Al Jazirah NewsPaper Sunday  28/01/2007 G Issue 12540
مقـالات
الأحد 9 محرم 1428   العدد  12540
طلابنا بين الاستقلالية والاتكالية
د . صالح بن ناصر الشويرخ

يتصف الطالب (والطالبة) لدينا سواء أكانا في التعليم الجامعي، أم في التعليم العام بالسلبية والاعتماد على غيرهما وتنقصهما المبادرة وعدم وجود الحافز للتعلُّم خارج أسوار الجامعة أو المدرسة، ويعتمدان على ما يُقدم لهما داخل القاعة الدراسية، وعليه فعلاقتهما بعملية التعلُّم تنتهي بانتهاء دراستهما، مع أن التعلُّم عملية تستمر مدى الحياة، ولا يُمكن لأي مدرسة أو جامعة أن تزوِّد طلابها بكل المعارف والمهارات التي سوف يحتاجون إليها في حياتهم.. إن الطالب (والطالبة) يعانيان من الاتكالية ولا يتمتعان باستقلالية كافية تُمكِّنهما من شق طريقهما بنفسيهما، ولا يُمكن أن يكون الطالب فعالاً في نشاط تعلُّمي إذا لم يكن يتمتع بدرجة من الاستقلالية تجعله قادراً على اتخاذ قرارات بنفسه حول ما ينبغي أن يتعلمه وكيف يمكن أن يتعلمه، فالطالب المعتمد على معلمه لن يكون فعالاً في تعلُّمه مثل المتعلم الذي ينجح في تطوير إستراتيجيات تُمكنه من العثور على مصادره التعليمية واستخدامها.. ونحن لا نلقي اللوم في ذلك على الطالب وحده، فالطالب يتحمَّل جزءاً من المسؤولية، أما الجزء الأكبر من المسؤولية فيقع على النظام التعليمي والتربوي، الذي أوصل الطالب إلى هذه المرحلة من الاتكالية والسلبية.

ومن النتائج المترتبة على انعدام الاستقلالية وتفشي الاتكالية بين طلابنا وطالباتنا انتشار ظاهرتين خطيرتين. الظاهرة الأولى: تحميل الآخرين أسباب الفشل الدراسي، فيغلب على أبنائنا وبناتنا عند فشلهم في الاختبارات تحميل المعلم أو المعلمة أو أسئلة الاختبار الصعبة عدم قدرتهم على تجاوز المادة الدراسية.. وتشير كثير من الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يتمتعون بدرجة عالية من الاستقلالية ويعتمدون على أنفسهم يدركون أن نجاحهم أو فشلهم يقع تحت تحكمهم، ولا ينسبون ذلك النجاح أو الفشل إلى الآخرين، فسبب نجاحهم إذا حققوا النجاح هو عملهم الجاد وقدراتهم الذاتية، وسبب فشلهم إذا لم يوفقوا يعود إلى تقاعسهم أو عدم توفيقهم.

أما الظاهرة الثانية فهي انتشار الدروس الخصوصية، وهذه علامة على أن ثقة الطلاب والطالبات بأنفسهم ضعيفة ودرجة اعتمادهم على أنفسهم ضئيلة، مما يجعلهم غير مهيئين لتحمُّل المسؤولية والتغلب على العوائق التي تصادفهم في مشوارهم الدراسي. وقضية اعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية قبل وأثناء فترة الاختبارات لقيت (ولا تزال) اهتماماً كبيراً من وسائل الإعلام.. إن المشكلة في رأيي ليست في حاجة الطالب إلى المساعدة في إحدى المواد الدراسية التي قد يجد صعوبة في بعض موضوعاتها، لكن المشكلة أن الغالبية العظمى من الطلاب والطالبات على ما يبدو لم يعودوا قادرين على أن يستذكروا دروسهم إلا بمساعدة شخص آخر، ولم يعد الأمر مقتصراً في ذلك على بعض المواد الدراسية مثل مادتي الرياضيات واللغة الإنجليزية، بل تعداه ليشمل أغلب المواد الدراسية.. ولعل محاولة وزارة التربية والتعليم استبدال الدروس الخصوصية بمراكز الخدمات التربوية المنتشرة في كثير من مدن المملكة لن يحل المشكلة الأساسية التي تتمثَّل في السؤال التالي: لماذا لا يفهم الطالب ويستوعب ما يدرسه في المدرسة، لماذا يحتاج الطالب إلى مزيد من الدروس النظامية سواء أكان ذلك في مركز تربوي أو عن طريق مدرس خصوصي؟.. إن وزارة التربية والتعليم بهذا الإجراء قد تعمِّق المشكلة أكثر، إذ إنها ترسل رسالة واضحة للطالب مفادها أنه بحاجة دائمة لمساعدة الآخرين، وأنه غير قادر على تولي أموره الدراسية وحل مشكلاته التعليمية بنفسه.. إن الحل يتمثَّل في نظري في تغيير نظرة الطالب إلى عملية التعلُّم وتدريبه على إستراتيجيات التعلُّم والاستذكار والمراجعة، إذ يجب أن يكون الطالب على وعي بأن عملية التعلُّم عملية ذاتية بالدرجة الأولى قد يحتاج فيها المتعلم أحياناً وليس دائماً إلى مساعدة الآخرين، ويتمثَّل الحل أيضاً في تعزيز ثقة الطالب بنفسه وقدراته وإقناعه بأنه قادر على التعلُّم وعلى حل المشكلات التعليمية التي قد يواجهها إذا أحسن تشخيصها والتعامل معها، وفي تمكينه من الاعتماد على نفسه وتدريبه على طرق ووسائل وإستراتيجيات التعلُّم المختلفة التي يُمكن له أن يوظِّفها في مختلف الظروف.. إذا أردنا أن نتخلَّص من الدروس الخصوصية يجب توعية الطالب وإفهامه بأن بعض الدروس لا يحتاج إلا إلى جهد بسيط، وبعضها يتطلَّب جهداً كبيراً، وبعضها قد يتطلَّب تدخُّل شخص خبير، إذ يجب أن يملك الطالب القدرة على استعمال مجموعة من الطرق والإستراتيجيات التعليمية المختلفة وتجريبها وتطبيقها على الدروس المختلفة بطريقة فاعلة ومرنة.. ويمكن أن تقوم مراكز الخدمة التربوية بهذه المهمة بدلاً من أن ترسخ مفهوم الدروس الخصوصية، كما يجب أن يكون ذلك مؤقتاً حتى تتمكَّن المدرسة في برنامجها الصباحي من القيام بهذه الوظيفة.

إن هاتين الظاهرتين المرتبطتين بانعدام الاستقلالية قد يكون لهما انعكاسات خطيرة على الطالب والطالبة في مستقبلهما العملي والحياتي.. وتحقيق استقلالية الطالب والطالبة يتطلَّب استحداث هيكل تعليمي متطوِّر يكون التحكُّم فيه بعملية التعلُّم بيد الطالب، وتكون وظيفة الأستاذ تهيئة الظروف التي تجعل عملية تحكُّم الطالب بعملية التعلُّم ممكنة، والأخذ بيد الطالب لينتقل من موقف يعتمد فيه على الآخرين إلى موقف يكون قادراً فيه على الاعتماد على نفسه والثقة بقدراته، بحيث يزداد الاندماج النشط من طرف الطالب في عملية التعلُّم، وتزداد المسؤولية الملقاة على عاتقه في تخطيط الأنشطة التعليمية وتنفيذها، كما أن تحقيق هذا الهدف ألا وهو استقلالية الطالب يقتضي توفير الظروف التي تسمح للأستاذ والطالب بلعب أدوارهما الجديدة التي يقتضيها التعلُّم الاستقلالي، مما يؤدي في النهاية إلى الإدارة الفعَّالة للتعلُّم.. إن الهدف النهائي للعملية التعليمية يجب أن يكون تنمية قدرة الطالب على التعلُّم بشكل استقلالي غير معتمد على أسلوب الفصل التقليدي تحت إشراف الأستاذ، حتى يكون قادراً على مواصلة التعلُّم مدى الحياة، وحتى يكون قادراً على التعامل مع حجم المعلومات المتزايد الذي يتدفق من خلال شبكة المعلومات الدولية ووسائل تقنية المعلومات الأخرى في عصر يتسم بتغيُّر المعرفة فيه ونموها بسرعة كبيرة.

إن تحقيق الاستقلالية والتخفيف من نزعة الاتكالية والسلبية التي يتصف بها كثير من أبنائنا وبناتنا يستوجب تغييرات أساسية في طرق التدريس والإجراءات الصفية المتبعة بشكل يسمح للطلاب بممارسة تحمُّل مسؤولية التعلُّم، كما يستلزم تغيير طبيعة الأنشطة الصفية التقليدية التي تطغى على الفصول الدراسية في مدارسنا وجامعاتنا، ويقتضي أيضاً إحداث تغييرات جذرية في طرق القياس والتقويم لتتناسب مع مفهوم الاستقلالية، وما يتطلبه ذلك من تغيير في النظرة لطبيعة المعرفة وطرق تحصيلها، وما يستلزمه من منح الفرصة للطلاب والطالبات لممارسة التقويم الذاتي.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد