Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/01/2007 G Issue 12533
مقـالات
الأحد 03 محرم 1428   العدد  12533
ما قبل التشكيل الجديد
نحو التفكير في أجندة وطنية واضحة
د. صالح بن سبعان

انتقلت سوق ترويج الإشاعات من الأسهم إلى التشكيل الوزاري الجديد، حين تكاثرت التوقعات والتكهنات والترجيحات في المجالس الخاصة وتطايرت عبر الرسالات الإلكترونية، ولا أدري هل مرد ذلك إلى كثرة انشغالنا بالقضايا العامة، أم أنه من باب (اللقافة) ودس الأنف فيما يعنينا وما لا يعنينا، أم هو نوع من التسلية التي تجوز فيها الممازحة؟

أيا كانت الدوافع، إلا أنني لا أجد سببا واحدا لأن يتخذ موضوع التشكيل الوزاري الجديد المتوقع هذا المنحى من الاشتغال. وإذن فليس الاهتمام في حد ذاته هو المرفوض واللامفهوم، فالتغيير الوزاري أو ما يقاربه من المناصب يستأثر باهتمام الناس عادة؛ لأنه يمس حياتهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، باعتبار أن شاغلي هذه المناصب هم من سيتولون مسؤولية إدارة دفة شؤوننا في مختلف القطاعات.

إلا أن ما يثير الدهشة، هو طريقة التعاطي مع الموضوع؛ إذ إنه يصبح مجالا للتكهنات التي تفتقر إلى الموضوعية في الترشيح - الترشيح للمغادرة أو التوزير - والاعتماد في التقييم على الانطباعات الذاتية أو المعرفة الشخصية، وكلاهما ميزان فاسد، أو مطعون فيه عند التقييم.

وتصل الأمور إلى مستويات تعكس روحا من الاستهتار واللامبالاة التي لا تليق، حيث تجد البعض من باب التفكه يقوم بنشر شائعة عن طريق الرسائل البريدية والجوالية بترشيح شخص من معارفه، ربما كيدا أو تشفيا.

كما وهناك من يسقط في الفخ أيضا فيتهيأ نفسيا لأداء القسم!!

في حين يفترض بدلا من هذا الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه تهريج، أن تتجه أبصارنا إلى ما نتوقعه أو نضع نصب أعيننا من طموحات وطنية وأهداف ثم نرى ماذا حقق منها الفريق الوزاري القائم وأين أخفق، وما هي أسباب الإخفاق.

أما أن يتركز نظرنا على الأشخاص فقط، فمسألة تحتاج إلى إعادة نظر.

ولا أدري من أين يخمن البعض أو يعتقد بأن التوزير مسألة تستحق كل هذا التلهف، اللهم إلا إذا كان يرى في الوزارة منصبا تشريفيا تنحصر أهميته في البرستيج الاجتماعي.

في حين أن هذا المنصب يعتبر من أثقل المناصب تكليفا لمن يفهم الأمور على النحو الصحيح، وبالتالي فإنه ليس بأسعد المناسبات التي يحتفي بها الشخص ويحتفل.

هذا المنصب يعني أن ولاة الأمر وقع اختيارهم عليك دون سائر أبناء الوطن للنهوض بمهام قطاع مركزي في الحكومة وتسييره على أفضل وجه لتحقيق أهداف الوطن والمواطنين.

هذا يعني أنهم يضيفون إلى مشاكلك ومشاغلك الخاصة، مشاكل ومشاغل وطنية أكبر، ويضعون على كتفيك أحمالا وأثقالا إضافية، وكان القدماء من السلف الصالح من أمتنا يتهربون من مثل هذه المسؤوليات والأحمال؛ لأنهم يعرفون أنها أمانة ثقيلة، يمكن أن تورد حاملها مهالك جهنم، إذا لم يؤدها على الوجه المطلوب ولم يوفها حقها أو أهمل فيها أو أساء استخدام سلطاتها ونفوذها.

وإذا كان فيها ما يسعد - لمن يملك الرغبة والقدرة - فهو هذه الثقة الغالية من ولي الأمر في كفاءة وقدرات الشخص المختار، كفاءته وقدراته العلمية والعملية والأخلاقية، وهي فرصة سانحة له ليضع هذه القدرات في خدمة الوطن والمواطنين، وفي هذا شرف عظيم, وهي - وفقط من هذا المنظور - تشريف للمرء لأن يخدم وطنه ومواطنيه، ويؤكد استحقاقه لثقة ولاة الأمر الغالية.

على أن للمسألة وجهها الآخر.

ويتمثل هذا الوجه من الفهم الصحيح لمعنى الاستوزار، والفهم الصحيح للأبعاد الحقيقية بطبيعة وظيفة ودور وحدود صلاحيات هذا المنصب.

وقد كتبت من قبل وعلى هذه الصفحة موضحا أن الوزير هو جزء من الجهاز التنفيذي الأعلى للدولة، وأنه بهذه المثابة مجرد طارئ.. على الجهاز الإداري في الوزارة. وأن مسؤوليته إنما تنحصر في متابعة تنفيذ السياسات التي يجيزها ويقرها مجلس الوزراء للوزارة التي يتولى مسؤوليتها، ولهذا فإن مجيئه وذهابه - على الأقل بالنسبة للوزارة - يجب أن لا يعني شيئا كبيرا.

وهذا لسببين:

- أولهما: أن السياسات والأهداف الخاصة بالوزارة لا ترتبط به شخصيا.

- وثانيا: أن آليات تنفيذ هذه السياسات تخضع لنظم لا ترتبط بالأشخاص، إن كان الوزير أو غيره، لأنها معدة ومصممة سلفا قبل مجيء الوزير، وستظل هذه النظم قائمة بعد ذهابه.

وهذا يعني في النهاية، أن مهمته إشرافية بحتة، وكأنه مندوب لمجلس الوزراء الذي حدد الأهداف وأقر وأجاز الخطط لكل الوزارات بمختلف قطاعاتها ومؤسساتها، ولهذا فإن مجيئه أو ذهابه عن الوزارة يجب أن لا يتعدى هذه الحدود.

والآن ما الداعي لقول كل هذا؟

في الواقع أقول هذا لأنني ألاحظ أن الأمر يأخذ أكثر مما يستحق من اهتمام، وأنه - أي هذا الاهتمام - يتم بطريقة، أجد أن اللامبالاة به أجدر وأحسن؛ لأن طريقة هذا الاهتمام تدل على أننا لا زلنا نتعامل بالعقلية الشخصانية، والتي ظللنا نحذر دائما من مثالبها وسلبياتها؛ لأنها تختزل كل ما هو عام وموضوعي في حدود شخصية وذاتية ضيقة، لا تستطيع أن ترى أن في هذا النهج إضرارا بقضايانا الوطنية الكبرى.

وإذا كان ثمة من ملاحظة على أداء بعض الوزارات وطريقة بعض الوزراء في إدارتهم لها فإنها تتلخص في أسلوب الإدارة المكتبية المغلقة لأعمال الوزارة، حيث يكتفي الوزير بتلقي التقارير المكتوبة عن سير أعمال وزارته ومرسلا بالأوامر والتوجيهات، دون أن يتنازل للخروج من مكتبه لملامسة واقع القطاع الذي يشرف على إدارته ملامسة مباشرة، تكشف له مدى تطابق التقارير مع ما هو على أرض الواقع.

خاصة في هذه المرحلة التي افتتح بها خادم الحرمين الشريفين ولايته ببرنامج الإصلاح الشامل الذي يتطلب من الجميع العمل بكل جدية وإخلاص وتفان.

وبالله التوفيق.

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS

تبدأ برقم الكاتب«7692» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد