهد للانتخابات الأمريكية القادمة لاسيما وأنه من الواضح حتى الآن أن الملف العراقي سوف يكون قضية الساعة، هذا إن لم تحدث الإدارة الأمريكية الحالية مشاكل أخرى في مناطق أخرى بالعالم قبل الانتخابات الأمريكية القادمة، تلك الأحداث والصراعات ما بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري أرى من وجهة نظري الشخصية أنها تسخن المواطن الأمريكي لعملية الانتخابات الرئاسية القادمة التي أتصور أن الكونجرس لن ينتظرها وسوف يقوم حسب تحليل المراقبين والمحللين الأمريكان أنفسهم بعمل انقلاب أبيض من الكونجرس على البيت الأبيض ومحاكمة المتسبب بكل هذا الدمار والفوضى الشاملة بالعالم استناداً إلى نصوص الدستور الأميركي خاصة البند الذي يعطي رئيس مجلس النواب (النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي) صلاحية واسعة وإمكانية السيطرة على البيت الأبيض في حال عدم استطاعة الرئيس الأمريكي ونائبه إدارة الولايات المتحدة بطريقة فعالة، الأمر الذي يمكن أن يعيد للكونجرس شيئاً من هيبته ودوره في العملية السياسية من جديد.

خاصة وأن الولايات المتحدة بدأت تفقد هيبتها وعدم رغبة العديد من الدول خاصة العربية بالتحالف معها لانعدام عامل الثقة تماماً، ورغبة دول المنطقة العربية بمراقبة اتجاه الريح قبل الدخول أو الخروج من تحالفات قائمة أو أخرى جديدة سوف تغير موازين القوى على الصعيدين الإقليمي والعالمي خاصة مع دخول الصين وروسيا كقوى عظمى صاعدة يمكن الاعتماد عليها أو حتى المراهنة عليها في ظل مثل هذه الظروف الخطرة، وعليه إن لم تنقذ نفسها بنفسها سريعاً سواء عبر الديمقراطيين بالكونجرس أو غيرهم وتحاكم المتسبب بهذا الدمار العالمي لن ينقذها أحد من حفرة العراق أو غيره، لأن العرب كما هو حال غيرهم لا يوجد لديهم في علم السياسة أصدقاء دائمون أو أعداء دائمون بل يوجد لديهم فقط مصالح دائمة تتطلب اليقظة والفطنة ومراقبة اتجاه الريح صعوداً وهبوطاً بالمنطقة بل بالعالم قاطبة.

nada@journalist.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد