Al Jazirah NewsPaper Tuesday  04/01/2007 G Issue 12516
مقـالات
الثلاثاء 20 ذو الحجة 1427   العدد  12516
بوليغراف السياسة
جانبي فروقة

صرح الرئيس التنفيذي لشركة (غوغل) العالمية مؤخراً - إريك شميث- أن الشركة تعمل على أن يتمكن الكومبيوتر من حفظ ما يقوله السياسيون لعدة سنوات في سجلات وبالتالي اختبار مدى مصداقية تصريحاتهم والتوسع في استخدام الفيديو كما حدث في الانتخابات الأمريكية السابقة وعلق إريك قائلاً إنه لا يملك ماكينة للحقيقة ولو استطاع لاخترع هذه الماكينة لتحدد الخبر الصحيح من الكاذب لذلك ما تحاول غوغل تقديمه هو تصنيف المعلومات فإذا كانت معلومة خاطئة يقابلها عشر معلومات حقيقية تصنف المعلومات الحقيقية على أنها الأكثر دقة وتأتي المعلومة الخاطئة في ذيل القائمة.

وهذا ما يحتاجه العالم وهو بوليغراف (جهاز كشف الكذب) السياسة ولكن هذا الجهاز سينفجر إذا كان يعمل تحت قبة الأمم المتحدة لأن معيار الازدواجية غير مقبول في البوليغراف (فإما الأبيض أو الأسود) والازدواجية في السياسة هي معيار وسمة التعامل في القرن الواحد والعشرين.

ومن يتتبع السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية يدرك تماماً أن نتيجة اختبارها في جهاز البوليغراف السياسي هو الرسوب بجدارة بسبب المعايير المزدوجة فمن جهة هي تدعم إسرائيل وتتحفظ على ترسانتها النووية الهائلة التي تستطيع تدمير العالم مئات بل آلاف المرات (بما يقدر في جعبة الدولة العبرية من 400 قنبلة نووية وهيدروجينية) وفي الجهة المقابلة تحرم على إيران حق الاستعمال السلمي للطاقة النووية ببناء مفاعلات لإنتاج الطاقة بتهمة نية التسلح. وفي الجهة الأخرى من العالم في آسيا تعرض الولايات المتحدة الأمريكية تسهيلات استعمال بناء المفاعلات النووية لاستخدام الطاقة النووية السلمية في الهند وهي تخشى على مصالحها من ازدياد استهلاك الهند للوقود والنفط.

كيف ستنجح الولايات المتحدة الأمريكية في اجتياز امتحان بوليغراف السياسة؟ وهي تدعو الدول إلى الامتثال إلى الشرعية الدولية تحت راية الأمم المتحدة (المغلولة يد عدالتها إلى عنقها في عقر دارها بفعل حق الفيتو لأعضاء مجلس أمنها) وأمريكا نفسها تجاوزت كل الأعراف والمواثيق الدولية وذهبت منفردة إلى الحرب على العراق بحجج تبين فيما بعد أنها واهية خاوية ( من أسلحة تدمير شامل لم ولن يجدها أحد لأنها كانت حجة سياسية فقط لا غير) ووبال هذه الحرب أدت إلى قتل ما يقرب من 3000 جندي أمريكي وجرح ما يزيد على 20 ألف آخر؛ إن تكلفتها المادية وصلت حتى تاريخه ما يزيد على 350 بليون دولار مع أن هذا المبلغ كان يمكن أن يساهم في مساعدة الأربعين مليون مصاب بالإيدز بالعالم الذين يشكلون قنبلة موقوتة أو كان بالإمكان أن يساهم في مشكلة الأمن الغذائي العالمي فيشبع على الأقل بطون جياع العالم الذين يقدر عددهم 800 مليون، وحتى لو وجهت أمريكا هذا المبلغ للداخل كان بإمكانها أن تؤمن لما يزيد على 17 مليون طالب فرصة المنح الجامعية لمدة أربع سنوات كاملة في الجامعات العامة لديها. ولكانت وفرت على الشعب العراقي المسكين تشريد مليوني عراقي من سكانه ونفوق ما يزيد على الخمسمائة ألف عراقي منذ احتلال العراق عام 2003 (حسب دراسة نشرتها جامعة جون هوبكنز في أمريكا) وذلك نتيجة إما الصراع المسلح المباشر مع قوات الاحتلال أو نتيجة سعير الحرب الأهلية التي تلتهم في أتونها آمال قيام دولة عراقية واحدة وهكذا لم تزد الحرب على العراق الشعب العراقي إلا فقراً وذعراً وخوفاً.

كيف ستنجح الولايات المتحدة الأمريكية في اجتياز امتحان بوليغراف السياسة؟ وهي تدعو إلى نشر الديمقراطية وإرساء دعائمها ومن ثم تنقض على حماس في فلسطين (والعالم كله يشهد صحة الانتخابات التشريعية التي جرت وأوصلت حماس على سلم الديموقراطية إلى سدة الحكم) وتجوع الشعب الفلسطيني ويبيت أكثر من مليوني فلسطيني تحت خط الفقر بمنع المساعدات المالية ومستحقاته من الوصول للحكومة الفلسطينية التي تخالف في رؤيتها الرؤية الأمريكية لشرق أوسط جديد. ( حيث إن مناقصة إنشاء شرق أوسط جديد كانت قد رست على أمريكا في ظل عالم أحادي القطب). وليست مشكلة أمريكا في الشرق الأوسط فقط بل تتعداها إلى جيرانها في القارة فهي تعادي فنزويلا ورئيسها (هوغو شافيز المنتخب ديمقراطياً) وتحاول مراراً اغتياله ويكفينا أن نعرف أن الرعاية الأمريكية لإسرائيل بصولجان الفيتو قد تسترت على إسرائيل باستخدام الفيتو 50 مرة من أصل 80 استخداماً للولايات المتحدة الأمريكية لحق الفيتو وذلك فقط لتعطيل قرارات تدين إسرائيل في صراعها مع الدول العربية.

كيف ستنجح الولايات المتحدة الأمريكية في اجتياز امتحان بوليغراف السياسة البيئية؟ وهي تأبى أن توقع على بروتوكول كيوتو (الذي يطلب من البلدان الصناعية خفض انبعاثات ستة غازات يعتقد العلماء بأنها تفاقم مشكلة التغير المناخي الطبيعي وأمريكا تعد أكبر دولة في العالم تسهم في انبعاث غازات الاحترار) التي تحد من ظاهرة الاحتباس الحراري الذي بدأ يؤثر سلباً في المناخ العالمي ويحدث تحولات دراماتيكية تؤدي إلى كوارث نشهدها بين الفينة والأخرى من أعاصير تضرب وسيول تجرف وتسونامي لا يبقي ولا يذر وأمريكا هي أكبر دولة في العالم تسهم في انبعاث غازات الاحترار.

كيف ستنجح الولايات المتحدة في اجتياز امتحان بوليغراف السياسة الاقتصادية؟ والدراسات من عقر دار الجامعات الأمريكية تشير إلى التكلفة الاقتصادية الباهظة للحرب على العراق التي قد تصل إلى تريليوني دولار أمريكي آخذين بعين الاعتبار أن الحرب كانت من الأسباب الرئيسية في اشتعال أسعار الوقود والنفط إضافة إلى المشكلة الإيرانية النووية، فعدم انتهاج أمريكا سياسة وسطية معتدلة في منطقة الشرق الأوسط هي التي تجعل المنطقة تهيم على جمر الصراعات والنزاعات والتوتر.

لا يمكن أن يتحقق العدل وبوصلة العدل للشرعية الدولية تحت مظلة الأمم المتحدة معطلة وتشير دوماً إلى القطب الأوحد الشمالي متمثلاً بالولايات المتحدة الأمريكية ولا يمكن للعدل والسلام أن يريا النور تحت مغناطيسية حق الفيتو للدول العظمى وكلمة الحق أصبحت هي حق القوي على الضعيف لذلك أصبح مصدر فطرة العدل الدولي والسلام خادعاً مزيفاً والسياسات الخارجية ولا سيما لأمريكا مضادة تماماً لروح ميثاق الأمم المتحدة التي تؤكد على الحق العظيم في مستقبل آمن للشعوب والحروب لم تفرد يوماً أشرعة العدالة. لذلك يجب على الأمم المتحدة إعادة ترتيب البيت الداخلي وهيكلتها وأسلوبها في فرض العقوبات والقرارات حيث يجب ألا يتم إلا بقرار جماعي تصوت عليه أغلبية الدول الأعضاء.

humano@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد