Al Jazirah NewsPaper Monday  22/01/2007 G Issue 12534
مدارات شعبية
الأثنين 03 محرم 1428   العدد  12534

الشعراء بين سيوف الكرامة وأعناق الذل

* كتب - علي المفضي:

ابو الطيب المتنبي وهو شاعر الحكمة والمثل والغوص في خلايا المعنى من خلال التسلل عبر مسامات أخلاق الناس وتعاملاتهم وحالاتهم النفسية المتبدلة والمتغيرة بشكل دائم، رصد حالة من حالات قبول الانكسار وما يتبع ذلك من خسائر فادحة، قال بخبرة الإنسان وحس الشاعر:

من يهن يسهل الهوان عليه

مالجرح بميت إيلام

والهوان والذل والخنوع والانكسار حالات من التدني الشعوري البغيض الذي تأباه الفطرة السليمة والأخلاق النبيلة؛ لأنه استلاب الاستقلال بالرأي والتصرف المبني على القناعة، انه الجرح الذي لا يندمل، والفقيد الذي لا يستعاد والانهيار الذي يستقيم، والسوء الذي لا يحسن، والصدع الذي لا يرمم والحريق الذي لا يبقي ولا يذر، ومحمد الاحمد السديري بنظرته الثاقبة ما يعني حين قال:

الذل موت حايمات ضواميه

ادخل على منزل فروض الصيامي

إلى أن يقول مناديا بأعلى صوته من يظن أنه على شفى حفرة الهوان والتداعي والانهيار بقلب المحب الناصح لا الى احد معين بل الى كل احد يمكن ان يمر بحالة مماثلة من قبول الذل والسقوط في هاوية الهوان، وأن الموت بكرامة حياة ونعيم ونجاح لا يطاوله نجاح.

عن مقعدٍ بالذل عينك تراعيه

الموت عند الذل امان وسلامي

ويصل بنا إلى وصف من أوصاف من تقبل تركيبته النفسية بمواطن الخنوع ومنابت التدني ومسالك الوضاعة والقبول بالاحتقار والتنازل عن ما وهب الله من العزة والأنفة والرأس المرفوع بالكرامة.

يرضى المذله من تردت هقاويه

والذل يجفل منه قلب العصامي

ليصل بنا إلى قناعة هي الخلق السوي والطريق السليم لحفظ ماء الوجه والرقي الى المراتب العليا حين يدرك الانسان أن الله ساوى بين العباد بالكرامة اذا كانت التقوى هي المحك الحقيقي لقياس درجة القرب من الخالق عز وجل.

والعبد له رب عن الناس يغنيه

ولولاه ما صاب الهدف كل رامي

وقد قيض الله الشعراء ليكونوا جنبا الى جنب مع دعاة الفضيلة والتطلع الى خلق مجتمع محمي بالاعتداد والقوة حيث لا بناء بلا عدة من أهم موادها الاولية الكرامة ومن أبرز صفات عتادها الصلابة وقوة المقاومة لمفاهيم القبول بالذل حيث يقول راشد الخلاوي:

مقام الفتى في منزل العز ساعة

ولا الف عامٍ يصحب الذل صاحبه

حياةٍ بلا عزٍ محا الله حظها

حياة الفتى ما فاتها العز خايبة

فالى المرء صار العار والذل حظه

فالموت سترٍ له يغطي معايبه

والشواهد من قصائد الشعراء وشوارد أبياتهم كثيرة.. فهل يمثل الشاعر احد السدود في وجه الهدر الدائم لطاقة الأخلاق، وإذا كان كذلك فإلى أي حد نجح في مهمة أقل ما يقال عنها إنها سيدة مهام الاصلاح الاجتماعي وعلى مر التاريخ.

وقفة لابيات من قصيدة قديمة لي

لو عذابي يطول وهم قلبي يزيد

عزة النفس عندي فوق كل اعتبار

لي مع النجم طول العمر عهد وكيد

عاشق الصدق واضح مثل شمس النهار

ارتفع عن دنايا النفس وابعد بعيد

في عطش عمري اشري لذة الانتصار


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد