Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/01/2007 G Issue 12521
مقـالات
الثلاثاء 20 ذو الحجة 1427   العدد  12521
في الحرب الفلسطينية - الفلسطينية الأولى
سقطوا في الفخ وتجاوزوا الخط الأحمر
د. صالح بن سبعان

هي لافتة حملها طفل فلسطيني صغير في مسيرة تندد بالاقتتال خلال تجمع في رام الله، واللافتة تحمل بخط واضح يستطيع قراءته حتى الأمي عبارة تقول (فلسطيني أكبر من الجميع.. لا للاقتتال الداخلي).

هذه العبارة المختصرة والمحملة بالدلالات المكثفة والمعاني الواضحة تختزل مأساة الشعب الفلسطيني المزدوجة، إلا أن أعين الساسة المسمرة على السلطة، وفي تكالبهم وتهافتهم واقتتالهم للاستئثار بها، مدججين بالأيديولوجيات والشعارات الفارغة، والهتافات الطنانة، تعمى وتعجز عن رؤية ما يراه صبي فلسطيني!.

ومنذ فوز حماس في الانتخابات وردود الفعل الأمريكية والأروبية الأولى وأنا أزمع التحذير من فخ تنصبه إسرائيل للفلسطينيين بعد خلط في دوامة صراع على السلطة ينتهي بالاقتتال الداخلي، وعلى الرغم من خوفي الشديد من أن يسقط الفلسطينيون في هذ الفخ إلا أن شيئاً ماثلاً على الأرض كان يطمئنني ويهدئ من مخاوفي.

ألا وهو أن فلسطين كلها تحت الاحتلال، وبالتالي فلا يمكن أن تكون فيها سلطة وطنية حقيقية في ظل الاحتلال. وإسرائيل التي تجتاح المنازل والسجون بل وتحاصر وتقصف حتى مقر الرئاسة الفلسطينية، لا تترك فرصة لمتوهم يتوهم أن بيد الفلسطينيين سلطة ما، أو أن لرئيسها سلطة أكثر من تلك التي يتمتع بها شيخ حارة تقتصر حدود صلاحياته في فض المنازعات بين أهل الحارة بالصلح متكئاً على قوة وسلطة العرف، وبالتي هي أحسن فوق ذلك.

إذن وطالما هذا هو الواقع السياسي الفلسطيني، فإن مصدر طمأنة مخاوفي كان مبرراً وبديهياً، بأن كل القوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية سيكون هدفها الأكبر وهمها الأوحد في هذه الظروف هو تحرير ما تبقى من الوطن من الاحتلال.

وأن ترجأ التناقضات الثانوية، مثل الصراع الأيديولوجي والسياسي والثقافي، وأن تؤجل الحروب على كراسي الحكم لما بعد التحرير، حيث يكون حينها ثمة (سلطة) يتصارع الجميع عليها.

هذا ما يقوله العقل، وما يقتضيه المنطق إلا أن مسار الأحداث سار عكس ذلك تماماً، وبطريقة تجعل التفكير في أصابع معادية للشعب الفلسطيني، وبأن البعض - البعض على الأقل - ينفذ بوعي وتصميم أجندة إسرائيل ليس فقط ب (التواطؤ) بل وبالإرادة الحرة والاختيار الواعي والإرادي، أمر وارد وممكن.

ولا يحتاج الأمر إلى (تأويلات) لواقع ما حدث ويحدث لتأكيد نظرية المؤامرة، لأن الوقائع نفسها واضحة وكاشفة وفاضحة ولا تحتاج إلى (تأويل) أو لإعادة قراءة.

بدون الدخول في التفاصيل فإن السيناريو اتخذ المسار الآتي:

1 - فازت حماس فقررت إسرائيل وأمريكا ثم الاتحاد الأوروبي معاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الديمقراطي الحر وحصاره اقتصادياً وتجويعه.

2 - فتح التي أدمنت السلطة وجدت في هذا الحصار دعماً يعزز سعيها لاستعادة (سلطتها) من حماس، تحت ذريعة فشل هذه في الحكم.

- حماس التي أدمنت (المقاومة) لا تطيق أن يحرمها أحد من مذاق حلاوة السلطة الجديد على لسانها.

وما بدا مناورة سياسية - في هذا الإطار - تحول إلى كارثة.

* فكر حماس، وبرنامجها الانتخابي - وما قبل الانتخابات - كان معروفاً للداخل الفلسطيني - الرسمي والشعبي - مثلما هو معروف للخارج - الغربي والدولي - ورغم هذا لم يطالبها أحد بتغييره كما لا توجد في لائحة أو قوانين الانتخابات الفلسطينية ما يحرمه.

* وبالتالي - ثانياً - وبما أن مقاومة الاحتلال والعمل على تحرير الأرض يشكل قاعدة أيديولوجيتها وفكرها السياسي، اللذين خاضت على أساسهما الانتخابات وكسبتها، فهي لا تستطيع التنصل من هذ الأساس الذي يمثل جوهر وجودها السياسي والاجتماعي في ساحة العمل الفلسطيني العام.

ولكن الانتخابات نفسها كانت فخاً يحتمل أكثر من وجه أو هو فخ يستوعب أي النتيجتين: أن تفوز فتح أو حماس.

وإلا: هل ارتفع الحصار الإسرائيلي عن الفلسطينيين يوم أن كانت فتح في السلطة؟

أَلم يحاصر حينها حتى رئيس السلطة، بل أن تطاله يد الاغتيال - تسميمات - في عقر دار سلطته؟

إذاً ما الذي كانت تتوقعه فتح من إسرائيل إذا فازت هي بالانتخابات؟

وليس بكاء وتندماً على اللبن المسكوب ولكن أَلم يكن بوسع الفصيلين لو أنهما غيرا قواعد اللعبة.

- ألم يكن بإمكان حماس لكي تتفادى (مطب) الفوز، أن تسارع بتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الشرائع الفلسطينية.

حكومة تمثل (كل الشعب الفلسطيني، تغلق بها الباب في وجه التدخل الإسرائيلي عبر هذا الفصيل أو ذاك؟

- ألم يكن الأجدر بفتح أن تحترم إرادة الشعب الفلسطيني وتقبل خياره بدل هذا التشبث العنيد بسلطة فقدتها بسبب فشلها.. وأن تعمل على تقوية الحكومة التي اختارها شعبها، ودعمها بقوة وصلابة بالتصدي للضغوط الأمريكائلية بدلاً من المراهنة عليه لإسقاط حكومة حماس؟.

- وحين وجدت حماس نفسها في هذا المأزق وقد تجاوزها حصار الداخل والخارج ليطال لقمة عيش شعبها وتعليمه وصحته، أَما كان أولى بها أن تعلن هذا على الملأ، ثم تنسحب من دائرة السلطة الضيقة لتعود إلى فضاء المعارضة والمقاومة الأرحب، زاهدةً في السلطة لتترك حبلها يلتف حول عنق الفتحاويين، وهم بها شغوفون ليتبين الشعب الفلسطيني أن طريق التحرر الحقيقي طويل ودونه تضحيات.

كل هذا كان ممكناً إلا أن الجميع اختاروا أن يخوضوها حرباً شعواء من أجل السلطة، التي لا وجود حقيقي لها في الأصل. وعميت أبصارهم وبصائرهم عن الخط الأحمر الذي لطالما ظلوا يصدعون الناس بتذكيرهم له: الدم الفلسطيني خط أحمر.

والآن ها هم يوغلون في الدم الفلسطيني، ولم نعد نسمع في خطبهم صدى لهذا الشعار.

أما شيخ الحارة فقد فَقَدَ أهليته كحكم بين الخصوم من أهل حارته، بعد أن أعلن انحيازه لأحدهما مستقوياً بالمحتل، ومتدرعاً بأوسلو والأربعة، حتى كاد الدم الإسرائيلي يصبح هو الخط الأحمر الجديد.وبينما تجتاح إسرائيل الأراضي الفلسطينية، وفرقاء الأخيرة غير مبالين لانهماكهم التام في اقتتالهم الشرس في شوارع غزة والضفة الغربية المحتلة فيسقط رجل الدين عادل نصار إثر خروجه من مسجد في غزة بعد صلاة الجمعة التي دان في خطبتها الاقتتال الداخلي.

في هذا الوقت تحديداً قررت واشنطون وتل أبيب التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي (بدعم) الاقتتال فقررت الإدارة الأمريكية تقديم 86 مليوناً لدعم قوات محمود عباس، وأكد مسؤولون إسرائيليون ذلك. واشنطون ساعدت بالفعل في ترتيب شحن بنادق وذخائر لحرس الرئاسة في مصر والأردن وإن أحدث شحنة كانت الأسبوع الماضي كما سمح أولمرت بوصول شحنات سلاح إلى حرس الرئاسة في غزة ووافق على تمويل 100 مليون دولار من إيرادات الضرائب التي تحتجزها إسرائيل للرئيس الفلسطيني.

ووجه الغرابة أن يقبل الرئيس الفلسطيني بأموال تحول له من إيرادات الضرائب لتسليح جيشه - طالما أن لكل فصيل جيشه الخاص - في وقت يعاني شعبه من التجويع بسبب احتجاز أمواله وياليته قال لبوش إن الشعب الفلسطيني أحوج إلى الأكل من السلاح ليحول الـ 86 مليون دولار إلى وزارة المالية!.

وفي ظل أوضاع مثل هذه هل يبدو من باب المبالغة قولنا إن الخط الأحمر الجديد سيكون هو الدم الإسرائيلي، إذ تم وإلى غير رجعة، طالما الأمور تسير على هذا المنوال، تجاوز الدم الفلسطيني كخط أحمر.

رغم القتل والتدمير والتشريد والتجريف والأسر، ظل الشعب الفلسطيني صامداً، لم تضيع فلسطين، ولم تذب هويته..ورغم كل المآسي والتجارب القاسية المريرة ظل هذا الشعب متوحداً بقوة، وكانت وحدته هي سر صموده وبقائه.والآن ولأول مرة في تاريخ هذا الشعب تشتعل شرارة الحرب بين أبنائه.وسيذكر التاريخ أن الحرب الفلسطينية - الفلسطينية الأولى اشتعلت.. وفلسطين تحت الاحتلال!!! وإن من اقتتلوا إنما اقتتلوا على سلطة لا وجود لها في ظل الاحتلال.وسيذكر التاريخ بسخرية أسماء جنرالات هذه الحرب العبثية مجللة بالعار.

(*) أكاديمي وكاتب سعودي

drbinsabaan@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد